أعلنت الحكومة اللبنانية امس ان ادخال الجيش الى جزين "أمر مرفوض كلياً"، وانها "تعي الأفخاخ التي يمكن ان تحصل". وجاء هذا الموقف عشية انسحاب "جيش لبنان الجنوبي" الموالي لاسرائيل الذي بات حتمياً وأكده قائده اللواء انطوان لحد امس "في النصف الاول من حزيران يونيو الجاري، آملاً من الدولة ان تحافظ على المنطقة، وان لا تكون "مقراً أو ممراً" لعمليات المقاومة. واصل "الجنوبي"، أمس تفكيك المزيد من مواقعه وإخلائها. وشهدت جزين ومنطقتها توافد مراسلي وسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية الذين قدموا لتغطية الإنسحاب ورابطوا عند البوابة الغربية لمعبر كفرفالوس. وقرابة العاشرة سمعت أصداء إنفجارات تبين انها ناتجة عن تفجير "الجنوبي" عدداً من المواقع التي أخلاها في المنطقة الواقعة بين روم ومدخل جزين، وبعد نصف ساعة تمكن عدد من الصحافيين من الوصول الى بوابة روم حيث منعهم عناصر "الجنوبي" من العبور، ثم عادوا فسمحوا لهم، بعد حصولهم على تصاريح من داخل المنطقة. وبعد الظهر، طُلب من الصحافيين الوافدين الى جزين مغادرتها فوراً بعدما اجروا مقابلات مع الأهالي. وأشارت مصادر في جزين الى ان الانسحاب سيتم على مراحل تبدأ اليوم بإخلاء المنطقة الممتدة من روم الى مشارف جزين بما في ذلك المحور الممتد من بسري شمالاً الى صيدون جنوباً اي من الجيبين الشمالي والجنوبي المتاخمين لمدينة جزين وهو مثلث يضم 12 بلدة وقرية تابعة لجزين على ان تتم المراحل الاخرى على مدى الاسبوعين المقبلين. وأوضحت ان لحد سيعقد غداً الأربعاء اجتماعاً في مرجعيون مع ضباط "الجنوبي" وعناصره للبحث في الخطوات المقبلة. واعتبرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية ان الانسحاب من جزين بدأ عملياً اول من امس بعدما باشر "الجنوبي" نقل عتاده العسكري الى داخل الشريط الحدودي المحتل، متوقعة "ان ينجز الانسحاب مساء اليوم امس"، في حين نقلت الاذاعة الاسرائيلية عن مصادر عسكرية اسرائيلية توقعها ان يستمر الانسحاب اياماً عدة من دون ان يؤدي الى تغيير في خريطة الانتشار الاسرائيلي في الجنوب. الحص وقال رئيس الحكومة اللبنانية سليم الحص امس تعليقاً على انسحاب "الجنوبي" من جزين "لا يسعنا الا ان نعرب عن فرحتنا لعودة الحرية الى هذه المنطقة العزيزة من لبنان وبعودتها الى حضن الوطن. ونحن ما زلنا على موقفنا من تحرير كل الاراضي المحتلة في الجنوب والبقاع الغربي وفق القرار الدولي الرقم 425 من دون قيد أو شرط، ودعم المقاومة هناك ما دام هناك شبر من ارض لبنان يرزح تحت الاحتلال". ونقل عنه نواب زاروه امس في السرايا "ان هناك مبالغة في المخاوف"، وانه "يعي الافخاخ التي يمكن ان تحصل ولن يدخل في اللعبة الاسرائيلية"، آملاً "بان تنتهي الامور لمصلحة لبنان". واضاف "ان نقاط الانسحاب غير واضحة بعد، وان ادخال الجيش الى جزين أمر مرفوض كلياً". لحد وفي مؤتمر صحافي، عقده اللواء لحد في مقر قيادته في مرجعيون، قال ان قرار الانسحاب من جزين اتخذ بعدما أخذت الامور منحى ينذر باخطار داهمة في المنطقة، وسيتم الانسحاب في النصف الاول من حزيران". وذكر ب"حقائق" عن جزين، منها انها استوعبت ثلاثين ألف مهجر من منطقة شرق صيدا على اثر انسحاب "القوات اللبنانية" منها عام 1985، وان "الجنوبي" تصدّى "للغزاة القوى الفلسطينية والتقدمية على الاثر وأوقف الزحف في جزين". واضاف ان الوضع هناك بقي مقبولاً حتى العام 1993 "تاريخ تدخل الاجهزة الامنية اللبنانية بتعرضها لاهالي منطقة جزين، باعتداءات ومضايقات واحكام واستفزازات ومساعدة في وضع عبوات على الطرق العامة، ما أدى الى تفريغ المنطقة من سكانها وسقوط 155 عنصراً من "الجنوبي" و20 معاقاً و65 مدنياً". واشار الى اخلاء "الجنوبي" قبل اشهر مناطق عدة قرب جزين "لكن الدولة لم تملأ الفراغ الامني فيها على رغم الاشارات التي ارسلناها، من فوق الطاولة ومن تحتها". ورأى "ان الدولة اللبنانية لا ترغب في العودة الى جزين، اذ ربطت وضعها بالقرار الرقم 425 الذي لا يعنيها وربطت القرار 425 بتحرير الجولان، ضاربة بعرض الحائط ما يعانيه اهالي هذه المنطقة، شأن كل دولة ليس بيدها القرار لتحسم امورها وتراعي حياة مواطنيها". وتخوّف من "حلّ القضية السورية على حساب لبنان". واضاف "ان الوضع في جزين لم يعد يحتمل مزيداً من الموت البطيء، لذلك قررت قيادة "الجنوبي" الانسحاب منها ومن جانب واحد، ففي الاساس دافعنا عن جزين حفاظاً على أهلها، وقرارنا اعادة الانتشار يرتبط بالهدف نفسه، ولوضع الدولة اللبنانية امام ساعة الحقيقة التي لا يمكنها ان تستمر في التجاهل والتأجيل ولا في التمويه واختلاق الاعذار". وأمل "بأن تتمكن الدولة من الحفاظ على هذه المنطقة وعلى أمن مواطنيها وكرامتها وألا تكون مقراً أو ممراً أو منطلقاً لما يسمى بالمقاومة، فيضطر عندها الجيش الاسرائىلي الموجود قريباً منها الى قصفها، فيهجرها أهلها نهائياً، ويضطرون الى بيع أملاكهم فيها، فتتحقق عندئذ رغبة فئة معينة معروفة من الجميع". وأضاف ان اسرائيل "لا تريد فصل المسارين اللبناني والسوري" لكنه هو يفضل فصلهما كي لا يدفع لبنان الثمن، معتبراً ان "تصريح باراك عن الانسحاب من لبنان خلال سنة موقف انتخابي". ونقلت الاذاعة الاسرائىلية صباح امس عن لحد نفيه ما نشر عن استقالته من منصبه. مواقف وفي المواقف، جدّد النائب السابق ادمون رزق مطالبة المسؤولين "باجراء محاكمات عادلة للشبان الذين خدموا مع "الجنوبي" لان معظمهم تركه قبل اعلان الانسحاب من المدينة". وأكد ان "هؤلاء الشبان الذين يزيد عددهم عن مئة أجبروا على الانضمام الى الميليشيات لاسباب اجتماعية". واعتبر المكتب السياسي ل"حركة امل" التي يترأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري ان "تحرير جزين ثمرة من ثمار المقاومة والصمود في وجه الاحتلال". وأكد ان "المقاومة ستستمر حتى زوال الاحتلال الذي يجب ان يخرج من دون ضمانات أو ترتيبات". وأشار الى ان "قرار الانسحاب من جزين هو في مظهره نتيجة من نتائج انهيار ميليشيا لحد لكنه في جانب اساسي منه يطرح ما سماه العدو الاسرائىلي خيار "لبنان اولاً"، وهو يعني فك المسارات واستفراد لبنان من خلال سلسلة ضغوط لوضعه في مراحل اختبارية رفضها سابقاً وهو يدين هذا المنطق الاسرائىلي ويشدد على وحدة المسارين كضمان حقيقي لتطبيق القرارات الدولية". ورأى ان "الأهم للحفاظ على الانتصار الذي حققه لبنان وبدعم من سورية، عدم الانجرار بالخفة السياسية أو بالضجة المفتعلة الى مواقف تبرر الاحتلال والتعامل، لانها تعطي اسرائيل اسلحة اضافية للضغط على لبنان للقبول بالشروط التي تريدها". وأعلن ان الدولة "لن تخضع لاي ابتزاز خصوصاً من الاصوات المعروفة بعلاقاتها أو اتصالاتها بالاوساط اللحدية الاسرائىلية". واضاف "ان قضية جزين اليوم ليست في موضوع جماعات لحد وكيف سيتم التعامل معهم، انما في طريقة عودة جزين الى كنف الشرعية اللبنانية من دون السماح لاسرائيل باحداث فتن وتفجيرات للترويج لفكرة ان الاحتلال ضامن للاستقرار". وتابع "ان كل أطراف المقاومة لن يتعاملوا مع جزين خلافاً لما يتعاملون به مع اي منطقة محررة ولن ينجروا الى أي فخ والى اي انقسام مذهبي أو طائفي". وعقد في منزل النائب مصطفى سعد في صيدا لقاء ضم ممثلي احزاب وقوى وشخصيات روحية وزمنية، أكد "الفرحة بعودة جزين ومحيطها الى السيادة الوطنية"، معتبراً ان "تحريرها لم يكن ليحصل لولا المقاومة الباسلة وصمود أهلنا في هذه المناطق وتشبثهم بارضهم، وان الموقف الرسمي المسؤول المدرك للمخططات الاسرائيلية والوعي الشعبي كانا كفيلين باسقاط المشروع الصهيوني". وأكد نائب الامين العام ل"حزب الله" نعيم قاسم "اننا نعيش اليوم امام جزين المحررة لا أمام "جزين أولاً" لان الفرق كبير بين التحرير الحاصل اليوم على رغم العدو وعملائه، وما كان يطرح سابقاً من منع المقاومة وانتشار الجيش والتزام أمن اسرائيل ثمناً للانسحاب، وهو ما كان مرفوضاً من المقاومة والدولة معاً". واضاف "لا يمكن القبول باعطاء جائزة للعدو مهما كانت صغيرة فاذا صبرنا وقاتلنا العدو فانه سيخرج من ارضنا ذليلاً من دون قيد أو شرط وجزين هي تجربة ونموذج لذلك". واضاف "ان جماعة العميل لحد مضطرون الى الانسحاب من جزين لانهم لا يستطيعون حماية انفسهم ولا يعرفون هل تلاحقهم الكاميرا في بيوتهم أو في الشوارع أو ان دورهم حان ليقتلوا". وقال "هؤلاء انسحبوا من جزين غصباً عنهم لانهم عجزوا عن البقاء وعن حماية انفسهم واضطرت اسرائيل ان تسكت وان يقول رئيس اركانها شاول موفاز ان بلاده لا علاقة لها بما يحدث في جزين وقرار الانسحاب من لحد لانها لا تتمكن من تغيير هذا الواقع ولا تستطيع حماية المكان". ونفى "حزب الله" ما قاله النائب نديم سالم ان السيد حسن نصرالله شرّع عمل الجنوبيين داخل اسرائيل "لانهم يفتشون عن لقمة العيش". واعتبر كلامه هذا "غير صحيح البتة"، متمنياً عليه "التدقيق في مضمون أحاديثه، لان الموقف الحقيقي هو رفض هذا الدخول اياً تكن مبرراته وظروفه واسبابه، حتى لو كان الجوع. وهذا موقف ديني وشرعي وموقف وطني ثابت". وانتقد التيار العوني "لامبالاة من في يدهم زمام الامور" حيال جزين. واضاف "ان التبجح بمعزوفة السلام الشامل لا يبرر هذا الاستنكاف عن معالجة احداث كهذه بالجدية المطلوبة اذ ان من واجب السلطة اللبنانية تعزيز القوى المسلحة الشرعية الموجودة هناك لان المسؤولية الامنية ملقاة على عاتقها وحدها دون سواها وليس من المسموح التعاطي مع جزين كما حصل مع أرنون". وطالب الدولة "بالاسراع في بسط سيطرتها على المنطقة وان يكون القضاء اللبناني الملجأ للجميع وحده يحاكم دون غيره ووحده يدعي على من يريد غيره". وقرر تنظيم مسيرة سيارة غداً الى جزين تنطلق من بيروت. وتلقت "الحياة" بياناً موقعاً باسم "المقاومة المسيحية اللبنانية" اعتبر ان سحب "الجنوبي" من جزين "انهاء للواقع الحر في لبنان لأن جزين كانت الرقعة الوحيدة التي لم تكن تحت الاحتلال المباشر لأي جيش غريب". واعتبر ان قرار لحد "خيانة قومية لن ينساها التاريخ" وانه "سيحاكم كخائن لشعبه المسيحي".