خطا الإعلام السعودي.. منذ سبعينيات القرن الميلادي الماضي خطوات فيها الكثير من التميز والإضافات المبكرة في هذا المنحى الذي بلغ فيه التميز حد المشاركة في صناعة النجاح الخارجي للإعلام والإعلاميين السعوديين في إعلام العالم، إلى درجة أصبح لنا فيها أعلام مميزون تصغي لهم آذان الكثيرين من متابعي المذياع في الشرق والغرب من خلال المذياع في فترة جلاء وانتهاء الحقب الاستعمارية عن معظم أرجاء الخريطة العربية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي وما تلا ذلك من حروب وأحداث في المنطقة استوجبت علاقة وارتباطا أشبه بالزواج النهائي بين الأذن العربية والمذياع الذي وجد طريقه إلى كل أو معظم البيوت العربية رغم عناء سعره وحجمه وبطارياته وماشابه من عناء، إلا أن كل ذلك كان يهون مقابل الاطلاع على أحداث العالم، وعلى نحو أهم الاطلاع على أخبارنا في الداخل من خلال إذاعات من الخارج مثل ال « B.B.C .. هيئة الإذاعة البريطانية»، وصوت أمريكا، وصوت ألمانيا، وهولندا، وفيما بعد «مونت كاركو». كانت هدى الرشيد المذيعة السعودية الوحيدة التي خرجت ثم أطلت بصوتها تشنف به مسامع العرب في كل مكان من خلال إذاعة لندن «B.B.C» والتي أقبلت بازغة أخيرا على الحياة الاجتماعية السعودية في جدة تحديدا من خلال زيارة لها بعد انقطاع طويل بحكم الإقامة في عاصمة الضباب منذ منتصف السبعينيات الميلادية.. هدى الرشيد كانت محل حفاوة المجتمع والزملاء في الحياة الإعلامية السعودية بنحو أقر لها مكانتها بين رواد الإعلام في العالم العربي، ومن هنا كان الانطلاق في حوارنا معها كنجمة حوار الأسبوع في «عكاظ».. • هدى الرشيد.. واحدة من الأوليات للنماذج العربية لما يسمى بالإعلام العربي المهاجر فما ترين؟ هذا موضوع أكثر عمقا وله أبعاد كبيرة.. ومن الممكن الحديث عنه ليومين!. أولا، الإعلام والإذاعة تحديدا بالنسبة لي كانت حلما.. وكان في طريقي الكثير من العقبات أولاها كان رفض الوالد رحمه الله لدخولي تجربة الإذاعة الذي رفض الأمر تماما وبشكل قطعي للدرجة التي استسلمت فيها لرغبته كي لا أجرحه لكن عندما بدأت العمل بموافقته في إذاعة جدة قال لي: ستفشلين «قالها بهذا اللفظ»، إلا أنني نجحت وحصلت على الموافقة في العمل مذيعة منذ البدء وكانت الصعوبات والفشل بداية في لندن. ومن ناحيتي ساعتها عملت على تحديث نفسي ودخلت التجربة على أن تكون القاعدة شكسبيرية الطابع «أكون أو لا أكون» ففشلت في البداية لأن الصعوبات والتحديات كانت كثيرة.. شيء مني وشيء من ظروف المجتمع يومها لدينا في جدة إلى أن ذهبت إلى لندن وكان مصاحبي أيضا الإحساس بأنني سأفشل. • كيف كان ذهابك إلى لندن، للعمل؟ كان ذهابي إليها وإلى الإذاعة تحديدا صدفة.. حيث كان الغرض دورة لغة إنجليزية وبالمصادفة كانت المشرفة التي تقيم هذه الدورة زوجة أستاذنا المذيع منير شما يومها فطلبت منها أن أزور ال«B.B.C» وكان هذا في نهاية زيارتي للندن وأنا في طريق عودتي إلى المملكة وجدة تحديدا. فحصل أن «هيؤوا» لي زيارة وجولة لمدة أسبوع في الإدارة والاستوديوهات وإدارة الأخبار وغيرها فحدث أن سعدت بهكذا جولة تتمناها أية مذيعة شابة يومها كان ذلك في الثلث الأول من السبعينات. • 15 أسبوعا كاملا؟ نعم في البدء كانوا قد طلبوا مني خطابا من السفارة السعودية هناك يعرفني إليهم كإعلامية.. وحدث أن تعاونت معي السفارة واهتم بذلك يومها السفير الكحيمي وعليه حصلت على برنامج أسبوع كامل في الزيارة لل B.B.C فوجئت بعده بتقديمهم إلي «ابلكيش توظيف» طالبين مني أن أقوم بتعبئته «استمارة عمل» قلت: أنا لا يهمني هذا الموضوع لأنني مسافرة هذا الأسبوع إلى جدة.. قالوا لي بإصرار: قومي بذلك ليس هناك من مشكلة وبعد ذلك تستطعين إجراء التجربة الصوتية والإعداد الكتابي للمواد الإذاعية في القنصلية البريطانية في جدة.. فقمت بملء المعلومات المطلوبة في الاستمارة دون أن أفكر في أبي الذي كان متواجدا أثناءها في الشام وموافقته من عدمها وأخي الذي في جدة.. فهما اللذان كانا يتوقعان لي الفشل في تجربة العمل الإذاعي ككل فما بالك في لندن.. وكان رأيهما في أن هدى ستأخذ «غيتها» في دنيا الإعلام وستفشل وتعود إلى البيت.. وينتهي الذي في رأسها.. المهم ملأت الاستمارة ووقعت ولم أقل لأحد بهذا الموضوع إلى أن جاء شهر رمضان حيث اتصلت بي القنصلية وذهبت لإجراء التجربة في القنصلية وأنا صائمة دون أن أعلم أحدا أنني في طريقي للعمل في ال «B.B.C» إلى أن جاءني اتصال من الإذاعة في لندن ليقول لي: التجربة ناجحة ونحن نريدك للعمل وربما كان اتصالنا بك خلال سبتمبر المقبل، وكعادة الإنجليز وال «B.B.C» تحديدا قالوا لي: هذا لا يعني أن الأمر غدا أكيدا فانتظري منا اتصالا آخر.. فوجدت لسكوتي مبررا قائلة «أوكي ليش أجيب لنفسي مشكلات وأخذ ورد أسري.. خليني ساكتة ولن أقول»، ولكن فوجئت بهم وقبل الموعد أي في أغسطس وهم يبحثون عني في كل العناوين إلى أن وصلوا إلى أخي وتحديدا زوجة أخي التي تقول لي: إن السفارة البريطانية تبحث عنك؟، «خير إيش مسوية» فتحت المظروف وإذا به يحمل رغبة الإذاعة في الوصول فورا إلى لندن لبدء العمل.. اتصلت قائلة: إن الموعد كان سبتمبر «وتدلعت» حيث طلبت منهم أن يستخرجوا لي تذكرة جدة، دمشق، جدة، لندن كي أحصل على موافقة الوالد المتواجد هناك.. وافقوا.. وبدأت الجولة بزيارة أخي «فيصل كابتن طيار» وعرضت عليه القصة وأنني سأعمل في لندن.. قال OK ليس لدي مانع إذا كان والدك موافقا على ذلك، وحين ذهبت إلى دمشق كنت أفكر في أن الوالد هو العقبة الكبرى في هكذا قضية.. فبادرته بطريقة دبلوماسية قائلة: أبي أنا لدي فرصة عمل إعلامي في لندن وأخي في جدة ليس لديه مانع من ذلك إذا وافقت أنت شخصيا! هكذا، وكان العقبة الرئيسية «أخي». • ما كان موقفه؟ فورا وافق بقوله: إذا ليس لأخيك مانع أنا أيضا لا أمانع.. كم ستبقين في لندن.. قلت عاما واحدا «وأنا كنت غير صادقة لأن العقد مدته ثلاث سنوات» ومن الممكن تجديده وتمديده إلى خمس سنوات.. عدت إلى جدة واستعددت للسفر إلى لندن مجددا ولكن للعمل هذه المرة.. كان الموضوع أشبه بحلم وهو واحد من طموحاتي، إنك لا تعرف إلى أي مدى كان يعني العمل في ال «بي. بي. سي» يومها لأي إعلامي عربي، وما هي سمعتها ومكانتها في تلك الأيام، وكنت سعيدة بأن العرض جاءني دونما سعي إليه.. كان حلما بعيد المنال.. أعتقد أن ذلك كان توفيقا من الله لي بعد حب جارف للإذاعة ومعاناة أيضا.. بالفعل هي هدية من الله لي هذه الفرصة ولم تأت اعتباطا.. إلى الآن عندما أكون في حالة ضيق أو أزمة نفسية أعود إلى الله داعية وأقول في نفسي: لقد ساعدني الله بما غير حياتي دونما جهد أو طلب فكيف بي وأنا أطلب الله فكنت طوال عمري لا أجد أمامي حيرة إلا وألجأ فورا إلى الله.. وهنا تعلمت أن لا يأس في اللجوء إلى الله ولا يأس مع الحياة. • الحياة في لندن وأنت في عمل ولست في سياحة كيف تصفين لنا ذلك؟ كانت جدا رائعة وتجربة أعتز بها.. عملت وسكنت مع عائلة بريطانية.. كل شيء غريب علي وكنت لوحدي درست لمدة شهرين ونصف وكانت العائلة مكونة من زوج وزوجة «على التقاعد» احتضناني كابنة لهما.. وسعدت بهما رغم أن ال«B.B.C» أرادت أن تسكنني الأشهر الستة الأولى في فندق.. هذا ما ساعدني على أن يكون معظم وقتي في الإذاعة.. صحيح إنني عملت لعامين في جدة إلا أنه لم يكن هناك تدريب إذاعي متواصل أو إضافة جديدة في كل يوم كما كانت الحال في لندن، نعم كمتعاونة لم يكن باستطاعتي في إذاعة جدة خلال العامين الأولين من مسيرتي الإعلامية أن أطور من قدراتي أو أن أكون بنفس القدر الذي وجدت فيه الاحتضان من الرواد فيها الذين قدروا موهبتي وإصراري على البروز مثل الأساتذة مطلق الذيابي وبدر كريم وعلي البعداني وغيرهم الكثيرون وذلك لعدم توافر الدورات المطلوبة لهذا الأمر وتدريب إذاعي. • حدثينا عن الأشهر الستة الأولى في لندن. كانت قاتلة ومنهكة بالنسبة لي ولكنها ممتعة حيث إن المذيع هو المعد وهو البرديوسر «منتج البرنامج» من الألف إلى الياء الأمر يتحول إلى محرقة ولكنها فترة محببة إلى جانب عامل الغربة. • من هم الأصدقاء أو الذين تعاملوا معك بود وقدروا تجربتك من الإعلاميين الكبار أي الذين رحبوا بك فعلا وتعاونوا معك؟ بمعنى آخر من هو الذي لم يشعرك بالغربة هناك؟ نعم لقد أخذوني كسعودية موهوبة بشكل كله رعاية واهتمام رحمهم الله كان منهم زاهر بيشاي واسطفانوس والدكتور وصلاح نيازي وموسى بشوتي وجورج مصري والراحل أكرم صالح المعلق الرياضي الشهير الذي كان يسمى صوتي «مرسيدي» كان هو كذلك يصنف أصوات المذيعات من النساء العربيات بأسماء السيارات الفخمة مثلا فلانة BMW وفلانة جاكوار والأخرى لامبورجيني وما إلى ذلك.. اختار لي اسم مرسيدسي الذي أصبحت معروفة به في الاستوديوهات في أوساطنا نحن الإعلاميين. • هل من معاناة خاصة في تلك الفترة؟ نعم كنت أعاني وأنا أمام المايكروفون ولم تغادرني معاناتي إلا وأنا أتركه، وحينها كلهم كانوا يرفعون معنويتي، كل أولئك الأساتذة كانوا يقومون بدور المهدئ لأعصابي إلى أن تمكنت من التعامل معه في لندن بشكل يرضيني وأنا أتعامل مع الأذن العربية في كل مكان من العالم فيه عربي يتعامل مع القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية. • وماذا عن الروائي الراحل الطيب صالح.. هل تزاملت معه وأنا أعرف أن له علاقة مع الإذاعة البريطانية؟ لا.. لم يحدث أن تزاملت معه، فالذي حدث أنه في تلك السنوات كان يقيم في دولة قطر وحدث أنه كان يأتينا في زيارات وللإذاعة على وجه الخصوص.. ومن زياراته تلك علمت أنه في الإذاعة فجئت أجري. الطيب صالح.. الطيب صالح أريد أن أراه وبقدر لهفتي كان هو ببرود الإنجليز أنا متلهفة للقائه كأديب وعلم عربي نفتخر به. • كيف تلخصين برودته؟ قلت لك كنت سعيدة حد الانطلاق بين زملائي وأساتذتي وأنا أراه وهو بكل برود سيبيرا يطالعني من فوقي إلى تحتي بمنتهى الهدوء قائلا بالإنجليزية: «شي إز قووود.. قود» وكان يعرفني كصوت وكمذيعة إلا أنه كما قلت لك لم يكن يقدر حماسي في لقائه.. لكن لا بد من أوضح: هو لم يكن سيئا بل كان محترما جدا ومقدرا لتجربتي، فقط ما صدني هو البرود، رحمه الله. • كيف تعرفين حبك للإذاعة؟ الله.. هو الحب العميق والمتسع، بل هو كل شيء.. مشاعري وأحاسيسي تجاه العمل كما هي تجاه الأهل والجمال ونحو كل شيء.. أحيانا بسبب وسبيل الحب يلقي الإنسان نفسه في أتون الأخطار وحبي للإذاعة جعلني بدون تفكير ألقي نفسي في معاناة وجمال الإعلام دون أن أعرف كنهه ولونه وعمقه في تلك الفترة، المهم أنني كنت سعيدة في تلك الحياة وأنا وسط كل تلك الأسماء العظيمة والرموز الكبيرة. • هل كان من لم يحبذ وجودك في إذاعة لندن.. أو عمل على تطفيشك؟ كنت أقول لك بالمطلق والعام إنهم سعدوا بي وسعدت بهم، ولكن الأمر لا يخلو من تنغيص إذ يمكن أن يكون للمطر كاره، فالمطر له محب وكاره.. عموما معظمهم كانوا يودونني وقبلوا بي في الإذاعة إلا واحدا لم يكن يستسيغ وجودي وكأنه يعتقد أني مفروضة عليه. • من جانب عملي أم عنصري؟ لا.. لا.. أعتقد أنه كان مزاجيا لا يعرف هو نفسه لماذا وقف ضدي.. لقد كان من غير المرحبين بي.. وأنا أشك فيه إلى الآن ولم أعرف تماما من هو؟. • هه.. كيف؟ الذي جعلني أعرف أن أحدهم كان ضدي تماما هو أن سعيه كان ضدي وأثر هذا السعي كان يطالني فلقد ذهب إلى مدير عام الإذاعة وهو إنجليزي فقال له: أنصحك أن تتخلص بعد الستة منها فهي غير جديرة بذلك المكان وكان نصحه هذا الذي يعتقده يعاكس آراء جميع الأساتذة.. وصدف أننا كنا مساءها في «الكنتين» «المقصف» نتسامر ونتناول الساندويشات، قال لي أحدهم: تعالي معنا هنا، نحن هنا مع المدير، ولم أكن أعرف المدير يومها وأنا أقف مع أحد الموجودين، فذهبت لكي آخذ سندويشاتي معي.. وهنا وجدت من يهتم بي في الحديث دون أن يلقي بالا لأحد الموجودين معه.. الذي علمته فيما بعد أنه هو ذلك الذي يوصي بعدم تعييني وأن محادثي هو المدير العام الذي كان وكأنه من خلال الحديث يحاول اكتشاف قدراتي وحضوري في التعامل. • أحكي لي عن المرحلة الأولى من حياتك الإعلامية أقصد.. تجربة العمل في إذاعة جدة.. وكيف كان دخولك هذا المعترك؟ من الذي حضن تجربتك؟ كان بابا طاهر زمخشري.. رحمة الله عليه. • أي أنه كان المفتاح لدخولك الإذاعة. لا.. كان هو الأب الروحي لي ولتجربتي في مجال الثقافة والإعلام والفن الذي كنت أعشقه.. لكن مفتاحي للإذاعة كان شخصا آخر وحكاية أخرى.. فقد كان البطل هنا زميلي الإذاعي الكبير علي البعداني الذي كنت معجبة به فقد كان جارا لنا في عمائر العيسائي كيلو 2 طريق مكة، شقة أخي فيصل.. وكنت مغرمة بالإذاعة إلى جانب كتاباتي وأفكاري التي كنت أريد لها أن تصل إلى الناس وكان في الشقة العليا في المبنى فجمعت أوراقي وأفكاري واستجمعت ما لدي من قوى لأذهب إليه وأعرض عليه موهبتي في الكتابة ورغبتي في العمل الإذاعي قائلة: أستاذ علي أشعر بأني جديرة بالعمل معكم في الإذاعة ودليلي على ذلك هو حبي الجارف وعشقي لما يقدم فيها من برامج أدبية تشارك في إعدادها أنت وتقديمها كما أن هذه هي كتاباتي ونشاطي الأدبي.. هل من طريق إلى العمل معكم في الإذاعة؟ فقال لي: «طيب» تعالي إلي في الغد وأسمعك وأنت تؤدين.. وعندما جئت في اليوم التالي قادمة وأنا مستعدة لقراءة وإلقاء ما اختاره لي من نصوص إخبارية وأدبية من جريدة عكاظ وقمت بقراءتها أمامه.. لم يلبث أن قال لي: سآخذك إلى الإذاعة.. وتم ذلك والحمد لله وأعطاني موعدا مسائيا على أن آتي مع أحد من أهلي.. وكان أن ذهبت مع أخي والبعداني نفسه الذي أخذني إلى الإذاعي بدر كريم الذي كان يومها «1971» واحدا من كبار مذيعي إذاعة جدة يومذاك وهو الذي أجرى لي التجربة الرسمية بحضور أخي وعلي البعداني وعبد الرحمن يغمور وأعجب بدر بالنتيجة وبدأت خطوة جيدة عملت فيها الكثير من البرامج وبزمالة أساتذة إعلاميين كبار. • ما هي أهم برامج البداية وهل اتجهت مباشرة إلى البرامج الإخبارية؟ نعم.. كانت العديد من البرامج هي تلك التي أسندت إلي منذ البدء رغم أن الإذاعة تزخر يومها بكثير من الوجوه والأصوات النسائية.. ومن هذه البرامج كان البرنامج شبه الإخباري «القول والعمل» مع عبد الرحمن يغمور وهو برنامج سياسي له قصة. • ما هي؟ أحد المسؤولين في الإذاعة وجدني صغيرة جدا و «قليلة حجم» نسبة إلى تقديم هذا البرنامج فقال..لا.. أعطوها برنامجا خفيفا مثل البرامج الخفيفة المتفاعلة مع المستمعين فالبرنامج أكبر منها.. يومها لم يدقق فقد قرر ذلك دون أن يعلم أن صوتي قوي ويتناسب مع مثل هذه البرامج الرسمية وشبه الرسمية بينما كانت تلك الضخمة التي كان يريد لها البرنامج ذات صوت هادئ وضعيف وجميل في الوقت نفسه فالكاتب اشتكى قائلا: لا يصلح لبرنامجي إلا هدى الرشيد وسرعان ما عادت المياه إلى مجاريها الأمر الذي أكد حضوري بشكل فيه الكثير من التحدي دون أن أبذل أي مجهود مقصود. إلى أن احتضنني فكريا وإعلاميا الشاعر الكبير طاهر زمخشري «بابا طاهر» وقدمني من خلال الكثير من البرامج الأدبية والثقافية.. وصرت أقدم برنامجه الشعري الذي يكتبه شعرا وأقدمه وذلك لمدة شهرين. • إلى أي مدى أخذك غرور الأنثى المرتبطة بالإعلام والأدب عندما انتقلت إلى لندن لتطلي على زميلاتك من «فوق»؟ أعوذ بالله.. أنا لم أعرف إلى تلك الحال طريقا، وساعد على هذا الوضع أنني كنت بعيدة عن جمهوري العربي والسعودي الذي أتعامل معه كمذيعة، كانت الرسائل هي وسائل التعبير عن إعجابهم وكنت أسعد بها، وكنت سعيدة بالتقارير الجيدة التي كانت تعد عني وعن خطواتي الإذاعية من قبل قسم الاستماع والتقويم في ال «B.B.C». • إذن كيف كنت تعرفين إلى أي مدى يصل أو وصل نجاحك؟ من خلال مرتبي.. بدأت بمرتب بسيط وجدته يتصاعد شيئا فشيئا.. وكذلك عندما وجدتهم يجددون عقدي بشكل تلقائي بعد سنوات التعاقد الثلاث الأولى كانت الرابعة ثم الخامسة وكانت هذه إمكانية التجديد التلقائي لديهم ثم عندما جاءت السنة السادسة أوغروا لأحدهم أمري و«أعتقد أنه هو الذي لم يكن يريدني منذ البدء، وقال لي: اذهبي للمدير العام واطلبي منه تجديد عقدك. فقلت له: لا أذهب إليه ولا أريد أن أفعل إذا أحبوا أن أواصل ليفعلوا وإذا لم يتم ذلك.. فمع السلامة.. وجددوا لي سنة ثم بعد ذلك في السنة السابعة وجدتهم عرضوا علي العقد الدائم بلا تجديد! ربما كان ذلك لأنني قلت أمام مسامعه: «شوف أنا سوف لن أذهب إلى أحد» في شأن عقدي إذا أرادوا مواصلتي فأهلا وسهلا.. وكانت خطوتي جدية جدا. وأعتقد أنه ذهب وبلغ رأيي لهم. • متى تركت العمل في ال «B.B.C»؟ في العام 1998 قدمت استقالتي ذلك كون جو العمل تغير وكنت قد تركت العمل الإعلامي العربي محليا لمثل هذه الأجواء المزعجة التي لا تتيح لي العمل مع الإذاعة بفكر وأناة.. وجدته أشبه بجو العمل غير السليم فاستقلت فورا.. سألت نفسي: هل أنا تغربت، لماذا؟ وكيف وأنا الآن دارسة بينما أخذوني وأنا لم أزل طالبة توجيهي وكانت لي بالفعل رغبة في الدراسات العليا. • وهل وافقوا فورا على الاستقالة؟ لا.. لم يكونوا ليقبلوا بالاستقالة فتحججت بالدراسات العليا التي تحتاج تفرغا.. قالوا: لا.. سنعطيك سنة للتفرغ للدراسة. لكني رفضت وأصررت على التفرغ والاستقالة ولم يفلعوا فأعطوني سنة إلا أنني وباتصال لإحدى المسؤولات معي حول عودتي للإذاعة، قلت: لا.. سوف لن أعود ياسيدتي أنا غير سعيدة في العمل معكم. استغربت، وقالت: هل من مشكلة؟ هل تحبين أن نجري تحقيقا إذا كان أحدهم قد ضايقك؟، قلت: لا. وهذا ما أصرح به لأول مرة في حياتي بعد تركي الإعلام والكل كان ينتظر مني إيضاحا.. ولم أحب يومها أن أدخل في سين وجيم. • دراستك بعد التقاعد؟ أخذت البكالوريوس في عامين من الجامعة الوحيدة في بريطانيا التي تعطيك الشهادة في عامين وكانت في الريف.. فعشت هناك عامين وكنت يومها وأنا «مستمخة» في دراستي فكرت في الاستقالة من العمل مع إيضاح الأسباب للإدارة طبعا، بينما لم أتحدث عن ذلك إعلاميا رافضة التحقيق في الأمر لأني كنت أعتز ولازلت في تجربتي مع أساتذة كبار وغيرهم.. قائلة هذا مكان عشت فيه وربوني فيه إذاعيا. عموما خرجت بتجربة جميلة من مرحلة دراستي وتعاملي مع الريف بدون تلفزيون أو اتصال مع العالم وعندما خرج نلسون مانديلا من السجن أثبت بتلفزيون صغير لأراه لأول مرة خارجا من السجن. • ماهي دراستك في هذ القرية النائية - جمعت بين الأدب الإنجليزي والتاريخ.. أنا مشبعة بالأدب العربي في بلدي، فتعلمت هنا أن التاريخ والأدب مرتبطان ببعضهما.. وعشقت التاريخ أيضا. • هل لك علاقة واضحة بتعيين المذيع علي البعداني في ال(BBC) بعدك؟ - نعم تعلم أنه أستاذي الذي أدخلني الإذاعة لأول مرة في جدة، وعندما جاء لزيارتنا في لندن وزار الإذاعة فأخذته إلى نائب المدير وأعجب به وطلب منه أن يكون ضمن (ستاف) الإذاعيين في الbbc وعندما حكيت للمسؤول عن قصة أن عليا هو من أخذني إلى الإذاعة لأول مرة.. وللأسف لم يواصل معنا طويلا. قضى بضعة أعوام ثم تركنا وهم كمسؤولين وزملاء يتمنون بقاءه. • بعد أن تركت الإ ذاعة في 1998م هل فكرت في أن يكون لك مشروع له علاقة بالإعلام؟ - عندما تركت بلدي في بداية السبعينيات الميلادية وأنا مشبعة بالأدب العربي.. إلى قوم كلهم أدب وثقافة عامة في لندن وفي الإذاعة كان الكل يدفعني للقراءة وعلى وجه الخصوص كان صلاح نيازي وجهني لقراءة تشيكوف الذي أحببته جدا ولا زلت حتى الآن، وإبسن ولورانس أصبح عندي معادلة بين الأدبين العربي والإنجليزي معادلة أخرى بين الأدب الخاص بي وهوايتي والأدب الأكاديمي المرتبط بالدراسة، مثل روايات شكسبير وتشوستر ويونسكو وغيرهم، وكان الماجستير الأول عن الإعلام في (بول سميث كولدج) وكان لي ماجستير ثانٍ ذهبت من أجله (ساوس) وطلب مني أن أغير موضوعي الذي كان عن الصحافة والإعلام والإنجليز ليس عندهم إعلام ووزارات إعلام وما شابه فطلبوا مني أن أغير ورفضت.. وندمت كثيرا أنني لم أفعل عموما كل هذا جعلني أفكر في مشاريع إعلامية خاصة بي. مع علي البعداني يقول الإعلامي الكبير علي البعداني عن هدى الرشيد: عندما جئت بها إلى الإذاعة كانت تحمل موهبة عظيمة وصوتا سيعطي الكثير، إلى جانب أنها هادئة وخجولة وفي الوقت نفسه تطرق أي باب لدعم طريقها في سبيل الوصول إلى ماتريد، تمثل ذلك في قدومها إلي بجرأة بحكم الجيرة وعرض موضوع أخذها وموهبتها إلى الإذاعة في وقت كان ما يشبه هذا الأمر أكثر من صعب. وأذكر لها أنها كانت السبب في إدخالي تجربة العالمية في الإعلام عندما أخذتني إلى ال « B.B.C» في لندن وكأنها ترد الجميل إلي بل كانت السبب الرئيسي في عملي فيها.. مع محمد عبده ويقول الفنان محمد عبده: هي من الرائدات في العمل الإذاعي بلا شك وقدمت الوجه الجميل للإعلام والإعلاميين السعوديين إلى العالم وذلك بمزج ثقافي جميل وأساليب تجعلنا نفخر بما يقدمه الإعلامي السعودي بشكل عام. وكانت بالنسبة لي مصدر فخر عندما دعيت والزميلة وردة الجزائرية إلى حفل اليوبيل الذهبي للقسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية في لندن وكانت هي من يبذل كل جهد لتنظيم وإعداد ذلك الحفل، وأذكر تحديدا بذلها كل ما هو ممكن لإنجاح ذلك الحفل مع زميلها الإعلامي الكبير عثمان العمير، وقبل ذلك عندما كانت في إذاعة جدة كنت أجدها المذيعة المتكاملة العناصر الآخذة للنجاح. والأهم من هذا وذاك هي صاحبة أعمال أدبية جميلة أعتز بها وكان أن أهدتني شقيقتها التي تعمل في القاهرة ليلى الرشيد أحدث إنتاج أدبي لها خلال العام الماضي، بينما نرى أن لندن خطفت منا الأديبة هدى الرشيد وأعطتنا الإعلامية هدى. مع عبد العزيز شكري ويقول زميلها المذيع عبدالعزيز شكري الذي زاملها في إذاعة جدة: أذكر أنها بدأت قوية وذلك في فترة قيادة مدير عام الإذاعة يومها حسن خزندار، الذي أتاح لقدراتها الجميلة والكبيرة في الحياة الإعلامية مجالات الانطلاق، إلا أنها كانت في بداية حياتها العملية في الإذاعة منطوية جدا وليست اجتماعية، وأذكر أنها كانت تأتي قبل موعد دوامها الرسمي لتكون في جاهزية تساعدها لتقديم الأفضل ودخول المود مبكرا. ثم أذكر أنها كانت تحب أن تدخل تجربة التلفزيون في عز ألقها الإذاعي بتشجيع من المخرج علي المنشاوي إلا أنها ركزت في عملها الإذاعي.