قالت مصادر إسرائيلية أن مسؤولين رفيعي المستوى في السلطة الفلسطينية يؤيدون وثيقة وضعها خبير استراتيجي فلسطيني توصي بتبني "تسوية موقتة" في قضية القدس تمكن الفلسطينيين من "خلق حقائق على الارض" تعزز مكانة الجانب الفلسطيني في القدسالشرقية تمهيدا لبسط سيادته الكاملة عليها. وكتبت صحيفة "كول هعير" الاسرائىلية الاسبوعية أن الوثيقة "أعدت سراً لحساب مكتب الرئيس ياسر عرفات ونائبه محمود عباس أبو مازن ورئيس المجلس التشريعي الفلسطيني أحمد قريع أبو علاء. وفي الوقت الذي نفى فيه أبو علاء علمه بوجود الوثيقة أو إمكان موافقة السلطة الفلسطينية على "حل موقت" لقضية القدس، قالت مصادر فلسطينية ل "الحياة" ان الخبير الاستراتيجي الدكتور خليل الشقاقي من مركز البحوث والدراسات الفلسطينية قدم ضمن سلسلة من "أوراق المفاوضات النهائية" وثيقة تتعلق بالقدس وجوانبها التفاوضية المختلفة. ووفقا للوثيقة التي حصلت "الحياة" على نسخة منها، يرى الشقاقي أن أيا من الحلول المقترحة لقضية القدس التي أرجئ البحث فيها الى المفاوضات النهائية طبقا لاتفاق اوسلو يجعل من الصعب في الظروف الراهنة امكان التوصل الى "حل دائم" في القدس. وتشير الوثيقة الى أن "تسوية موقتة إما على شكل اتفاق أو كأمر واقع هي الحل الاكثر إحتمالا" وتمكن الفلسطينيين من خلق حقائق على الارض تساعدهم في مواجهة الاستيطان في المدينة من منطلق أن "الحل الدائم محصلة ديناميكية للعوامل الفاعلة والمؤثرة على الارض". وتتناول الوثيقة بإسهاب في البداية الحلول المقترحة لقضية القدس كالتالي: -الحلول الدينية: وهو الحل المفضل اسرائيليا "لانه الاقل تكلفة سياسيا لجهة عدم الانتقاص من السيادة الاسرائيلية والحفاظ على المدينة موحدة وعاصمة سياسية لاسرائيل. وتشير الوثيقة الى أن حديث العاهل الاردني الراحل الملك حسين ومن بعده العاهل المغربي الملك الحسن عن الحل الديني "وفّر انطباعا لدى الاسرائيليين بامكان ايجاد حل كهذا بمعزل عن الحل الاقليمي السياسي". -الحلول الادارية: تضمن هذه الحلول إبقاء السيادة الاسرائيلية على المدينة أيضا، لكنها تعطي للطرف الفلسطيني صلاحيات ادارية ومدنية شبه كاملة على الاحياء العربية، كما تعطيهم صلاحيات كاملة في شؤون البناء والصحة والتعليم، لكنها تبقي مسألة الامن الداخلي بيد اسرائيل. وتبرز الوثيقة أن هذا الوضع ينطبق على المدن والقرى العربية داخل الخط الاخضر الفاصل بين اسرائيل والضفة الغربية. -الحلول السياسية الاقليمية: "يرفض الطرف الفلسطيني في موقفه المعلن كافة الحلول الدينية والادارية ويطالب بتسوية اقليمية - سياسية تستند الى العودة لحدود العام 1967". وتورد الوثيقة سلسلة من قرارات مجلس الامن ابتداء من العام 1968 تؤكد بطلان وعدم شرعية الاجراءات الاسرائيلية بما فيها الاستيطان في القدسالشرقية وتعتبر الاجراءات الادارية والتشريعية كافة "لاغية وباطلة". وترى الوثيقة أن اسرائيل سترفض طبعا الاعتراف بشرعية المطلب الفلسطيني و"ستجد في الموقف الاميركي سندا لها". وتتنوع الحلول السياسية - الاقليمية بحسب الوثيقة، بين تلك التي تعطي سيادة للطرف الفلسطيني على معظم الاحياء العربية مع إعطاء اسرائيل سيادة على مناطق حساسة لليهود كحائط المبكى والحي اليهودي والمستوطنات، وحلول أخرى تعطي السيادة على معظم المدينة لاسرائيل مع إعطاء الفلسطينيين السيادة على مناطق حساسة كالقدس الشريف وبعض الاحياء العربية البعيد عن المركز. وتتطرق الوثيقة الى ما يعرف ب "خطة أبو مازن - بيلين" الخاصة بالقدس والتي اقتُرح فيها "توسيع حدود المدينة أولا ثم تقسيمها اداريا وسياسيا في ظل مفهوم وحدة المدينة وبقائها مفتوحة". وكان أول اقتراح بهذا الاتجاه، كما تشير الوثيقة، قدم عام 1968 من الكاتب ميرون بنفنستي، لكن بتفصيل أكثر. اذ قسمت الخطة المدينة الى ثلاثة أقسام: "القدس" للطرف الفلسطيني وتضم الاحياء العربية المحيطة بالقدس كالرام وأبو ديس والعيزرية. و"يروشالايم" وهي القدس الغربية ضمن الحدود البلدية الراهنة بحيث يعترف كل طرف بعاصمة الطرف الاخر حسب هذا التقسيم، فيما يبقى مصير "المناطق الواقعة خارج حدود يروشالايم و"القدس"، وهي الاحياء العربية والمستوطنات الواقعة في شرقي القدس، "فيتم البت فيها في أقرب فرصة ممكنة". ويبين معد الخطة "مخاطر" وثيقة أبو مازن - بيلين، مشيرا في البداية الى أنها "ليست سوى تسوية موقتة يتم بموجبها إعطاء الدولة الفلسطينية صلاحيات إدارية واسعة في الاحياء العربية في القدسالشرقية، فيما تحتفظ اسرائيل بادعاءات السيادة على هذه المناطق وتحصل أيضا على ضم مستوطنات لبلدية القدس". ويبين أن ضم هذه المستوطنات ذات المواقع الاستراتيجية تحيط بالمدينة من جوانبها الاربعة لحدود البلدية وسريان القانون الاسرائيلي عليها يعني عملياً ضمها لاسرائيل، في الوقت الذي لا توفر فيه السيطرة الامنية الاسرائيلية على الاحياء العربية "ضمانة لامكان بسط السيادة الفلسطينية". ويخلص على هذا الصعيد الى أن اسرائيل قد تقبل بهذه التسوية الموقتة لاعتقادها بأن لديها القدرة على فرض التوازن الذي تراه مناسبا في المدينة. ويقول معد الوثيقة أنه في ظل الرفض الفلسطيني للحل الديني المقبول اسرائيليا، والرفض الاسرائيلي الكلي للحل السياسي - الاقليمي الذي يقضي بالعودة الى حدود الرابع من حزيران، وكذلك ما أسماه ب "الحل الاداري - الاقليمي" المتمثل بخطة أبو مازن - بيلين" الذي اعتبر انه "لا يرقى لمرتبة حل دائم"، فان "تسوية موقتة تتيح للطرف الفلسطيني ايجاد حقائق على الارض موازية للحقائق الاستيطانية، تحت غطاء من اتفاق موقت أو من دونه". وتنطلق الوثيقة من أنه رغم سياسة التهويد والاستيطان التي تمارسها اسرائيل للايحاء بأن القدس بجزئيها الشرقي والغربي "عاصمة اسرائيل الموحدة" فانه "ما تزال هناك مدينتان منفصلتين" رغم ازالة اسرائيل الحدود الداخلية بينهما وإمعانها في محو هذه الحدود التي يعرفها كل طرف. وتشير الوثيقة الى أن "حقائق" فلسطينية على الارض ستعمل على 1 تشكيل تواصل إقليمي عمراني فلسطيني بين اطراف القدس الشمالية والجنوبية. 2 وقف التمدد الاستيطاني شرقا باتجاه نهر الاردن. 3 ضمان التواصل العمراني والاجتماعي والاقتصادي بين الضفة الغربيةوالقدسالشرقية. وتحدد الوثيقة بالتفصيل عدد الوحدات السكنية المطلوب اقامته في كل منطقة لضمان مواجهة الحقائق التي أوجدتها اسرائيل على الارض. أما في ما يتعلق بالبعد الحضاري والبلدة القديمة، فتشير الوثيقة الى ضرورة القيام بحملة "إعمار التراث الاسلامي" للمحافظة على المعالم الاسلامية، وبناء متحف اسلامي كبير يشكل معلماً حضارياً، وكذلك بناء جامعة كبيرة في البلدة القديمة على غرار الجامعات الاسلامية العريقة القديمة. ويخلص الخبير الاستراتيجي الى أن "أي اعتقاد بان عملية السلام وحدها كفيلة باعادة الوضع الى ما كان عليه عشية حرب حزيران عام 1967 هو اعتقاد ساذج"، ويوصي "بعدم انتظار نتائج المفاوضات والعمل على توفير إرادة سياسية فلسطينية وعربية حازمة بوقف عملية التهويد ووضع مخططات واستراتيجيات مناسبة لتنفيذ الهدف وتجنيد الاموال اللازمة تتراوح بين بليونين وبليونين ونصف بليون دولار لبناء الوحدات السكنية الفلسطينية في القدس.