فيصل القاسم صار نجماً من نجوم الشاشة الصغيرة، فهو استطاع ان يتبوأ مكانة مميزة، ويخلف بصمة في مشواره الاعلامي، وأثار الجدل من حوله عبر برنامجه "الاتجاه المعاكس" الذي يعرض على محطة "الجزيرة" الفضائية، واثارت آراؤه وانتقاداته للكثير من السلبيات في مختلف الدول العربية الحساسية حياله، واعتبره بعض الدول عدواً له. "الحياة" التقته وسألته عن عمله الاعلامي والجوانب المضيئة فيه وعن أحلامه وانكساراته. هل كان بين أحلام شبابك أن تصبح مذيع تلفزيون ؟ - لم يكن حلماً، بل هو هوس بالاذاعة ومراسلتها، وتقليد مذيعون في اذاعة دمشق، تحول بعد مدة هوساً بالتلفزة. لا أدري لماذا ؟ كنت في قرية ليس فيها كهرباء وكانت أجمل رحلات العمر عندما أذهب الى المدينة لمشاهدة التلفزيون. وكنت دائماً أحلم أن نملك جهاز تلفزيون وظل الحلم يراودني طويلاً، وكان هذا صعباً جداً بالنسبة إلى أسرتي. المهم أنني تابعت دراستي في ظروف صعبة جداً، واثناء إعدادي للدكتوراه في لندن تعرفت إلى رئيس هيئة الاذاعة البريطانية القسم العربي ودار بيننا حوار أعجب من خلاله بي، وطلب مني التقدم الى الاذاعة فتحقق حُلم حياتي ببساطة، إذ عملت في اذاعة لندن معداً ومذيعاً سبع سنوات، ثم افتتحت محطة تلفزيون في ال .B.B.C فوقع علي الاختيار للعمل سنتين، وبعد اغلاق تلك المحطة انضممت الى قناة "الجزيرة" المثل الأعلى مَنْ المذيعون الذين كانوا مثلاً أعلى لك في مرحلتي المراهقة والشباب؟ - كنت معجباً بمذيع في الاذاعة السورية اسمه طالب يعقوب. كان صوته ساحراً، اضافة الى غير مذيع في الاذاعة الأردنية! ما أهم الكتب التي أثرت في تكوينك الثقافي؟ - في صغري كنت أنتمي الى عائلة فقيرة جداً "مسحوقة" تتكون من 11 طفلاً، فلم أكن قادراً على شراء الكتب ولا حتى الجريدة اليومية، فلم أقرأ كثيراً في حينه، لكنني عندما ذهبت الى بريطانيا للدراسة الدكتوراه تولدت لدي رغبة عارمة في القراءة بنهم شديد في كل المجالات، على رغم أن القراءة في الكبر ليست كما هي في الصغر والآن وبعد تقديمي برنامج "الاتجاه المعاكس" اقرأ أكثر من 20 صحيفة يومياً، اضافة الى الكثير من الكتب، وأدخل مواقع عدة عبر الانترنت. من الاشخاص الذين ساندوك في مشوارك الإعلامي؟ - بداية لم يكن طريقي مفروشاً بالورود، بل بالأشواك من اسوأ الأنواع، وعلى رغم أنني كنت أعيش في واقع مزرٍ جداً وأقطن مع اخوتي الأحد عشر في حجرتين من "الطوب" وأعمل في أصعب المهن، إلا أن الوالد وقف الى جانبي بقوة. وفي وقت كنت أتعرض للاضطهاد والقهر والقمع بسبب ظروفي، كان خالي زيد يساندني بقوة ويرفع من روحي المعنوية، وكان هذا دافعاً لي لتخطي الصعوبات التي أواجهها وكان هناك أيضاً عمي ابو حسن عبدالله الذي كان يتوقع لي المستقبل اللامع ويزرع في داخلي ثقة لم تكن ممكنة وسط جو يحبط من عزيمتي ويهزأ مني! وبعيداً من الاسرة، وقف إلى جانبي في المرحلة الاعدادية الدكتور يحيى العريفي الذي كان له دور كبير في حبي للغة الانكليزية، وفي الجامعة الدكتور عدنان برنية الذي شجعني كثيراً ورفع من معنوياتي، وكان له الفضل في تخرجي في جامعة دمشق - قسم الأدب الانكليزي في المرتبة الاولى... فضلاً عن إدارة قناة "الجزيرة" التي وفرت لي كل الظروف لأظهر في أبهى صورة! الظروف السيئة التي صادفتك هل كان لها جانب ايجابي؟ - الإحباط الاجتماعي الكبير الذي صادفني ولّد فيَّ أمراً ايجابياً، هو أن أحطم كل القيود، وأن أعمل المستحيل لأصل إلى مكان ما، وفعلاً عملت المستحيل. ففي الثانوية العامة وعلى رغم عدم توافر مصروف جيب لي، كنت أول صفي، وفي الجامعة على رغم استدانتي مصاريف الدراسة كنت دائماً من الاوائل، فظروفي السيئة هي التي ولدت لدي الطموح الكبير إلى الشهرة والوصول الى مكانة محترمة! كيف التحقت بقناة "الجزيرة"؟ - عندما أغلق تلفزيون ال .B.B.C وجدت نفسي على قارعة الطريق، وفي ذلك الوقت كانت "قناة الجزيرة" في طريقها إلى الانطلاق فاستعانت بفريق عمل تلفزيون ال .B.B.C لخبرته، وعندما التحقت بها لم أعلق الكثير من الآمال عليها. كان لدي تصور أن هذه القناة خليجية عربية، ستكون في النهاية مثل القنوات الأخرى، ولم أكن أحلم أنها في يوم ما ستكون نقلة تاريخية في حياتي، وفي حياة الاعلام العربي عموماً. واتفقت مع رئيس القناة على برنامج يستضيف الرأي والرأي الآخر فكان برنامج "الاتجاه المعاكس" وكانت أولى حلقاته عن مجلس التعاون الخليجي، وقدمنا نقداً لاذعاً للمجلس ووصفناه بكل النعوت التي لا يستطيع احد تحملها، فقلت في نفسي بعد انتهاء الحلقة انني "مفصول... مفصول". وخرجت من الاستديو فوجدت ترحيباً كبيراً من الناس، وتوالت الحلقات التي فجرت من خلالها الكثير من القنابل واستضفت الكثير من الشخصيات المهمة، وتطرقت الى أكثر القضايا السياسية والثقافية والدينية حساسية، وكنت دائماً وما زلت في حقل ألغام!! ما مقومات المذيع الناجح؟ - هناك عوامل كثيرة تصنع إعلامياً نجماً، أولاً لا بد من أن تتوافر له البيئة والظروف الموضوعية والحرية كي ينجح. وأنا أعلم ان هناك آلاف الخبرات والاشخاص في العالم العربي إذا تأمنت لهم الفرصة أصبحوا أفضل مني وتحولوا إعلاميين من الطراز الأول. ولكن ويا للأسف الشديد، بسبب الظروف التي يعمل فيها الاعلام العربي لم يتخرج إعلاميون حققوا ضجة كبيرة، لأنه إعلام تطبيل وتزمير للحكام، إعلام لا يسمح للخبرات بأن تظهر. واذا كان الاعلام في الغرب سلطة رابعة قادرة على أن تفعل الكثير، فالاعلام العربي عبارة عن "سلطة"! ثانياً الثقافة، خصوصاً وإننا نعيش الآن في عصر المعلومات، والمذيع الذي لا يثقف نفسه ويطلع على ما يحدث في العالم، لن يستطيع ان يحقق أي نجاح. ثالثاً، حضور المذيع، وهو هبة من الله يعطيها لمن يشاء!! من ينافسك؟ - المجال الاعلامي مليء بالغيرة الشديدة والمنافسة التي تصل في كثير من الأحيان الى أمور غير أخلاقية وقد لا يتورع البعض عن أن يستخدم سكيناً لينال منك لان التنافس حاد وصارخ وسيئ جداً بين العاملين في هذا المجال. أما المنافس الحقيقي فهو المنافس الشريف! أنا حتى الآن لا أخشى منافسة أحد لي، هناك بعض الاعلاميين حاولوا منافستي فقلدوني في كل ما أعمله حتى في طريقة ملبسي، ولكن في النهاية المشاهد أذكى من أن يُخدع. مسكون بالأمة دائماً تركز في قضاياك في برنامج "الاتجاه المعاكس" على القوميين أو الناصريين العرب. فهل هذا يعبر عن اتجاهك السياسي؟ - أنا مسكون بقضايا الأمة العربية وهمومها. ويمكن ان تصفني بأنني شخص عروبي، وتوجهاتي عروبية، أدافع عن القضايا والثقافة والهوية العربية. انا مهتم بهذا، واذا كان هذا عيباً فليكن! المصريون يعتبرونك عدواً لهم فكيف تنظر إلى علاقاتك بمصر والمصريين؟ - فعلاً اتهم بأنني عدو، ولكن ليس لمصر وحدها بل للكثير من الدول العربية، مثل الكويت والاردن وسورية وغيرها، وأي بلد عربي أذهب اليه أرشق بهذا الاتهام. وهذا إن دل إلى شيء، فإلى أنني لست عدواً لأحد. وبالنسبة إلى مصر، فلو لم يكن هناك المفكرون والمثقفون والخبرات الاعلامية المصرية لما كان "الاتجاه المعاكس"، لأنه برنامج يعتمد الخبرات المصرية بنسبة كبيرة جداً فكيف أكون عدواً لمصر ومعظم ضيوفي من المصريين؟! وعلى المستوى الشخصي أكبر عدد من اصدقائي من المصريين، واخيراً أبحث عن شقة لي في القاهرة لأقيم فيها. لكنك متهم بالتركيز على بعض القضايا السلبية للمصريين؟ - لا أركز على نوع من المصريين أو قضاياهم، وإذا تابعت البرنامج في صورة جيدة فستجد أنني استضفت كل ما هو ايجابي وسلبي في مصر في المجالات الثقافي والسياسي والاجتماعي وأتحدى أن يثبت أحد غير هذا! لماذا دائماً القضايا المصرية هي الأكثر طرحاً في برنامجك؟ - أريد أن أطرح سؤالاً: ما البلد العربي الأكثر أهمية سياسياً وفكرياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً؟ طبعاً مصر! فاذا كان نصيب مصر أكثر من غيرها في البرنامج فلأنها الأهم والأم ذات الباع الطويل في كل القضايا. إلا إذا كنت تريد أن أقدم حلقات عن دول صغيرة لا يحدث فيها شيء بالحجم نفسه الذي أقدمه عن مصر هذا غير معقول! يوجه إليك اتهام أنك لست محايداً. والمشاهد يلمس انحيازك إلى طرف ما أو قضية؟ - كثيراً ما أُتهم بأنني لست محايداً، على رغم أنني أحاول بأقصى جهدي، أن أكون محايداً ولا أظهر ميولي الشخصية في البرنامج، واعتقد أنني نجحت في هذا، وأود أن أذكر أمام كل من يتهمني بهذا أن دراسة علمية أكاديمية اجريت في جامعة "الملك سعود" في السعودية، تحت إشراف الدكتور سليمان الشملي بينت أنني كنت محايداً بنسبة تزيد على 90 في المئة. اما بالنسبة إلى تدخلي لطرف على حساب آخر فهذا راجع الى أنني أحياناً أرى أن البرنامج سيهوى، لأن هناك ضيفاً أقوى بكثير من الآخر الذي ليس لديه ما يقوله، فأضطر إلى أن أحل محل الضعيف ليحافظ البرنامج على سخونته وحيويته! يُتهم برنامج "الاتجاه المعاكس" بأنه يحجب الاتصالات عن انصار الفكر المعارض لفكرك؟ - هذا غير صحيح لأن برنامجي يقوم على وجهتي نظر متعارضتين، وعندما أعرض أي قضية لا أقدم طرفاً واحداً لكنني أقدم طرفين متناقضين، واذا أردت أن أكون منحازاً فسأجد الطرف الآخر يعترض على ما أقوله. أما أنني أحجب بعض المكالمات فهذا أيضاً غير صحيح، والدليل أن في كثير من الاحيان يتلقى البرنامج مكالمات من اشخاص لا اتفق معهم، لكنني أكون سعيداً جداً لأنهم يعبرون عن وجهة نظرهم بقوة ووضوح، وأسعى دائماً إلى أن يكون هناك وجهتا نظر وأشجع على هذا! ما الخطوط الحمر الممنوع الاقتراب منها في برنامج "الاتجاه المعاكس"؟ - لا خطوط حمر!! ولا أتذكر انني فكرت في موضوع ولم أقدمه على رغم أنه قد يكون في غاية الحساسية، واذا كانت هناك خطوط حمر فقد تجاوزناها دائماً؟ دائماً يثار سؤال عن ان "الاتجاه المعاكس" انتقد الأوضاع في معظم الدول العربية، ولكن هل هناك مناطق محظورة على البرنامج ابرزها قطر وسورية؟! - لا مناطق محظورة في هذه الدول. فمثلاً قطر، أول حلقة قدمتها عنها كانت عن سؤال: لماذا تتهافت قطر وقيادتها على التطبيع مع اسرائيل؟ وبالنسبة إلى سورية قدمنا حلقات عدة مثل "هل تخلت سورية عن القضية الفلسطينية؟"، "الوجود السوري في لبنان" وحلقة بعنوان "الكرة في ملعب من؟" عن السياسة السورية. وتطرقنا الى الكثير من المؤسسات السياسية في السعودية مثل "مجلس الشورى"، اضافة الى حلقة مهمة جداً تحت عنوان "الى متى تتستر انظمة عربية بالدين لتنتهك حقوق الانسان؟".