الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    نائب وزير الخارجية يفتتح القسم القنصلي بسفارة المملكة في السودان    القبض على ثلاثة مقيمين لترويجهم مادتي الامفيتامين والميثامفيتامين المخدرتين بتبوك    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    تنفيذ حكم القتل بحق مواطنيْن بتهم الخيانة والانضمام لكيانات إرهابية    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    أسمنت المنطقة الجنوبية توقع شراكة مع الهيئة الملكية وصلب ستيل لتعزيز التكامل الصناعي في جازان    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    استشهاد أربعة فلسطينيين في غارة إسرائيلية على منزل وسط قطاع غزة    "مجدٍ مباري" احتفاءً بمرور 200 عام على تأسيس الدولة السعودية الثانية    إقبال جماهيري كبير في اليوم الثالث من ملتقى القراءة الدولي    رينارد: مواجهة البحرين صعبة.. وهدفنا الكأس الخليجية    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    200 فرصة في استثمر بالمدينة    «العالم الإسلامي»: ندين عملية الدهس في ألمانيا.. ونتضامن مع ذوي الضحايا    إصابة 14 شخصاً في تل أبيب جراء صاروخ أطلق من اليمن    «عكاظ» تنشر توصيات اجتماع النواب العموم العرب في نيوم    «الأرصاد»: طقس «الشمالية» 4 تحت الصفر.. وثلوج على «اللوز»    ضبط 20,159 وافداً مخالفاً وترحيل 9,461    التعادل يسيطر على مباريات الجولة الأولى في «خليجي 26»    سفارة السعودية بواشنطن تحتفي باليوم العالمي للغة العربية    «كنوز السعودية».. رحلة ثقافية تعيد تعريف الهوية الإعلامية للمملكة    وفد «هارفارد» يستكشف «جدة التاريخية»    حوار ثقافي سعودي عراقي في المجال الموسيقي    ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف الشريف    مدرب البحرين: رينارد مختلف عن مانشيني    فتيات الشباب يتربعن على قمة التايكوندو    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    هل يجوز البيع بسعرين ؟!    12 مليون زائر يشهدون أحداثاً استثنائية في «موسم الرياض»    رأس وفد المملكة في "ورشة العمل رفيعة المستوى".. وزير التجارة: تبنّى العالم المتزايد للرقمنة أحدث تحولاً في موثوقية التجارة    ضبط (20159) مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    الإستثمار في الفرد والمجتمع والوطن    وزير الطاقة وثقافة الاعتذار للمستهلك    مدرب الكويت: عانينا من سوء الحظ    سمو ولي العهد يطمئن على صحة ملك المغرب    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة الكويت وعُمان في افتتاح خليجي 26    معرض وزارة الداخلية (واحة الأمن).. مسيرة أمن وازدهار وجودة حياة لكل الوطن    رحلة إبداعية    «موسم الدرعية».. احتفاء بالتاريخ والثقافة والفنون    «يوتيوب» تكافح العناوين المضللة لمقاطع الفيديو    لمحات من حروب الإسلام    السعودية أيقونة العطاء والتضامن الإنساني في العالم    الحربان العالميتان.. !    رواية الحرب الخفيّة ضد السعوديين والسعودية    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    المؤتمر الإعلامي الثاني للتصلب المتعدد: تعزيز التوعية وتكامل الجهود    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    أمير القصيم يرعى انطلاق ملتقى المكتبات    محمد بن ناصر يفتتح شاطئ ملكية جازان    ضيوف خادم الحرمين يشيدون بعناية المملكة بكتاب الله طباعة ونشرًا وتعليمًا    المركز الوطني للعمليات الأمنية يواصل استقباله زوار معرض (واحة الأمن)    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع يهنى القيادة الرشيدة بمناسبة افتتاح كورنيش الهيئة الملكية في بيش    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيمن الكزبري يدافع عن صورة أخيه في السياسة السورية : "مأمون الكزبري لم يصنع الانفصال ونحن عائلة علم ودين"
نشر في الحياة يوم 26 - 07 - 1998

لا يمكن لنا، ولا للأجيال القادمة، ان نمر مرور الكرام على السنوات الصعبة والمهمة في الحياة السياسية السورية، التي تلت الاستقلال. وأخص هنا سنوات الوحدة والانفصال عن حصر ودقائق احداثها وطبيعة تفكير رموزها وشخصياتها وأحزابها التي أثرت وتأثرت في احداث تلك المرحلة، بل ان ذلك الأثر والتأثر لا زال مستمراً حتى اليوم.
وتشاء الصدف ان يتوفى الله الدكتور مأمون الكزبري رئيس مجلس النواب في الفترة الأولى من الانفصال بعد مدة وجيزة من وفاة الدكتور ناظم القدسي الذي كان رئيساً للجمهورية العربية السورية في تلك الفترة. بل ان ذلك حدث ايضاً بعد اربعين عاماً على قيام الجمهورية العربية المتحدة، وهو الاسم الذي كان يطلق على دولة الوحدة بين مصر وسورية. وكل هذا يأتي في وقت تتأكد فيه اهمية العمل العربي الوحدوي والتضامني باللغة السياسية لهذه الأيام.
ولهذا فان الحديث عن تلك الاجواء من خلال هاتين الشخصيتين يبدو محطة من المحطات التي يمكن التوقف عندها والتذكير بحيثياتها، فهاتان الشخصيتان تعتبران من الشخصيات الأساسية التي ارتكزت عليها الواجهة السياسية بعد وقوع الانفصال عام 1961.
والحديث السريع عن شخصية مأمون الكزبري ليس سهلاً، ولا يمكن المرور من خلاله على طبيعة وحيثيات ما حصل، لذلك ينبغي ان نتحاشى تثبيت اي حكم قيمة ما لم يكن مبرراً ودقيقاً.
فلقد برز مأمون الكزبري كمحام شهير، ومدرس للقانون في الجامعة السورية. ثم انه، وفي فترة من الفترات، تقرّب من العقيد اديس الشيشكلي اخطر الشخصيات التي مرت في تاريخ سورية بعد الاستقلال، وفي فترة الانقلابات العسكرية، والواقع ان الشيشكلي استفاد من خبراته القانونية كثيراً، واندفع في مشروعه لتثبيت الوضع الدستوري في البلاد لولا ان تمكن الجيش من اطاحته، وكان الكزبري في تلك اللحظة رئيساً للبرلمان.
وما فعله مأمون الكزبري عندها، هو انه دعا البرلمان للانعقاد في 26 شباط فبراير 1954. وقرأ استقالة الشيشكلي، وتولى هو السلطات عملاً باحكام البندين 86 و89 من الدستور الى ان قدم استقالته الى الزعيم شوكت شقير قائد الانقلاب على الشيشكلي.
ولم ينشغل مأمون الكزبري بعدها بالحياة السياسية، بل عاد بسرعة الى الجامعة وموقعه العلمي فيها الى ان عينه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في لجنة توحيد القوانين بين مصر وسورية عشية الوحدة. وكان عمله هذا قانونياً بحتاً وإن اصطبغ بصبغة سياسية قومية.
لقد وقع الانفصال في الثامن والعشرين من ايلول سبتمبر 1961، حيث قامت مجموعة من الضباط السوريين من بينهم حيدر الكزبري وموفق عصاصة، الاعلان للمشير عبدالحكيم عامر، الذي كان في دمشق وقتها، انهم يريدون وقف تجاوزات "الفساد والطغيان" كما جاء في بيانهم الأول، وانهم يريدون "الحفاظ على أرض الوطن وسلامته وحريته وكرامته" كما اورد ذلك البيان الذي اصدروه.
ولم يكن هذا يعني فيما بعد سوى الانفصال، اي مواجهة حالة دستورية جديدة في حياة البلاد التي اضحت معزولة عن مصر. وفي فجر ذلك اليوم، اي الثامن والعشرين من ايلول، جاء الانقلابيون الى بيت مأمون الكزبري كما قال لي شقيقه الدكتور ايمن الكزبري وطلبوا منه اخراج الصيغة الدستورية لما فعلوه. فوافق دون ان يعي جدياً ان هذه اللحظات ستتذكرها اجيال كثيرة فيما بعد، وتصدر بحقها حكم قيمة قد لا يرضي من شارك فيها.
وفيما بعد شكل مأمون الكزبري الحكومة الانتقالية التي ستحكم البلاد الى حين اجراء انتخابات عامة، بل أسند الى نفسه وزارتي الخارجية والدفاع، في وقت كان المظليون المصريون يهبطون في اللاذقية لتصفية حركة الانفصال.
وتدارك مأمون الكزبري الأمر معلناً عبر اذاعة دمشق ان حركة 28 ايلول "هدفت قبل كل شيء الى اعادة بناء الوحدة العربية السياسية على النحو الذي ترتضيه الشعوب العربية جميعاً!".
لم تكن تلك اللحظات الساخنة عادية في حياة مأمون الكزبري، بل انها ترسخت في ذاكرة العرب بكاملهم لأنهم كانوا يتطلعون الى هذا النموذج الوحدوي تطلع الغريق الى المركب القادم نحوه لانقاذه.
ولكن الاحداث تسارعت بشكل كبير، ففي تشرين الثاني نوفمبر من العام نفسه قدم مأمون الكزبري استقالته من رئاسة الحكومة ورشح نفسه للبرلمان ضمن قائمة ائتلافية شارك فيها كبار رموز تلك المرحلة كصبري العسلي وعصام العطار ونصوح بابيل وسهيل خوري وفؤاد دهمان. وتمكن الكزبري من الحصول على 31935 صوتاً من ناخبي دمشق، وكان هذا الرقم كبيراً في ذلك الوقت. ثم انه وبعد ان انعقدت الجلسة الأولى للبرلمان تنافس مع جلال السيد على رئاسة البرلمان فنال 114 صوتاً اي بزيادة 67 صوتاً على اصوات جلال السيد.
كل ذلك كان يثير الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في القاهرة، وكان يرصده بدأب الى ان نفد صبره، فألقى خطاباً في عيد الوحدة - اي بعد شهرين من تلك الاحداث - هز فيه الحركة السياسية والشارع السياسي كله في سورية، معلناً عن اعترافات عبدالكريم الدندشي التي تمت عام 1957 في سجن المزة، ومن خلال تلك الاعترافات التي كشفها عبدالناصر، تمّ الاعلان عن مؤامرة قديمة ضد الوحدة، وورد فيها اسماء كثيرة من بينها: اسما مأمون الكزبري وأخوه أيمن.
ووصف الرئيس عبدالناصر مأمون الكزبري "الذي كان موجوداً هنا في القاهرة، وكان من اكبر دعاة الوحدة" بالخداع. فاهتز الشارع السياسي في سورية، وارتبك مأمون الكزبري مع كل من اتهمهم الرئيس عبدالناصر، بل ان انقلاباً وقع في 28 آذار مارس 1962، بعد نحو شهر واحد من خطاب عبدالناصر، سجن القائمون فيه كلاً من الرئيس ناظم القدسي ورئيس برلمانه مأمون الكزبري. وظل الكزبري في السجن لغاية العاشر من ايار. وفي سجلات البرلمان السوري نقرأ استقالة الكزبري التي يقول فيها: "انني انتهز فرصة هذا الاجتماع لأعلن امامكم رغبتي المخلصة بالتخلي عن رئاسة مجلسكم الموقر، لأفسح المجال رحباً فسيحاً امام القضاء العادل ليقول كلمته العليا فيما لصق حولي من تهم وأباطيل لم ينج منها اكثركم ان لم اقل جميعكم!!".
كان خطاب جمال عبدالناصر ضربة قوية لخصومه في دمشق، ولم يحدث في تاريخ العلاقات بين سورية ومصر ان اثر خطاب لزعيم احد البلدين في البلد الآخر كما أثر هذا الخطاب.
ويلاحظ اكرم الحوراني في تعليقه على هذه الاحداث انه كان باستطاعة الدندشي ان يدعي بأن اعترافاته التي اوردها عبدالناصر، "انما كانت تحت التعذيب، ولو فعل ذلك، لما كان لخطاب عبدالناصر الأثر الذي احدثه في الرأي العام السوري".
وهذه نقطة أشار اليّ فيها الدكتور ايمن الكزبري موضحاً ان تلك الاعترافات اخذت عنوة وان كل ما قيل كان مجرد اتهامات لضرب حكم الانفصال. ولكن الدكتور ايمن اكد فعلاً ان الانفصال جريمة في الحياة السياسية السورية، ولكن لا ينبغي اعتبار كل من شارك فيها مجرماً. بل ينبغي التوقف عند الظروف التي ادت الى ما حصل.
ومنذ ذلك الوقت، ابتعد مأمون الكزبري عن السياسة. وبمحض ارادته اندفع الى العمل في التدريس والمحاماة، وكأنه يريد ان يقول: ان السياسة لم تعد مجدية منذ 1961.
هكذا ببساطة تنطوي فعالية شخصية مهمة في الحياة السياسية السورية، وتبرز في مكان آخر وفي مجال آخر في المغرب وتحديداً جامعة محمد الخامس لتمتهن التدريس، وتحاول في غالبية طروحاتها تثبيت المفاهيم القانونية والدستورية في رؤوس الدارسين المتتلمذين على يده.
ولكن السؤال يبرز بوضوح: كيف؟ ولماذا! وهل ثمة سيرة سيرويها لنا مأمون الكزبري في يومياته في ما لو ظهرت؟!
الاجابة التي يحتاجها السؤال، هي الحقيقة التاريخية ومن الذي سيكشف هذه الحقيقة؟
ان مأمون الكزبري، لم يجد إبان تلك الازمة التي عاشها مع آخرين من السياسيين السوريين احداً يدافع عنه ما عدا جريدة "المنار" الدمشقية التي كانت تصدر في ذلك الوقت، فتلك الصحيفة نشرت دفاعاً عن مأمون الكزبري بتوقيع: "قومي عربي". ويتحدث هذا الدفاع عن السجل الحافل "بجلائل الأعمال" لمأمون الكزبري. ولكن السؤال الذي طرحه كاتب يوميات الانفصال فهمي المحايري يقول: من الذي كتب هذا الدفاع؟! من هو القومي العربي؟!
كان مأمون الكزبري يريد العودة الى دمشق ليمضي بقية حياته فيها، وقد زارها فعلاً قبل شهرين من وفاته، وربما كان شعوره في مدينته شعوراً لشخص يتذكر السنوات الصعبة والساخنة. لكنه وعندما توفي في الثاني من آذار 1998، وعاد ليدفن فيها لم يكن بوسعه ان يتذكر الا انه يحبها كما قال اخوه الدكتور ايمن الكزبري الذي يروي، هنا، الرواية المضادة. والدكتور أيمن، الذي ورد اسمه في خطاب الرئيس عبدالناصر، شخصية علمية هادئة، يهتم بعيادته الموجودة في شارع قصر الضيافة أكثر من اهتمامه بالسياسة، لكن المدقق في رفوف عيادته يكتشف وجود بعض الكتب السياسية المهمة، خصوصاً من كتب محمد حسنين هيكل... لكن الدكتور أيمن رغم كل شيء، يحاول قدر الامكان عدم التعاطي في المسائل السياسية.
زرته في العيادة. اعطاني موعداً كأي مريض يود المعالجة. ولم تستمر فترة المقابلة أكثر من ساعة بدأتها بسؤال مباشر، بقولي:
هل يمكن أن يكون الشخص الموجود أمامي الآن، والذي هو رجل علم أكثر منه رجل سياسة... هل يمكن ان يكون متهماً بقضية سياسية تمس جوهر الوطن... هذه القضية هي قبض عملة من دولة أجنبية في الخمسينات؟
تردد الدكتور أمين، وقال:
- أحتار ماذا أقول لك!
ثم طلب مني أن أعيد السؤال، فأعدته... فقال:
- كان عبدالناصر يريد حجة على بعض الأشخاص لاجهاض حركة الانفصال التي قامت ضده في 28 أيلول سبتمبر 1961. نعم كان يريد التجريح بهؤلاء الاشخاص الذين قاموا بالحركة، ومما قاله عبدالناصر: إن أم مأمون الكزبري يهودية! قال ذلك في خطابه. أي ان مأمون الكزبري ليس فيه دم عربي لأن أمه أجنبية... يهودية.
والدتك من أي أسرة؟
- والدتي من عائلة دمشقية. من عائلة السمان. أسرتها معروفة ووالدها كان أكبر تاجر في البزورية، وكان يحكم بين الناس. كان خليل السمان ملاذ الناس عندما يختلفون. عائلة أمي عريقة. حولها عبدالناصر إلى يهودية! وبالتالي ليس غريباً أن يقول عن أيمن الكزبري، عني، انني كنت الواسطة في قبض الأموال!
وبالنسبة لأخي الدكتور مأمون لم يقم بالانفصال. مجموعة ضباط ومعهم حيدر الكزبري جاؤوا إليه ليلاً وأيقظوه من النوم وطلبوا منه انقاذه وارشادهم إلى الطريقة التي يتصرفون بها بعد أن قاموا بالانفصال. ولذلك قام أخي بتشكيل الحكومة، ثم شارك بالانتخابات النيابية، لكن ليس له أي ضلع في الانفصال!
هل كان بينكم وبين جمال عبدالناصر حقد شخصي؟
- أبداً. بالعكس، كان أخي عضواً في لجنة توحيد القوانين بين مصر وسورية. ولو لم يقع الانفصال كان مأمون سيشغل منصباً كبيراً في دولة الوحدة.
هل يمكن القول إن مأمون الكزبري كان ضحية حيدر الكزبري؟
- لا، كان ضحية الانفصال!. ولكن الآن لا يذكرون إلا مأمون الكزبري. لا يذكرون حيدر الكزبري أو موفق عصاصة!
يعني ان الدكتور مأمون تورط بما طلبه منه أولئك الذين قاموا بالانفصال وزاروه ليلاً طلباً للمساعدة؟
- طبعاً. الحدث وقع. بقيت مسألة تركيز الأمور من الناحية الدستورية، فلجأوا إليه.
ولكنه كان ذكياً وسياسياً محنكاً فكيف يقع في هذا الخطأ؟
- ليس خطأ. الخطأ وقع في الانفصال!
- التورط في الانفصال أكبر على الصعيد الشخصي؟
- بالعكس. لجأوا إليه، وقام هو بتثبيت الوضع القانوني والدستوري.
منذ أيام الشيشكلي قالوا إن مأمون الكزبري كان يعمل وراء الكواليس، بل كان الساعد الأيمن للشيشكلي...
- كان في حزب التحرير. كان عضواً في هذا الحزب، ولكنه، عند الانتخابات، تمكن من الحصول على مجموع أصوات تلي أصوات سعيد الغزي تماماً، وانتخب رئيساً للمجلس النيابي.
وتغلب على جلال السيد؟
- نعم.
هل كان مأمون الكزبري شخصية تطمح للوصول إلى رئاسة سورية؟
- لا. لقد عرضوا عليه ذلك قبل أن يتولى ناظم القدسي الرئاسة. رفض، فتولى القدسي منصب الرئيس.
عندما سقط الشيشكلي كان مأمون رئيساً للبرلمان، فطرح نفسه رئيساً للبلاد بطريقة دستورية...
- نعم بطريقة دستورية، ولكن سلّم الأمور لشوكت شقير...
بعض المصادر تقول إنه كان ينوي الاستمرار في ما لو سنحت له الفرصة...
- أبداً، بالعكس!
أسألك بشكل شخصي، فأنت كأخ تعرفه أكثر من الجميع. هل كان يفكر بهذه الطريقة؟
- أبداً، اطلاقاً! كان يفكر بخدمة بلده. كانوا يلجأون إليه، وهو لم يهتم بالمركز أو الوظيفة، وكان يلبي... لو كان يريد أن يصبح رئيساً لكان قبل مع بعض الضباط الذي لديهم القوة العسكرية في القابون والذين دعوه ليقود انقلاباً عرضوه عليه...
متى حصل هذا؟
- عند سقوط الشيشكلي.
هل تذكر اسماء هؤلاء الضباط؟
- لا أذكر. لا اريد ذكر اسماء. لقد جاء إليه ضابطان بعد سقوط الشيشكلي، وقالا له: لدينا قوات في القابون - القريبة من دمشق - وإذا اعطيتنا الأوامر نتحرك لوقف القوات القادمة من الشمال، ولكنه رفض.
لماذا رفض؟
- كي لا يسيل الدم. حتى لا يسمى انقلاباً، لم يكن لديه مطامع أبداً. وعندما جاء الوطنيون، صبري العسلي وجماعته، خرج مأمون لاستقبالهم في حمص، وسلمهم الحكم، ثم ذهب إلى بيته!
بين فترة الشيشكلي وقيام الوحدة، ماذا كان يعمل مأمون الكزبري؟ هل كفّ عن العمل السياسي؟
- كان عنده مكتب محاماة، عمل في مكتبه، وعاد إلى التدريس في الجامعة، وظل على هذه الحال إلى أن كلفه الرئيس عبدالناصر بلجنة توحيد القوانين عشية الوحدة.
وأنت دكتور أيمن، ماذا كنت تفعل في ذلك الوقت؟
- كنت بعيداً عن السياسة. لم أكن أعرف شيئاً عما يجري. أنا لا أحب السياسة. الطبيب لا يعمل في السياسة!
- ولكن كثيراً من رجالات سورية كانوا أطباء وعملوا في السياسة: عبدالرحمن الشهبندر، يوسف زعين، نورالدين الأتاسي... الخ؟
- لم يكونوا أطباء. لم يذكرهم أحد كأطباء. العيادة مقدسة بالنسبة لي...
الدكتور جمال الأتاسي طبيب ولديه عيادة، كان يعمل بالسياسة. لم يترك العيادة...
- كطبيب ليس ناجحاً كثيراً. أغلب وقته يكرسه للسياسة!
وصمت الدكتور أيمن الكزبري لحظة، ثم قال بأسى:
- الذي يريد العمل في السياسة ينبغي أن يغلق عيادته. ينبغي أن لا يترك هذه العيادة المقدسة من أجل كرسي موقت، لأنه سيرمى خارجاً وسيشرشحونه، لأن السياسة مع الأسف ليست محببة كثيراً للناس. ومن يريد أن يشرشح نفسه يشتغل في السياسة.
في الأيام الأخيرة للوحدة، أنت كمواطن، كرجل علم، وليس كرجل سياسة، هل كنت تشعر ان هناك اخطاء في دولة الوحدة؟
- لا استطيع أن اعطي رأيي لأني غريب عن السياسة.
هل كان هناك غلاء، هل كان ثمة قمع، بماذا كنت تحس في ذلك الوقت؟
أجاب بحدة:
- لا اذكر... لا أذكر شيئاً.
لا تذكر... أم لا تريد أن تحكي؟
- فعلاً لا اذكر...
عندما وقع الانفصال، أين كنت في 28 أيلول 1961؟
- كنت في البيت، جاؤوا باكراً وأخذوا أخي مأمون. كنا نقطن معاً. لحقت به لأعيده.
كيف؟ ماذا قلت له؟
- قلت له: شو بدك بهذه الشغلة؟ اتركهم يتخبطوا! قال لي: لا يجوز أن اتركهم.
وعندما تولى السلطة وشكل الوزارة، وعندما قرأ بيان الانفصال من اذاعة دمشق، هل تناقشت معه، هل أخبرته ان هذا العمل لا يليق به؟
- أبداً أبداً. استغرقه العمل ولم أعد اراه. لم يكن هناك وقت للنقاش...
قلت لي إن الضباط حيدر الكزبري وموفق عصاصة وعبدالكريم النحلاوي جاؤوكم إلى البيت ليلاً. ترى هل كانوا يريدون ان يضعوا مأمون الكزبري واجهة مدنية للانقلاب؟
- لا أعرف غايتهم. أعرف أنهم لجأوا إليه لأن موقفهم كان صعباً.
أنت الدكتور أيمن الكزبري ما رأيك بالوحدة؟
- عظمية. غاية كل عربي. وأخي مأمون الكزبري كان على رأس من يسعى للوحدة، ولكن خلال وحدة 1958 وقعت اخطاء كثيرة، فقام العسكريون بانقلاب ضدها. ولكن كلنا وحدويون. لا يوجد سوري إلا مع الوحدة. أساساً القومية العربية خلقت في دمشق!!
أنت تقول اخطأت الوحدة ووقع الانفصال. بماذا اخطأت الوحدة؟
- أخطأت بمعاملة المصريين للسوريين.
ماذا كان يفعل المصريون مع السوريين؟
- كانوا غير مفهوم. كانوا يعتبرونهم مواطنين من الدرجة الثانية: ضابط صغير مصري كان يعطي أوامره لضابط كبير سوري. وضابط كبير سوري يعطي أوامر لضابط صغير مصري فلا ينفذ الأوامر. هذا التسلط هو الذي سبب الانفصال؟ هذه الأخطاء هي التي ضيعت الوحدة. الضابط السورية عنده كرامته. ولكن هذا الذي حصل، وهكذا وقعت الغلطة الكبرى.
- برأيك من الذي دفع ثمن الانفصال، هل هم المصريون، أم هل هو جمال عبدالناصر، أم العرب ككل؟
- العرب ككل.
هناك من يقول إن عبدالناصر انتهى في الانفصال...
- نعم في الانفصال انتهى جمال عبدالناصر.
ولكن الانفصال جريمة؟
- طبعاً ما في شك.
ولكن هل الذين قاموا بالانفصال هم من المجرمين؟
- لا... لأنهم ارادوا أن يعيدوا الوحدة على أسس ثانية صحيحة.
هذا كلام ناظم القدسي ومأمون الكزبري عندما وقع الانفصال؟
- هذا صحيح! كانوا يريدون إعادة الوحدة على أسس سليمة. يريدون تصحيح الأخطاء التي وقع فيها عبدالناصر. إن عبدالناصر ضيّع الوحدة العربية. عبدالناصر بالذات!
- هل ترى أنه غير ديموقراطي؟
- كان رجلاً عسكرياً. لم يكن ديموقراطياً. كان ديكتاتورياً.
لو كان عبدالناصر ديموقراطياً، هل كانت الوحدة ستستمر؟
- اعتقد! لقد سمعت من وزراء سوريين... شوكت القنواتي كان وزيراً للصحة، ومع ذلك ظل ثلاثة أشهر في القاهرة ولم يتمكن من مقابلة الرئيس عبدالناصر... أين الديموقراطية؟!
وضحك الدكتور أيمن الكزبري، وقال:
- لا أعرف ما إذا كانت هذه الاجوبة تفيدك.
فقلت له:
العفوية أجمل شيء لكشف الحقائق...
ثم تابعت الأسئلة قائلاً:
- بعد الانفصال انكفأ مأمون الكزبري إلى أن توفى في بيروت؟
- لا. لقد عاش في المغرب. كان يدّرس في جامعة محمد الخامس في الرباط. لقد تخرج العديد من السفراء من تحت يديه. وهو الذي عرّب التدريس في المغرب.
هل كان يدخل إلى سورية بصورة طبيعية؟
- لم يدخل إلى سورية إلا قبل شهرين من وفاته.
ماذا كان يعمل في بيروت؟
- متقاعد.
ولماذا لم يكن في سورية؟
- لأن بيته وأسرته كانوا هناك وإلى الآن.
هل أقدم على أي عمل سياسي بعد الانفصال؟
- لا.
يقولون إن آل الكزبري هم انفصاليون لأن مأمون هو الصوت الذي برز عند الانفصال ولأن حيدر الكزبري هو الضابط الذي ساهم بالانفصال مع آخرين ولأن أيمن الكزبري الذي لا علاقة له بالسياسة لوّث اسمه بمؤامرات الآخرين... إذن ثمة ذاكرة عند الناس... إن آل الكزبري هم انفصاليون؟
- صحيح!
- ما الذي تقوله لهؤلاء الناس حتى لو بلغوا المليون؟
- هذه تهمة الصقت بآل الكزبري. والواقع انه إذا كان هناك من يريد الوحدة فهم آل الكزبري. الذين كانوا يعملون طول عمرهم باخلاص ووطنية.
يقولون إن البورجوازية السورية تضررت من الوحدة، فسعت للانفصال، وبشكل أوضح، ان تجار سوق الحميدية هم من كانوا وراء الانفصال... هل كان آل الكزبري من بورجوازيي دمشق الذين تضرروا من الوحدة؟
- نحن لسنا تجاراً. موردنا هو العلم. نحن نعرف كمشايخ وعلماء دين وضرب أيمن الكزبري على الطاولة علماء دين...
من هو أبرز عالم دين في آل الكزبري؟
- الشيخ مسلم الكزبري. توفي منذ مئة سنة!
وما قصة حيدر الكزبري؟
- حيدر محبوب. لم يخطئ بالنسبة إلى أسرته. رجل يجب أن تحترمه لأنه لم يعمل عملاً سيئاً، بل دفع إلى هذا العمل. هو واحد من عدة ضباط، وعلى بساطته المعروفة أقام مضافة لتقديم القهوة، وكان في الهجانة وعناصر الهجانة كانوا يقدمون القهوة. ولذلك ألبسوه تهمة لم يكن يستطيع القيام بها. لقد وضعه الضباط الآخرون في الواجهة!
- هل كان مضللاً؟
- ضللوه ما في شك، لأنه بسيط. كان ضابطاً عادياً وليست لديه تلك الثقافة!
وأخيراً، لقد قدر لك ان تكتب مذكراتك، هل تكتبها كمذكرات طبيب، أم كمذكرات رجل ظُلم في تاريخ سورية؟
- طبعاً سأذكر انني ظُلمت من هذه الناحية. لقد الصقوا بي أشياء لا أعرف شيئاً عنها. أنا لم أعمل في السياسة بحياتي. لو كان ذلك صحيحاً لكنت وزيراً للصحة منذ زمن طويل...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.