وضعت الدراما التلفزيونية السورية المنتجة منذ أوائل التسعينات حداً للرواج الواسع للفيلم والمسلسل التلفزيوني المصري في سوق صناعة الدراما التلفزيونية العربية، وخصوصاً في أسواق الخليج ذات الربح المادي الوافر. وجاء ظهور هذه الدراما السورية مع إرهاصات النجاح الأول بسبب شكلها الفني الجديد عبر مسلسل "البركان" لمحمد عزيزية عام 1988، ثم ومع انطلاقتها القوية الراسخة، بعد عام 1992، من خلال أعمال نجدة أنزور: "نهاية رجل شجاع" و"الجوارح"، و"أخوة التراب" و"الموت القادم من الشرق"، وغيرها من الأعمال التلفزيونية لمخرجين آخرين مثل هيثم حقي وباسل الخطيب. وعزز نجاح شكلها الجديد المتأسس على استخدام جمالية الصورة واتقان الصوت، حاجة الانسان العربي الى اطروحاتها الناشدة وما يتوق اليه من قيم تمس شغاف قلبه، من بطولة واعتزاز بنفسه وعروبته، في مرحلة سياسية اجتماعية تفيض بأجواء الاحباط والانكسار العام بفعل حرب الخليج الثانية التي واكبت ظهور هذه الدراما في بداية التسعينات. إلا ان هذه الدراما السورية التي أصبحت ومنذ انطلاقتها سلعة ثقافية رائجة، أخذت تكرر نفسها الآن شكلاً ومضموناً. مع ان المستهلك العربي الراهن لهذا النوع من السلع الثقافية يعيش مناخات سياسية واقتصادية وثقافية متغايرة مع الظروف التي سادت بعد حرب الخليج الثانية. الأمر الذي حدا بمزاج هذا المستهلك المولع بالتفاصيل الانسانية البسيطة الى التطلع الى هذه الأمور البسيطة بدلاً من الشعارات الكبرى" من قومية وكليانية، طوتها مرحلة انتهاء الحرب الباردة، التي تزامنت أيضاً مع التأثيرات السيكولوجية والاقتصادية في الانسان العربي بفعل حرب الخليج الثانية. وبين الأعمال التي التقطت هذا المتغير المهم في مزاج الانسان العربي مسلسل "الفصول الأربعة" لحاتم علي، الذي أتى بعيداً عن المباشرة السياسية، قريباً من قضايا الفرد الخاصة اليومية" ذلك لأن معالجات حلقاته التي جاءت عبر ثلاثين حلقة ضمن أمسيات شهر رمضان الماضي وبثته أكثر من فضائية عربية، تغوص عميقاً في غور نفس الانسان العربي أياً يكن جنسه وعمره، لأن المسلسل أتى طارحاً المسكوت عنه نفسياً واجتماعياً ووجودياً، بتناول بارع للكاميرا ويحضر فيه التوازن بين سلطتي المخرج والمؤلف الذي صاغ لغة تعبيرية تفيض بالمشاعر الانسانية العارمة المحتفية بالفرد ككائن انساني بمختلف ثقافاته وأمزجته وهواجسه المتنوعة. وحيال ما ذهبنا اليه سابقاً، تُطرح تساؤلات مهمة جداً على مستقبل صناعة الدراما التلفزيونية السورية: هل تظل مستغرقة ومنغمسة في الصياغة الدرامية نفسها التي انطلقت بها أوائل تسعينات القرن الماضي، مجازفة بالتالي في فقدان طلب المشاهد عليها كونها لم تلتفت الى التغير الحاد في مزاجه؟ أم تأخذ في الاعتبار هذا المتغير عبر انتهاج الرؤية الفكرية والفنية لما طرحه مسلسل "الفصول الأربعة"؟ أم تقف محتارة ما بين هذين التوجهين؟ إنها ليست تساؤلات فنية وحسب، بل تقترن بها أيضاً فاتورة مالية ضخمة قد تكسبها أو تخسرها هذه الصناعة الدرامية، وبالطبع هذا ما يجيب عنه قابل الأيام.