كشفت القمة الأوروبية - اللاتينية التي استضافتها البرازيل أخيراً وجود مراتب في علاقات الشراكة بين الشمال والجنوب. فأوروبا التي فتحت حواراً استراتيجياً مع العرب شمل بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط منذ مؤتمر برشلونة 1995 ما زالت غير متحمسة للقاء قمة من هذا النوع مع العرب على رغم "عراقة" المشروع المتوسطي وعمق العلاقات التاريخية بين بلدان الضفتين. إلا أنها أظهرت حماسة شديدة لقمة جمعت ثمانية وأربعين رئيس دولة وحكومة ولم تجد صعوبة في وضع خطة استراتيجية من أربع وخمسين نقطة حددت ملامح العلاقات بين المجموعتين. هل ان الانتماء الى خيمة الثقافة اللاتينية هو الذي أزال العقبات وسهل اللقاء والتفاهم في أعلى مستوى؟ أم هل ان تهمة الإرهاب والجريمة المنظمة التي تلصق بالعرب عادة وشبح الهجرة غير الشرعية هما ما يمنع الأوروبيين من إرساء شراكة متكافئة ونشيطة مع البلدان العربية على رغم مرور عشرة أعوام على انطلاق الحوار المتوسطي في اطار 5"5؟ الثابت ان الظواهر السلبية التي تنسب للعرب خصوصاً تجارة المخدرات والجرائم المنظمة المرتبطة بها منتشرة في اميركا اللاتينية اكثر من انتشارها في العالم العربي، فما مبرر وضع اللاتين في مرتبة الشريك المميز ومعاملة العرب على أساس كونهم شريكاً من درجة ثانية؟ ربما كانت التفسيرات التي عزت "الهجوم" الأوروبي على اميركا اللاتينية الى محاولة مناكفة الاميركيين الذين يسعون للاحتكاك مع الاتحاد الأوروبي عند خاصرته الجنوبية من خلال طرح مشروع الشراكة المغاربية - الاميركية تعكس جانباً من الحقيقة، إلا أنها تغطي على جوانب أخرى تتعلق بالنظرة الدونية للعرب والمسلمين. ففي العام 1990 انطلق حوار استراتيجي بين خمسة بلدان أوروبية فرنسا وايطاليا واسبانيا والبرتغال ومالطا وخمسة بلدان عربية مشاطئة للحوض الغربي للمتوسط، لكنه توقف بعد الاجتماع الرابع لوزراء الخارجية بسبب اندلاع أزمة "لوكربي" وتصنيف ليبيا بلداً راعياً للارهاب، إلا أن الأوروبيين عادوا ومنحوا الليبيين مقعداً في المؤتمر الوزاري الأوروبي - المتوسطي الأخير في شتوتغارت. أكثر من ذلك، كان مقرراً ان تعقد قمة للبلدان العشرة في تونس العام 1992 لكنها أرجئت الى تاريخ غير محدد لأن الرؤساء الأوروبيين رفضوا الجلوس الى زعيم "إرهابي"! ومضت أربعة أعوام على إطلاق مسار برشلونة، لكن ما زالت لدى الأوروبيين تحفظات معلنة ومبطنة على العرب تحول دون قطع خطوة نوعية على غرار التي تمت بين المجموعتين اللاتينية والأوروبية. صحيح ان الخلافات العربية المعقدة وغياب رؤية موحدة لقضايا التعاون العربي - الأوروبي لدى الأطراف العربية المشاركة في مسار برشلونة شجعت على التعاطي معهم أي العرب من موقع كونهم أقل من شريك، إلا ان ذلك لا يعفي أوروبا من مسؤوليتها في تعثر الحوار. وفي عالم يرفع شعار تعدد الأقطاب وحوار الحضارات والثقافات، لا بد من وضع الشركاء جميعاً في منزلة واحدة وإزالة الرؤى التي تعيق التطلع الى المستقبل وتنكأ الجراح القديمة... والجديدة!