يتنافس الأوروبيون والأميركيون على مغازلة منطقة المغرب العربي، ففيما دعت واشنطن وزراء الاقتصاد والتخطيط في الجزائر وتونس والمغرب الى اجتماعات منتصف الشهر الجاري على هامش الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، يلتقي وزراء الخارجية المغاربيون نظراءهم الأوروبيين في شتوتغارت في اليوم نفسه لمحاولة إخراج مسار برشلونه من تعثره. الجانبان يعرضان على المنطقة المغاربية مشروعين للشراكة الشاملة، يرتديان طابعاً استراتيجياً ويجسدان احتدام المنافسة على المنطقة ذات الموقع المهم والاحتياط الكبير من الثروات. واشنطن تسعى الى تكريس الأهداف التي بلورتها مبادرة مساعد وزيرة خارجيتها ستيوارت أيزنستات العام الماضي، والرامية الى ازالة الحواجز الجمركية بين المغرب العربي والولايات المتحدة وانشاء منطقة للمبادلات الحرة، يبدو من صيغتها المعلنة أنها محاولة لاستباق المنطقة الحرة الأوروبية - المتوسطية المقررة أواخر العقد المقبل. والأرجح أن الأميركيين يخشون إذا لم يتحركوا بسرعة أن تغدو الضفة الجنوبية للمتوسط "حصة أوروبية" خصوصاً في ظل انتشار مشاعر غير ودية تجاههم في بلدان المنطقة. أما الأوروبيون فيسعون الى اثبات "تفوق" مشروعهم، بإعطائه بعداً ثقافياً واجتماعياً، من خلال شمول الشراكة تطوير العلاقات بين مؤسسات المجتمع المدني في الضفتين، ومدّ جسور تعاون ثقافي يستند الى العلاقات اللغوية والتاريخية بين العالمين الاسلامي تركيا والعرب والأوروبي. صحيح أن المنطقة المغاربية والعربية عموماً ترتبطان بألف آصرة وآصرة مع أوروبا على كل الصعد، وهذا إرث ينبغي عدم التفريط به، ولكن يجب استثماره في علاقاتنا المستقبلية. إلا أن التطورات التي غيّرت وجه العالم تجعل تعدد الشركاء خياراً ضرورياً وإلا وجدنا أنفسنا على هامش التاريخ، على رغم وجودنا في قلب الجغرافيا! في هذا السياق يمكن التعاطي الايجابي مع المبادرة الأميركية وتحسين شروطها إذا استطاعت البلدان المغاربية المعنية التحدث بلغة واحدة، أو على الأقل تنسيق مواقفها في الحوار مع الأميركيين. وربما الأفضل أن تبادر الى طرح اطار للشراكة مع البلدان الآسيوية التي سيُحسب لها حساب في القرن المقبل، كي تكسر دائرة الثنائية الأوروبية - الأميركية، وتوسع هامش المناورة لمفاوضيها. والثابت أن الجغرافيا والتاريخ يمنحان ميزات أفضلية لأوروبا إذا احتدمت أكثر المنافسة بينها وبين أميركا، أو إذا دخل طرف ثالث على الخط. إلا أن هذه الميزات بدأت تفقد قيمتها في ظل مجتمع العولمة. وعلى هذا الأساس كان يمكن الغزل الموجه الى بلدان المنطقة أن يشكل فرصة تاريخية لها لتحسين موقعها والحصول على أفضل الشروط من المغازلين، لكن انقسام الصفوف، الذي يصل أحياناً الى حد الارتياب من الشقيق، يهدد بتبديد الفرصة... إن لم تكن ضاعت.