لم يدرك قائد "جيش لبنانالجنوبي" اللواء انطوان لحد ان الدرس انتهى منذ أعلن ايهود باراك في برنامجه الانتخابي قبل وصوله الى السلطة ان احدى أولوياته سحب الجيش الاسرائيلي من جنوبلبنان، لإنهاء "المأساة" خلال فترة سنة. والمأساة أن لحد لم يدرك رغم كل ما حصل، وبعد تخلي اسرائيل مرات عن "حلفاء" و"أصدقاء" لها في البلد، ورفضها استيعاب "ضيف ثقيل" بعد الانسحاب، أن موازين القوى تغيّرت، وآخر هموم باراك وجيشه تكريم جحا الاحتلال الذي "استبسل" - من دون جدوى - لإقناعه بعدم ترك الجنوب، والتخلي عن ميليشيا "الجنوبي". لم يخطئ رئيس الوزراء الاسرائيلي في تأكيده وهو يكيل الوعيد للبنانيين والتهديدات للسوريين، أن الدولة العبرية أهم قوة في المنطقة، ما دامت ذراعها العسكرية هي الأقوى، لكنه يقول هذا الكلام فيما يلهث لسحبها الى ما وراء الحدود. ويُسجل للجنرال الذي اخفق في تحقيق انجاز واحد على مسارات التفاوض، انه أول مسؤول اسرائيلي يستخدم تعبير "الانسحاب الكامل الشامل" غير المألوف في قاموس دولته. وكلما اقتربت هذه الخطوة باتت أيام ميليشيا لحد معدودة. مع ذلك يقتبس زعيم الميليشيا، في التوقيت الخطأ، لغة المحتل فيهدد الدولة اللبنانية لانتزاع عفو بينما يدعي البطولة لانقاذ الذين خدعهم سنوات بفضيلة الدفاع عن سيادة وطن مستخدماً حراب عدو. والغريب في أمر هذا اللواء انه يطلب الحماية من الوطن بعدما حرض الاسرائيلي على نحره وقتل ابنائه... ولكن لا يبقى لغزاً البحث عن أسباب حسم باراك باكراً خياره الانسحاب من الجنوب، فيما قواته محاصرة بين ضربات المقاومة وعملاء من نوع لحد. آخر نكات اللواء المتقاعد تهديده بإبقاء شريط أضيق بعد رحيل الاحتلال! والأكيد ان مرحلة "الجنوبي" الميليشياوي انتهت بانتصار المقاومة، سواء حصدت اسرائيل نصف الهزيمة أو ربعها. لكنه الانتصار الذي يواجه اليوم أقسى اختبار، ولن يلوثه سوى الانحدار الى تصفيات وعمليات ثأرية تأخذ أهل الشريط بجريرة العملاء وخياناتهم، وتتغاضى عن ظروف الأمر الواقع التي جعلت المدنيين هناك متاريس للاحتلال، ورهائن السجن الكبير. والى أن يكتمل الانسحاب السريع، ستبقى مبررة مخاوف اللبناني والسوري من "الخديعة" الاسرائيلية، فليس من سجل الدولة العبرية بعد 52 سنة على قيامها الاعتراف بهزيمة أو تحملها، ولن يجدي في ذلك مجرد التهديد بالعقاب اذا استمرت عمليات المقاومة. بين تلك المخاوف، بعدما نفض باراك يده من المسار السوري، كيف سيرغم بيروت ودمشق على دفع ثمن التخلي عن الجنوب من دون اتفاق يراعي المصالح الاسرائيلية، وهل ما زال قادراً على تفخيخ السلم في لبنان، وأي شكل ستتخذ الضغوط لمعاودة طرح مسألة الوجود السوري في البلد وتقنينه وربطه بجدول زمني، لإنهائه... وهل يلجأ بعض اللبنانيين مجدداً الى اثارة نعرات ضد السوري، بعد رحيل الاسرائيلي، والأهم هل تنجح بيروت ودمشق في تفادي مستنقع في الداخل يجهض بهجة الانتصار على 22 سنة احتلالاً، ويشغل سورية عن قضية الجولان، بعدما انتهى عملياً تلازم المسارين