حان الوقت لالتقاء البلدان العربية الثمانية المشاركة في مسار برشلونة والتي انضمت اليها ليبيا أخيراً للبحث في مشروعها للمتوسطية حتى لا تبقى شريكاً صغيراً للاتحاد الأوروبي وتتركه ينفرد بقواعد اللعبة. استجاب العرب للمشروع المتوسطي مكرهين لأن رياح العولمة كانت ستعصف بخيامهم وتفتح اسواقهم بالقوة او تتجاهلهم وتهمش دورهم في سياق الاندفاع الغربي المتسارع لتحرير التجارة العالمية. الا ان قبول تحدي العولمة لا يعني ان المتوسطية باتت قدراً يلبسه العرب مثلما يرتدون بدلة جاهزة. ما عطل التنسيق بين البلدان العربية حتى الآن هو خلافاتها القديمة والريبة المتبادلة بينها والتي انتقلت احياناً الى منافسة بين هذا وذاك، على رغم ان المسافة التي تفصل كليهما عن البلدان الأوروبية اكبر من تلك التي تفصل احدهما عن الآخر. ولدى انطلاق مسار برشلونة طرح الاتحاد الأوروبي على كل بلد عربي مشروعاً استراتيجياً وحضارياً يشتمل على ثلاث دوائر هي برنامج زمني لتفكيك الحواجز الجمركية وصولاً الى اقامة منطقة للتبادل الحر أوروبية - متوسطية، وإطار للتطور السياسي يتماهى مع المقاييس الأوروبية ولا يبتعد كثيراً عن الوصاية، وشبكة للعلاقات الثقافية تضع يد أوروبا فوق يد العرب وتكرس تفوق الشمال على الجنوب. المشكلة الاخرى التي تعوق التنسيق بين العرب هي ان اتفاقات الشراكة التي تم التوقيع على بعضها، ولا تزال المفاوضات جارية في شأن بعضها الآخر، ترتدي طابعاً عمودياً. فهي تتم في اطار 15"1 اي بين الاتحاد الأوروبي بوصفه مجموعة والبلد العربي المعني. صحيح ان لكل بلد خصوصياته ما جعل استحقاقات الشراكة تختلف من بلد الى آخر، لكن اذا لم يستطع العرب المتوسطيون محاورة أوروبا جماعياً فأقله ان يتفقوا على رؤية جماعية للمشروع المتوسطي ويضعوا اطاراً للتنسيق الدوري على غرار الاجتماعات الأوروبية من اجل التقوية المتبادلة لمفاوضيهم ازاء الطرف الأوروبي. فعلى رغم الخلافات العميقة ليس مستحيلاً بلورة مشروع يركز على القواسم المشتركة ليس فقط بين العرب وانما كذلك مع بلدان "الجنوب" الاخرى في القارب المتوسطي، خصوصاً تركيا لئلا نجد انفسنا دائماً أمام مشروع جاهز نبصم عليه، وفي أفضل الحالات نعدل بعض التفاصيل من بنوده. من هذه القواسم المشتركة التركيز على الحق في الخصوصية الثقافية الذي يتيح لنا الدفاع عن ثقافتنا ومقومات هويتنا الحضارية بدل تدويل الثقافة تمهيداً لتغريبها. ويستطيع العرب في هذا المجال ترسيخ فكرة التعاطي مع ثقافات المتوسط على قدم المساواة شمالاً وجنوباً. كذلك من المرتكزات التي تحتاج للتثبيت في علاقات الشراكة قيام حركة انتقال الاشخاص على السلاسة في الاتجاهين وليس رفع اسوار شاهقة امام ابناء الضفة الجنوبية اي العرب والمسلمين لمنعهم من اقتحام القلعة الأوروبية المنيعة. قصارى القول، ان انطلاق قطار الشراكة مجدداً من شتوتغارت يفرض على العرب صوغ رؤيتهم لهذا المشروع المصيري، ووضع خطة لادارة سياساتهم المتوسطية جماعياً لكي يفرضوا مبدأ الشراكة المتكافئة التي لا يمكن تكريسها الا بالتعاطي الجماعي مع "الآخر" الأوروبي وليس بتقديم المصالح الأنانية لكل بلد.