سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافقة عبدالناصر على مشروع روجرز أضعفت المقاومة وأدت الى انقسام الشارع الفلسطيني تجاوزات عناصر حبش وحواتمة اعطت الذريعة للعناصر المتطرفة لتصعيد المواجهة مع المقاومة
تحدث أبو داود في الحلقة السابقة الخميس 8/7/99 عن بدايات التوتر الفلسطيني - الأردني والأجواء التي أحاطت تدهور الثقة بين الطرفين في العام 1970. ويروي أبو داود سلسلة حوادث فردية الى تجاوزات ارتكبتها فصائل فلسطينية صغيرة كالشعبية والديموقراطية ما أدى الى اشتباكات محدودة ساهمت في تأسيس عناصر الفتنة. وهنا مقتطفات من الفصل الثاني عشر تتحدث عن مشروع روجزر والانقسام الذي أثاره في الصف العربي. كان ذلك في السابع والعشرين من تموز يوليو 1970، في شوارع عمان سار جمهور غاضب وراء حمار ثبتت بين اذنيه صورة عبدالناصر، وتدلت من عنقه لوحة خطت عليها كلمة "خائن"! قبل خمسة ايام كان عبدالناصر قد وافق على مشروع روجرز في نهاية المطاف. ومع ان عدد المتظاهرين لم يكن يتجاوز الثلاثة آلاف، إلا ان عرفات، وقد أقلقه الامر، طلب إلي ان ارسل بعض رجال الميليشيا لحماية السفارة المصرية ومساعدة قوات حفظ النظام الاردنية ومنع اي هجوم محتمل على المباني. لكن المتظاهرين الذين كانوا يلبون دعوة الجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية، تفرقوا عند الظهر بهدوء بعدما جابوا الشوارع الرئيسية للمدينة. وبالتأكيد فإن ما فاجأني ايضاً هو عدم اكتراث سكان العاصمة للأمر. وللمفارقة، فإن ابو عمار هو اكثر من خاب أمله، فأبدى استياءه قائلاً: كل الناس هنا تقريباً مع مشروع روجرز. مع أنه هو نفسه كان قد أظهر بعض الاعتدال قبل خمسة أيام، عندما وافق عبدالناصر على مشروع السلام الأميركي، واذ علم بالخبر خلال زيارته لبغداد، تحاشى ان يهاجم الرئيس المصري بالاسم. وكذلك لدى مروره في بيروت في اليوم التالي. من جهته انتظر المجلس المركزي للمقاومة عودته الى عمان ليتخذ موقفا. وفي 25 تموز يصدر بياناً يكرّر معارضتنا القرار 242 وجميع الصيغ التي تهدف الى تطبيقه ومنها مشروع روجرز. وبعد ذلك لم نفعل شيئاً. طبعاً لم يكن عرفات يرغب في أن يقوم بما يمكن ان يزعج الرئيس المصري. وعندما تعجبت من موقفه اجابني: "لا يحق لنا ان ننتقد عبدالناصر قبل ان نطّلع على الدوافع التي حملته على قبول هذا المشروع". وهذا يعني، بالنسبة الى ابو عمار، أنه كان للريّس بالتأكيد أسباب مهمة جداً، دون أن يشاطره بالضرورة رأيه في تلك الاسباب، فتلك مسألة أخرى. من هنا كانت خيبته في النهاية عندما اكتشف ان المظاهرة التي دعا اليها في عمان تنظيما حبش وحواتمه في 27 تموز، لم تحرك الكثيرمن الناس... ابدت حكومة عبدالمنعم الرفاعي في الاردن موافقتها هي ايضاً على مشروع روجرز، إلا انها انتظرت لاعلان موقفها ثلاثة ايام كي تطلع على الايضاحات التي حملها اليها مبعوث خاص من الرئيس المصري. الكثيرون في المملكة فوجئوا بقرار القاهرة اذ كان الاعتقاد السائد، قبل اسابيع، ان المشروع الذي عرضه الاميركيون في حزيران يونيو لا يمكنه ان يقلّع. وفي اول تموز، أُسقطت طائرتان مقاتلتان اسرائيليتان في منطقة قناة السويس، بواسطة صواريخ ارض-جو سوفياتية الصنع. وهذا ما شكل سابقة في الشرق الاوسط، جعلت صحف العالم العربي تعلن في عناوينها: "سقطت اسطورة الفانتوم المنيعة". فلم يكن احد يتوقع ان يسارع عبدالناصر بعد هذا الحادث، للانضمام الى الخطة الاميركية. غير ان قادتنا لم يكونوا من هذا الرأي، لكنهم تستروا على موقفهم. ومنهم مثلا ابو اياد. فما ان تم توقيع الاتفاق الاردني - الفلسطيني في 10 تموز حتى انتقل الى القاهرة حيث تقيم عائلته. وكان يفترض بقاؤه هناك حتى 23 تموز وهو اليوم الذي اعلن فيه عبدالناصر قراره. اذ ان ابو اياد كان سيمثل الثورة الفلسطينية في احتفالات الذكرى الثامنة عشرة لسقوط الملك فاروق خصوصا وان عرفات كان مدعواً من جهته للمشاركة في مراسم احياء ذكرى ثورة 14 تموز العراقية. لكنه اتصل بي هاتفياً قبل اسبوع، من مصر التي وصلها سابقاً، ليعلمني قائلاً: - سأسافر الى كوبا. اطلب من ناجي علوش ان ينضم الي في القاهرة لنذهب معاً الى هافانا. وكما هو معلوم، فإن الكاتب والمؤرخ ناجي علوش هو صهر منير شفيق، وقد اصبحنا صديقين حميمين، وقد خلف ابو خالد حسني في رئاسة دائرة الإعلام والشؤون الثقافية في تنظيمنا في الاردن بعد ان كان مساعدا لكمال عدوان في دوائر اعلام فتح. فليس الغريب ان يزور هو كوبا بحكم منصبه، أما ان يقوم ابو اياد بذلك، فهذا ما اثار استغرابي. - وما الامر المهم في هافانا كي تقصدها انت بنفسك؟ - ان ذكرى ثورة كاسترو هي في 26 تموز. وقد تلقيت دعوة في الربيع الماضي. انا اذاً احتفي بذلك. فعلّقت قائلاً: عظيم، إذا كنت ستغادر بعد احتفالات 23 تموز في القاهرة، فإن امام ناجي متسعاً من الوقت كي ينضم اليك. فقاطعني ابو اياد: لا، لا، يجب ان نغادر في اسرع وقت، فالسفر من القاهرة الى هافانا هو على شيء من التعقيد. يجب ان نهبط في مدريد، ثم من هناك نستقل طائرة من الطيران الوطني الكوبي. ويبدو ان الرحلة طويلة جداً بعد ذلك. والنتيجة انه لم يكن اي عضو من قيادتنا بجانب عبدالناصر عندما اعلن موافقته على مشروع روجرز في الخطاب الذي القاه في ذكرى 23 يوليو. اما ابو اياد، فقد باح لي لدى عودته في اوائل آب اغسطس أنه قرر القيام برحلته الى كوبا كي لا يكون في القاهرة عندما يعلن الرئيس المصري قراره. وفي الواقع، كان قد تلقى معلومات مسبقة من محمد حسنين هيكل، وزير الاعلام المصري آنذاك، مفادها ان الرئيس سيعطي جواباً ايجابياً حول مشروع السلام الاميركي خلال احتفالات 23 يوليو. وفي النتيجة لم يرد ابو اياد من جهته ان يعطي انطباعاً بأنه يغطي هذا الخيار عبر وجوده بين ضيوف الرئيس المصري في ذلك اليوم. أيا يكن الامر، وفي تلك الايام الأخيرة من تموز، اصبنا بالخيبة، نحن الكوادر الفتية في فتح، كما المقاتلين العاديين. ومع ذلك كان عرفات يؤكد لنا اكثر من اي وقت مضى أن الامور لم تحسم حتى الآن، ويكرر اللاّزمة نفسها مراهناً على ان اسرائيل سترفض مشروع روجرز، وان هذا ما يتوقعه ضمناً الرئيس المصري. هكذا ستكشف اسرائيل عن وجهها الحقيقي، وتجد نفسها معزولة على الصعيد الديبلوماسي. عبثا حاول ابو عمار تأويل خطاب عبدالناصر، فكما في مناقشتنا اياه للمرة الاولى في حزيران لم اكن اعتقد من جهتي ان الاسرائيليين سيرفضون عرض وقف اطلاق النار. فقد كانت حرب الاستنزاف في منطقة قناة السويس مؤلمة بالنسبة اليهم ايضاً. وكنت افكر باستمرار أنه، ودون أن نحسب الطائرتين اللتين اسقطتا بواسطة الصواريخ السوفياتية في بداية الشهر، لا بد لذلك من ان يولّد صدمة في الاوساط العسكرية الاسرائيلية... كانت هذه صورة الوضع، عندما اتّخذ عبدالناصر في الثامن والعشرين من تموز قراراً آخر ازعجنا جداً. فبعدما اغاظته الطريقة التي عومل بها آنفاً في عمان، من جانب محازبي حبش وحواتمه، إذا به يغلق اذاعتي "صوت فلسطين" و"صوت العاصفة" من القاهرة. ولكن هل كان هذا هو السبب الحقيقي؟ ليس فقط أنه حرم بذلك المقاومة، في مرحلة دقيقة، وسيلة تعبيرها الرئيسية، بل انه عقّد ايضاً مهمة مقاتلينا. فقد كانت هاتان الاذاعتان تبثان في الواقع، اضافة الى الأخبار والبيانات، رسائل بالشيفرة الى فدائيينا خلال العمليات. ومع ذلك، لم يجرؤ عرفات في هذه القضية ايضاً ان يستنكر هذا الاجراء ويهاجم الرئيس المصري مباشرة. فقد اعترضت فقط التنظيمات الراديكالية مثل الجبهة الشعبية أو الجبهة الديموقراطية. وهكذا سارت في الزرقا، مساء ذلك اليوم، تظاهرة ضمت ما يقارب سبعة الاف شخص. خلال هذا الوقت، ظهرت انقسامات أخرى داخل صفوف المقاومة. إذ لم تتردد منظمتان صغيرتان في اعلان دعمهما عبدالناصر وهما منظمة فلسطين العربية بقيادة أحمد زعرور الضابط السابق في الجيش الملكي الاردني، الهيئة العاملة لتحرير فلسطين التابعة لعصام السرطاوي، وهو جرّاح تلقى علومه في الولاياتالمتحدة وقد كان زعرور والسرطاوي مقتنعين بأن قرار الريّس قبول مشروع روجرز هو موقف تكتيكي، وأنه لا يزال يرغب في تحرير فلسطين! والأسوأ من ذلك ان موقفهما قد لقي بعض التجاوب في عمان. اذكر تجمّعاً اقيم في احدى امسيات ذلك الاسبوع يوم 29، في مركز النقابات في عمان. وقد طاب لممثلي هاتين المجموعتين الصغيرتين التوسع في تحليلاتها من ان قرار الرئيس المصري الموافقة على مبادرة روجرز مجرد موقف تكتيكي كما كانوا يؤكدون. فعبدالناصر لا زال يريد تحرير فلسطين وتلك عبارات لم يكن عرفات قادرا على استنكارها كونه لا يجرؤ هو نفسه على القيام بما من شأنه إرباك الرئيس المصري عندها، تسلم الحديث هاني الحسن، من حركتنا، وراح يبذل جهده كي يوضح العكس، اي ان الخطة التي يقترحها الاميركيون خطرة وان الموافقة عليها يضفي مزيد من الشرعية على وجود اسرائيل. اخيراً ومن الجهة العربية لن تؤدي هذه المفاوضات في افضل الاحوال الا الى استرداد الاراضي التي ضاعت عام 1967 كسيناء وربما قطاع غزة ولكن ليس بالتأكيد الضفة الغربية بأكلمها. فقد اشار اولاً الى ان القدس الموحدة والتي ضمها الاسرائيليون غير قابلة للتفاوض بشكل صريح وثانياً الى ان العديد من المسؤولين في الدولة العربية لا يخفون فكرة ان المستوطنين في الخليل وغيرها من مناطق الضفة الغربية باقون حيث هم... وما كاد هاني يبدأ عرض حججه حتى اعترضته صيحات الاستهجان في القاعة، لم يستطع ان يضيف كلمة واضطر بعد ذلك الى التخلي عن مداخلته. عندما رأيت ذلك هرعت الى ابو عمار الذي بدا انه فقد شيئاً من تماسكه بعد انتشار معلومات تفيد ان الحكومة الاسرائيلية تستعد بدورها لاعطاء الضوء الاخضر لمفاوضات روجرز. باختصار، أخطأ قائدنا التقدير على كل الصعد، ووقف اطلاق النار الذي كان يقول أنه لا يصدقه، بدا امراً حاصلاً بكل بساطة. لكنني، بدلاً من ارهاقه، رأيت الفرصة مؤاتية كي اقنع ابو عمار باستعادة المبادرة. وبعدما اخبرته كيف مُنع هاني من الكلام في مركز النقابات، قلت له: لم يعد ممكناً ان نبقى متغاضين عن الامر. فدعني انظم يوم الجمعة المقبل تظاهرة كبيرة في عمان وتلقي فيها انت خطاباً. فسألني بنبرة ضعيفة: وماذا اقول فيه؟ - أننا ضد مشروع روجرز. - لن نجتذب عشرة آلاف شخص، وانت تعرف ذلك. فمن جديد لا يلتفت الشعب هنا في الاردن الا الى عبدالناصر. قيل لي ايضا ان غالبية اهلنا في الضفة المحتلة يؤيدون هذه المفاوضات... - هذا صحيح، لكنهم ايضاً مع تحرير فلسطين، كل فلسطين. لنوضح لهم حدود مشروع روجرز، ولنزرع الشك في نفوس المعجبين بالرئيس المصري، ولنذكّرهم ايضاً بالماضي وانه لا يمكن التأثير على القرارات التي تعنينا باللجوء مرة أخرى الى الانظمة العربية. فرد عرفات مستاءً: ابو داود، اريد فعلاً أن أنفّذ كل ما تريد ما عدا الدخول في اختبار قوة مع عبدالناصر. ولم يلبث ان ذكرني بالحديث القريب العهد الذي جرى بيننا في أواخر حزيران: ألست انت الذي قلت لي الا نثق بالملك حسين؟ عظيم، انت ترى انني اعمل بنصيحتك. فمهاجمة الرئيس المصري، كما يفعل الآن حبش وحواتمه، هو عمل انتحاري، اذاً كما كان هناك، يوماً ما، خطر أن نطعن في ظهرنا في الأردن، فقد نحتاجه. لكنني رأيت انه من غير المستحسن أن أفتح، في ذلك المساء، حديثاً في العمق حول هذه المسائل. لكني قلت له: لكن على حد علمي انك لا تريد من جهتك ان نوقف عملياتنا العسكرية في حال اعلان وقف اطلاق النار! - ولا لأي لحظة! ان وقف اطلاق النار هذا لا يعنينا. فمن جهتنا، ان المعركة ضد اسرائيل مستمرة، على الاقل من اجل التأثير على مجرى المفاوضات. وعبدالناصر يعرف تماماً أن هذا يساعده ايضاً. فعلقت قائلاً: اذاً بالضبط، فلماذا لا ننظم تظاهرة كبيرة وتعلن فيها انت بهذا الوضوح ما قلته لي للتو؟ ثم لفتُّ انتباهه الى خطر يحيق بنا في الأردن. فقد استكان الناس لكثرة ما سمعوا احاديث السرطاوي والزعرور. فإن لم نواجههما سريعاً بكلام آخر، فإن الشعب سيتصوّر في كل الاحوال انه لم يعد هناك ما يمكن فعله سوى انتظار نتائج مفاوضات روجرز. توجه عرفات الي بالقول: حسناً يا ابو داود، لقد ربحت. فاذا استطعت ان تضمن لي الا يقع اي حادث طوال خط سير التظاهرة، والا ترفع، من اول الموكب الى آخره أي يافطة او شعار ضد عبدالناصر، ولا ضد الملك حسين، فانا لن اعارض. فأعطيته الضمان .... أعطت تحذيراتي ثمارها، فقد جرت هذه التظاهرة في 31 تموز عام 1970 في شوارع عمان دون اي حادث ولاقت نجاحاً شعبياً، مع أنني كنت أتمنى أن يشارك فيها سكان العاصمة أكثر بشكل مباشر، فهم اكتفوا في الواقع بمشاهدة موكبنا الطويل. وعلى كل، فقد لبّى أكثر من عشرين الف فلسطيني دعوتنا، وهو مشهد أكبر بكثير مما رأيناه سابقاً. بعيد صلاة الصباح في جامع الحسين الكبير، انطلق الموكب في وسط المدينة السفلى، تتقدمه سيارات جيب استقلّها فدائيون من "العاصفة"، ثم تحرّك في اتجاه جبل الحسين، وسار في طليعة المسيرة بعض مقاتليّ بثياب الميدان، اضافة الى مئات الفتيان الذين أشركتهم، وهم جميعاً من الايتام الذين تكفلت بهم منظمة فتح. كان الجميع يسيرون بخطى منظمة وبايقاع واضح. وسار الحشد وراءهم حيث رفعت لافتات كبيرة كتب عليها: "الشعب الفلسطيني يرفض المشروع الأميركي" او "المشروع الأميركي يهدف الى تصفية الشعب الفلسطيني"، أو ايضاً: "الثورة هي السبيل الوحيد لتحرير فلسطين". واجتاز الحشد صعوداً شارع الحسين في اكثر من ساعة ونصف ساعة، بكل هدوء، فيما واكب المسيرة من الخلف مقاتلون آخرون يحثون المتخلفين ويجهدون في فرض نوع من احترام التراصف. وتطبيقاً للتعليمات التي كررتها بواسطة مكبّر صوت قبل انطلاق المسيرة، لم يطلق اي شعار معاد لعبدالناصر. الا اني كنت اخشى الاسوأ. فمنذ الصباح، عُرف الخط الذي ستسلكه التظاهرة، وقد رأيت على العديد من واجهات الابنية وستائر المحال المعدنية عدداً لا يحصى من الملصقات التي تحيي الرئيس المصري. لقد كان واضحاً ان هذا نوع من الاستفزاز، وقد الصق الكثير منها خلال الليل. واذ فوجئت بذلك لم يكن لي الا ان انبّه ضباطي الى الحرص على عدم خروج اي شخص من صفوف المسيرة في محاولة تمزيق هذه الملصقات او تلطيخها. وعلينا القبول بها. وقد انتابتني حالة هلع ايضاً عندما وصلت طليعة الموكب الى امام مقر قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني في جبل الحسين. كانت فيلا حديثة كبيرة وسط ارض مقفرة، وهناك كان من المفترض ان يلقي عرفات خطابه في الحشود. ولكن عندما وصلت الصفوف الاولى دوّى صوت انفجار قوي كاد يثير حالة من الذعر. والواقع ان احد الفدائيين في سيارة جيب وبحركة خاطئة منه اطلق، لسوء الحظ، قذيفة من قاذف "آر. ب. ج" كان بين يديه. ولحسن الحظ انه لم تقع اية ضحية... وفي نهاية التظاهرة، خطب ابو عمار في الحشد كما هو مرسوم، وهذا في ذاته شكّل حدثا، اذ لم يسبق له ان توجه الى جمهور بهذا الحجم، وكان الكثيرون يسمعون، للمرة الاولى، خطابا علنيا لزعيم المقاومة. وفيما كان ابو عمار يتكلم كنت انا مع كمال ناصر منفردين وراءه نضحك باستمرار. فكل الحضور كانوا يتوقعون في الواقع ان يشير ابو عمار الى مخاطر مشروع روجرز وحدوده، كوننا دعونا الى هذه "المسيرة الشعبية" من اجل انتقاده وإن جزئيا، وما ان بدأ ابو عمار خطابه حتى همس كمال في اذني: "اراهنك على انه لن يتحدث عن مشروع روجرز". فأجبته: "قبلت رهانك". وفي الحقيقة أنهى عرفات خطابه بعد عشر دقائق دون ان يتطرق الى الموضوع. .... بعد التظاهرة المسائية في السابع من آب، قصدت مع ضباط من "العاصفة" عرفات كي نطلعه على ما يشغل بالنا. هو ايضاً كان يدرك ان عودة "صقور" الجيش، ممثلين بزيد بن شاكر، وتحريك الوحدات هذا في اتجاه عمان، حيث لا تتمركز عادة، لا ينذران بأي خير. ومع ذلك، واذ كنا نبيّن له أنه من الممكن أن نعيق وصول عدد من هذه القوافل إلى محيط العاصمة بالتصدي لها عند السلط حيث كنا نملك قواعد للفدائيين، اصدر الينا ابو عمار امراً رسمياً بعدم مناوأة هذه التحركات. ومما قاله لنا: ان هذه الدبابات الاردنية هي دبابات عربية، ولن أبادر ابداً إلى اطلاق النار على جيوش البلدان الشقيقة. فأجبته بإصرار: ولكننا نخاطر بأن نقع قريباً في ما يشبه الشباك. - عظيم، نحن نعرف كيف ندافع عن انفسنا إذا ما هوجمنا. وقد برهنّا عن ذلك في حزيران. وأنا افضّل ان تقوم أنت يا أبو داود مع مقاتليك بمراقبة ما تحضّره لنا الجبهة الشعبية. كان عرفات يقصد بذلك الصدامات التي حدثت في 5 و6 آب بين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والتنظيمات الصغيرة الميّالة إلى عبدالناصر، اي الهيئة العاملة لتحرير فلسطين التابعة للسرطاوي، ومنظمة فلسطين العربية التابعة لأحمد زعرور، اللتين ظلتا ناشطتين في دعاياتهما من اجل الحاق مواطنينا بسياسة القاهرة. وقد بدأ كل شيء باشتباكات في إربد وبلدات من غور الاردن، لتمتد الاحداث في اليوم التالي إلى العاصمة، اذ هاجمت مجموعة من مئة مقاتل من محازبي جورج حبش، بعضهم مدجج بالاسلحة، مركزاً لأحمد زعرور. لم يكن سهلاً على الاطلاق وضع حد لهذه المواجهة. وقد اضطررت مع عناصري لاقتحام مواقع الطرفين. لكن ويا للأسف فقد فجعنا بسقوط قتيل، إذ توفي لاحقاً في المستشفى متأثراً بجروحه أحد الجرحى الثلاثة من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. لقد آلمتني هذه العملية لأنني لم اكن اعتقد ان الأمر سيبلغ بنا أنا ورجالي هذا الحد، اي ان نستعمل السلاح لنفرض طاعتنا. ومن جهة أخرى، ساد شعور ان هذه الاحداث يمكن ان تتجدد بين يوم وآخر، فالكثيرون من الجبهة الشعبية ما كانوا يحلمون إلا بالتخلص من السرطاوي وزعرور. كان أبو عمار يكرر باستمرار: إن مهاجمة مراكز الهيئة لتحرير فلسطين ومنظمة فلسطين العربية هي بمثابة الهجوم على عبدالناصر. لذلك اتوسل اليك يا أبو داود ان تستمرّ في الفصل بين الافرقاء. .... وجه الملك تحذيراً شديد اللهجة الى المقاومة من خلال خطاب بثته الاذاعة مساء اليوم التالي. وفحوى الكلام انه لن يقبل باي محاولة للمس بسيادة الاردن المطلقة، ولن يتحمل بعد اليوم الشتائم والافتراءات، في اشارة الى عبارة "خائن" الموجهة اليه والواردة في القرارات التي اتخذها مندوبونا يوم أمس الاعلان الختامي للمجلس الوطني الفلسطيني. وأضاف أخيراً ان للجيش الصلاحية المطلقة في اجراء المناقلات بين الوحدات، كما يراه مناسباً، في جميع ارجاء البلاد، وليس من حق منظمات المقاومة الاعتراض على ذلك. وبدأ معاونيّ بالتذمر: لن ننتظر حتى يقتلونا كلنا قبل ان نردّ. لكني، وكما فعلت يوم أمس أثر الحوادث التي افتعلتها عناصر حواتمه امام مركز البريد، دعوت الجميع الى ضبط النفس. .... وما اوضحته لمساعديّ ومعاونيّ الرئيسيين في مركز قيادتي في الوحدات، قام عرفات بشرحه مطولاً في تلك الليلة أيضاً أمام المجلس المركزي للمقاومة المنعقد حتى الفجر في جبل الحسين، وخلاصته ان لا مصلحة لنا في الانجرار الى معركة يحدد خصومنا شروطها وتوقيتها. وبالتالي علينا الاكتفاء بالدفاع اذا ما تعرضنا للهجوم فقط. وكا أُخبرت في اليوم التالي، تفوّه عرفات بكلام قاسٍ للمرة الاولى في معرض استنكاره ممارسات مناضلي الجبهة الديموقراطية. وقد توجه الى نايف حواتمه الموجود في الاجتماع قائلاً: ان كل تصرف طفولي وفوضوي وعدائي دون سبب، خصوصاً ضد عناصر الجيش الملكي، من شأنه اسداء خدمة الى العناصر الموجودة في القصر التي تبحث عن ذرائع من اجل تصفية المقاومة. واضاف بلهجة حازمة: ليكن الامر واضحاً في ما بيننا يا نايف، فإما ان يتمثل عناصرك للانضباط العام واما نحيلهم على محكمتنا الثورية! يبدو ان حواتمه قد فهم الانذار... ولكن يوم الاحد في 30 آب لم يكن هنالك من وسيلة لوقف التدهور. كأن المواجهة النهائية باتت امراً لا مفر منه. وفي اشارة اخرى لتشدد السلطات الاردنية، منع الاتحاد العام لطلبة فلسطين من تنظيم مؤتمر دولي حول فلسطين في عمان بين 2 و6 أيلول/ سبتمبر، وكان قد حدد موعده قبل اسابيع عدة. لكن قيادة المقاومة لم تقبل التراجع اذ كانت الوفود بدأت تصل، وهي ذات توجهات سياسية متنوعة فمنهم الطلاب الاوروبيون، والمجموعات الراديكالية السوداء الاميركية ك "الفهود السود"، وممثلون لحركات التحرير الوطني في القارة الافريقية، وفيتناميون شماليون وجنويون، وكوريون، وسوفيات الخ... في هذه الاثناء كان التوتر بادياً على الوجوه في شوارع المدينة المزدحمة. وكان المشاة الذين زادتهم اضطراباً احداث الاسبوع المنصرم، يرتعدون عند صدور ادنى صوت. فيما اصحاب الحوانيت من جهتهم، مستنفرون باستمرار لإنزال أبوابهم الحديد ويتساءلون بقلق: اين سيبدأ اطلاق النار التالي؟ أخيراً باتت أجواء عدم الثقة تسود كلما تلاقت جيبات دوريات الجنود الاردنيين وفدائيي الكفاح المسلح في شوارع المدينة الرئيسية، فتبقى الاصابع على زنادات الرشاشات تحسّباً لأي احتمال. في هذا الجو المكهرب، الى حدّ كبير، اعيد في المساء بث الكلمة التي اطلق فيها الملك تحذيراً شديد اللهجة الى المقاومة. وكنا في مركز القيادة في الوحدات نتساءل: لماذا ارتأت السلطة اعادة بث هذا الخطاب، وكأن النفوس بحاجة الى مزيد من التعبئة؟ وجاء التفسير بعد قليل، اذ ما كادت تمضي دقائق على اعادة اذاعة الخطاب حتى سمعنا فجأة انفجارات بعيدة مصدرها شمال المدينة، وراحت هذه الانفجارات تتوالى وتتوالى. طوال ساعتين هزّت طلقات الأسلحة الثقيلة أحياء جبل الحسيني واللويبده. وكانت مراكز ومواقع للمقاومة تتعرض للقصف المدفعي من قبل الجيش والفدائيين ورجال الميليشيا يردون بالهاون والصواريخ والرشاشات. واذ بفاروق القدومي يتصل بي، وكان برفقة عرفات، وراح يصرخ قائلاً: انهم يقصفوننا بالمدفعية في جبل الحسين واللويبده ونحن نردّ بالهاون والصواريخ والرشاشات. وانتم هل تتعرض احياؤكم للقصف؟ أجبته: ليس بعد، اذا شئتم يمكننا مساندتكم انطلاقاً من قواعدنا في جنوب وشرق العاصمة. فلدينا مدافع هاون متمركزة فوق هذه التلال. - اياكم ان تفعلوا ذلك. الاحياء التي تتعرض للهجوم وحدها تتكفل بالردّ. انها أوامر صريحة من أبو عمار. فقلت: حسناً. ليكن الله معكم يا ابو اللطف! ثم صعدت برفقة بعض العناصر تلة الاشرفية المطلة على المدينة وحيث كان بمقدوري متابعة ما يحدث بأم العين. وبما انه كانت هناك مواقع للمقاومة فوق جميع التلال التي يجري فيها اطلاق نار، فقد كان الرصاص المتشابك يضيء المدينة. وفي غضون نصف ساعة خف اطلاق النار ليستمر متقطعا طوال ساعة ونصف ساعة. في هذه الاثناء كان الوضع لا يزال هادئا في احيائنا شرق المدينة كما في الوحدات. وانتظرنا راديو عمان الى ما بعد منتصف الليل بقليل ليذيع بلاغاً يعلن وقف المعارك ومباشرة تحقيق لتحديد المسؤوليات. ولكن ابتداء من صباح الاثنين، ودون انتظار النتائج، راحت الاذاعة الاردنية تروي الاحداث على طريقتها وقد اثارت اعتراضات المجلس المركزي للمقاومة. من جهته، دعا عرفات الى اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية كما طالب باحياء اللجنة الرباعية العربية التي تألفت بعد ازمة حزيران. كان يمكن عمليات القصف ان تكون اكثر دموية وقد اوقعت ثمانية قتلى ونحو عشرة جرحى. كذلك كنا راضين عن عدم انجرارنا مرة اخرى الى ما اعتبرناه استفزازاً. وحدها مواقع المقاومة المستهدفة قامت بالرد على مصادر النيران وعرف الجميع كيف يحافظون على رباطة جأشهم. ولكن هل ننتظر ان نتعرض لاستفزازات جديدة؟ اتصل بي ابو عمار سائلا: هل سمعت الاخبار يا ابو داود؟ يبدو ان الملك نجا من محاولة جديدة لاغتياله، ويقال ان جماعة حواتمه متورطون في العملية. حاول ان تفهم من ياسر عبدربه، اذا كان قريباً منك، تفاصيل ما حدث. - سبق وسألته، يا ابو عمار. لا علاقة لهم بالمسألة. للمرة الثانية اتصل بي عرفات بصورة طارئة عصر يوم الثلثاء في اول ايلول. في المرة الاولى دعاني الى عدم الرد على المدفعية الملكية التي استأنفت قصفها قطاعات عدة في العاصمة، وقد استهدفت للمرة الاولى مخيمات اللاجئين في جبل الحسين وجبل النوسه والوحدات ايضاً. فهتفت قائلا: من الجنون عدم الرد! مساء الاحد ردت مواقعنا التي تعرضت للهجوم. فأجابني ابو عمار: هذا كان يوم الاحد. علينا توفير الذخائر. لندع العاصفة تمر، فلن تدوم طويلا. كان التوتر قد بدأ مجدداً قبل اربع او خمس ساعات، وذلك بطلقات نارية لم نعرف من كان يطلقها، وضد من، وذلك في العبدلي، بالقرب من مركز المخابرات الاردنية. ولم يدم الحادث اكثر من عشرين دقيقة. ولكن بعد الساعة الخامسة بقليل ابلغني ياسر عبدربه، مسؤول ميليشيا الجبهة الديموقراطية وأحد مساعديّ في القيادة الموحدة، ان تبادلاً لاطلاق الرصاص جرى بالقرب من المطار بين عناصر من الجبهة والقوات الملكية. ومع استمرار المجابهة استعددنا للانتقال الى هناك عندما سمعنا داخل السوق القديمة وسط المدينة رشقات اسلحة رشاشة مجهولة المصدر زرعت اصداؤها الرعب في النفوس. فادركت عندها، من خلال تتابع هذه الحوادث، اننا نتجه نحو الاسوأ، فأنذرت مسؤولي الميليشيات بدعوة السكان الى عدم التجول في الشوارع، والى حماية نوافذ البيوت بالفرش. لكن مجريات الاحداث سبقتنا اذ دفع صفير قذائف الهاون وانفجارات المدافع الكبيرة بأهلنا الى الهرب والاختباء، وهم في حالة من الرعب الشديد. في هذه الاثناء اتصل بي عرفات ليعطيني الامر بعدم الرد على مصادر النار واضاف: علينا ان نبرهن اننا لا نسعى الى المجابهة. عندها، ونحو الساعة السابعة، قطعت اذاعة عمان برامجها لتذيع بلاغا جاء فيه انه بينما كان الملك ومرافقوه متجهين الى المطار لاستقبال الملكة عليا العائدة من الخارج، اطلق عليه بعض القناصة النار قبل الساعة الخامسة بقليل. وقد نصب المكمن عند تقاطع يضطر فيه الموكب الى تخفيف سيره. لكن الملك لم يصب بأذى، وقد اتهمت اذاعة عمان تنظيم حواتمه بتدبير الاعتداء. ولكن عندما سألت ياسر عبدربه عن صحة الامر اكد لي ان ذلك مستحيل. لكني قلت له مشدداً: ربما لا يخبرك اصدقاؤك كل شيء! جماعتكم موجودون في هذا القطاع حيث تدور الاشتباكات، انت اخبرتني بذلك منذ قليل. - كيف اقنعك بتصديقي يا ابو داود؟ كيف لنا ان نعرف ان الحسين ذاهب الى المطار بعد الظهر؟ لا يمكن ارتجال محاولة اغتيال تستهدف الملك وسط حراسته. في رأيي، انها محاولة اعتداء مرتبة. كما في حزيران... اتصل بي عرفات مجدداً فأعدت على مسامعه ما قاله عبدربه، فهتف قائلا: انا ايضاً اعتقد انها محاولة اعتداء مفبركة تماماً. السلطة اليوم لا تحاول الا توريط حواتمه! وفيما كنا نتحدث، كانت تتراجع اصداء اصوات مدفعية الهاون الثقيلة في ارجاء المدينة، وفي الوحدات حيث كانت القذائف تتساقط بغزارة. وقد سارعت بعض العائلات التي كانت لا تزال منتشرة في الشوارع، الى الاحتماء داخل مركز قيادتي الذي اعددته لحالات الطوارئ داخل مجموعة مدارس شيدتها منظمة غوث اللاجئين، "الاونروا". وكانت الجدران تهتز تحت وطأة الانفجارات، وكان الاهل يتمددون فوق اولادهم املاً بحمايتهم. وعبر الهاتف كان بامكاني ايضا سماع انفجارات قوية في المكان الذي كان يكلمني منه ابو عمار من جبل الحسين، لكنه حافظ على هدوئه وتابعنا الحديث. وقد اخبرني عرفات ايضا ان اللواء مشهور حديثة اتصل به ليبلغه ان المخابرات العسكرية وقعت على وثيقة داخلية للجبهة الديموقراطية فيها تورط كبير لنايف حواتمه. انه مخطط لاثارة الاضطرابات على صعيد واسع في العاصمة وقد اوضح اللواء: بحسب اجهزتنا ان الخطة معدّة للتنفيذ هذا المساء بالذات. وهو يطالب قيادتنا بالتدخل لدى حواتمه حقناً للدماء. وتابع ابو عمار قائلاً: اتصلت بنايف فلم ينكر حقيقة الوثيقة التي وقعت بين ايدي المخابرات الاردنية، لكنه اكد لي انهم اغفلوا القول ان هذا المخطط ليس معداً للتنفيذ الا في حال توصلت المفاوضات الجارية في نيويورك الى نتائج ملموسة، وقد اقسم قائلاً ان ذلك وارد حرفياً في الوثيقة. وبحسب ما قال لي عرفات، فإن حواتمه اتصل هاتفيا على الفور برئيس الوزراء عبدالمنعم الرفاعي ليطمئنه الى ان ليس على الحكم ان يقلق من مضمون الوثيقة ما دامت مفاوضات نيويورك لا تبدو متجهة الى تحقيق اي نجاح. ومن بغداد جاءنا في المقابل خبر مثير للاهتمام. فبينما كانت المدفعية مستمرة في عمليات القصف وتنظيماتنا تصدر البيان تلو البيان لتكذيب النبأ الذي اذاعه راديو عمان حول تعرض الملك لمحاولة اعتداء، كنا نستمع من ملاجئنا الى ما يصلنا من اذاعات. وقد سمعنا نحو الساعة الثامنة مساء من الاذاعة العراقية انه تم توجيه رسالة الى الملك. انه انذار من حكومة بغداد بأن القوات العراقية المتمركزة في الاردن ستتدخل لمساعدتنا اذا لم يتوقف القصف عند الساعة الحادية عشرة ليلا. واوقفت المدفعية قصفها قبل انقضاء مهلة الانذار. ولم يعد امامنا سوى مغادرة ملاجئنا واحصاء ضحايانا: 23 قتيلا و24 جريحاً، اكثرهم في مخيم الوحدات. اعتقدت قيادتنا في اليوم التالي انها حققت انتصارا في الازمة الجديدة مع النظام. الحقيقة اننا كنا نسجّل بعض النقاط على المستوى العربي. ففي الثامن من ايلول انضمت سورية الى العراق وذلك بصوت وزير دفاعها اللواء حافظ الاسد الذي اعلن استعداد سوريا لتقديم "الدعم السياسي والعسكري المطلوب للمقاومة"، ملقياً باللوم مباشرة على الملك في احداث الامس. اما عبدالناصر فقد اعرب من خلال وزير خارجيته عن موافقة مصر على طلبنا عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية. وللتأكد من تفاؤل عرفات، كان يكفي سماع خطابه في اليوم نفسه وهو يفتتح المؤتمر الدولي لدعم المقاومة الذي بدأ اعماله في مكان جرى اعداده بسرعة وسط انقاض مخيم جبل الحسين، وذلك بالرغم من استمرار السلطات في منعه. وكان عرفات يعلن وسط التصفيق الطويل للوفود الاجنبية التي نجحت في الوصول: "ان الثورة اقوى من جميع المؤامرات". الحلقة الاخيرة: الاثنين المقبل