التقى الرئيس اليوغوسلافي فويسلاف كوشتونيتسا أعضاء هيئة الرئاسة البوسنية في مطار ساراييفو أمس، في أعقاب زيارة مثيرة للجدل قام بها الى مدينة في القطاع الصربي من البوسنة - الهرسك. واعتبر المحللون في البلقان انه ستكون للعلاقات الجديدة بين بلغراد وساراييفو، انعكاسات مهمة على جمهورية الجبل الأسود وإقليم كوسوفو ومنطقة السنجاق. استقبل صرب البوسنة الرئيس اليوغوسلافي فويسلاف كوشتونيتسا بترحاب كبير ومراسم خاصة، لدى وصوله بالسيارة الى مدينة تريبينيي في الكيان الصربي - جنوب شرقي البوسنة قادماً من بلغراد، للمشاركة في حفل نظمته الكنيسة الأرثوذكسية الصربية تكريماً للشاعر القومي يوفان دوتشيتش الذي أعيدت رفاته من الولاياتالمتحدة حيث توفي عام 1943. وكان دوتشيتش يعمل ديبلوماسياً في أميركا. وكتب وصية طلب فيها نقل رفاته الى مسقط رأسه في تريبينيي وحدد المكان الذي يرغب ان يكون فيه قبره الدائم، على قمة تل يشرف على المدينة. ويبدو أن كوشتونيتسا شعر بارتكابه خطأ ديبلوماسياً، بعدما احتجت القيادة المشتركة للبوسنة على ترتيبات زيارته للمدينة من دون إبلاغ حكومة جمهورية البوسنة - الهرسك بها من خلال القنوات الرسمية. وتلافياً لهذا "المأزق" الذي ازداد شدة عندما أيد المسؤولون الدوليون الذين يديرون شؤون البوسنة موقف قيادتها، فكتب الى هيئة رئاسة البوسنة - الهرسك رئاسة الجمهورية الثلاثية المشتركة رسالة ذكر فيها أن "الزيارة للمدينة الصربية شخصية، لا أبعاد سياسية لها". وأشار كوشتونيتسا في رسالته الى أنه سينتقل من "تريبينيي مباشرة الى عاصمة البوسنة - الهرسك. وطلب من الرئاسة الدولية لتنسيق عملية السلام البوسنية أن تحضر له طائرة هليكوبتر تنقله مباشرة من المدينة الصربية الى ساراييفو، ومنها الى بودغوريتسا عاصمة الجبل الأسود". وفي مطار ساراييفو، أجرى محادثات مع رئيس هيئة الرئاسة البوسنية الصربي جيفكو راديشيتش وعضوها المسلم خالد غيناتس ووزير خارجية البوسنة - الهرسك الكرواتي يورانكو برليتش. وعلمت "الحياة" في مكالمة هاتفية مع وزارة الخارجية في ساراييفو، أن محادثات كوشتونيتسا مع المسؤولين البوسنيين، تناولت رغبة القيادة الجديدة في بلغراد في "احترام اتفاق دايتون الذي أنهى الحرب البوسنية بصيغته الأصلية التي تمت الموافقة عليها أواخر العام 1995، وعدم إجراء أي تغيير عليه، إلا بموافقة جماعية من الأطراف البوسنية الثلاثة المعنية به بصورة رئيسية: المسلمون والصرب والكروات". كما تناولت المحادثات إقامة علاقات ديبلوماسية كاملة بين بلغراد وساراييفو في أقرب وقت "كمقدمة لحل كل القضايا المعلقة بين البوسنة ويوغوسلافيا". وعن الجدل الذي دار حول الزيارة، أفاد مصدر ديبلوماسي بوسني أن المسؤولين في بلاده كانوا يريدون أن تبدأ رحلة كوشتونيتسا من ساراييفو أولاً "لتكتسب الزيارة مواصفات الأعراف الدولية". وأوضح المصدر أن العناصر الصربية المتشددة من أنصار "الحزب الديموقراطي لصرب البوسنة" الذي كان يرأسه رادوفان كاراجيتش تسيطر على منطقة تريبينيي، ما وفر اعتقاداً أن الزيارة "ستخدم العناصر الصربية المتشددة في البوسنة، التي ستوظفها لمصلحتها في الانتخابات العامة البوسنية الشهر المقبل". لكن المصدر البوسني أشار الى أن زيارة الرئيس كوشتونيتسا لساراييفو "تم تقويمها خطوة متقدمة واحدة، والأمل في أن تعقبها خطوات أخرى من أجل ترسيخ علاقات طبيعية تمنح جمهورية البوسنة - الهرسك اجواء ثقة بنيات يوغوسلافيا الاتحادية تجاهها". ورحب المنسق المدني لعملية السلام البوسنية النمسوي وولف غانغ بيتريتش، بزيارة كوشتونيتسا لساراييفو، وأشار في تصريح الى أن يوغوسلافيا مستعدة للاعتراف بسيادة دولة البوسنة - الهرسك ضمن حدودها الدولية ونظامها القائم "من دون شروط من الطرفين". ومعلوم أن زيارة كوشتونيتسا لساراييفو الأولى من نوعها لرئيس يوغوسلافي منذ إعلان استقلال البوسنة - الهرسك عام 1992. ومعلوم أن حزب كوشتونيتسا "الديموقراطي الصربي" كان يرتبط بعلاقات وثيقة مع حزب كاراجيتش، ولعل هذا كان سبباً في الشكوك التي راودت زيارته لمدينة تريبينيي التي تسيطر عليها العناصر الصربية المتشددة.