، الاندلسي الأصلي، والمولود في العام 1951، يعتبر منذ بداية الثمانينات أحد أبرز الوجوه في السينما الأوروبية المعاصرة، كما يعتبر ابرز فنان أسباني أطل على العالم الخارجي. وهو لئن بدا عقلانياً عاقلاً، خلال الحفلة الختامية لمهرجان كان السينمائي الأخير، حين أعطي جائزة أفضل اخراج عن فيلمه الجديد "كل شيء عن أمي"، فإن هذا جديد عليه، هو الذي عرف دائماً بغرابة أطواره وبشخصيته المشاكسة اللاذعة. ومع هذا، هل كان يمكن لأحد ان يصدق، في أواخر الستينات، ان ذلك الشاب الذي يعمل باجتهاد موظفاً في شركة الهاتف الوطنية الاسبانية، سيصبح ذات يوم مخرجاً سينمائياً كبيراً؟ اذا كان المودافار بدأ يُعرف، كسينمائي، منذ العام 1980، مع زوال الحكم الديكتاتوري في اسبانيا، عبر فيلم ظهر كالقنبلة وسط السكون الهادئ لسينما اسبانية كانت تكرر نفسها في ذلك الحين رغم وجود كبيرها كارلوس ساورا، ونعني به فيلمه الأول "بيبي، لوسي، بوم وفتيات الحي الأخريات"، فإن ذلك الشاب المغتذي بثقافة متنوعة والمطبوع بالتطرف العاطفي الاندلسي، المولود قرب طليطلة، كان سبق له، وهو بعد موظف أن حقق تجارب سينمائية عدة بواسطة كاميرات صغيرة. وكانت تلك هي مدرسته الحقيقية اذ انه لا يفوته اليوم ان يفخر بكونه عصامياً لم يدرس فن السينما في أي مكان، بل لم يتح له أصلاً ان يشاهل كلاسيكيات هذا الفن. مهما يكن في الأمر، منذ فيلمه الأول برز المودافار كظاهرة، وارتبطت أفلامه بسمعة جعلت منها أفلاماً نسائية في المقام الأول، اذ على مدى 13 فيلماً حققها هذا المخرج حتى الآن. كانت الأدوار الاساسية كلها أدواراً نسائية، تماماً كما هو حال فيلمه الجديد "كل شيء عن أمي" الذي أوصل هذه "الانثوية السينمائية" الى ذروتها. بعد فيلمه الأول حقق المودافار على التوالي "متاهة العواطف" 1982 و"في الظلمات" 1983 و"ماذا فعلت لأستحق هذا كله؟" 1984 - 1985 و"مصارع الثيران" 1985 - 1986 و"قانون اللذة" 1986 و"نساء على حافة الانهيار العصبي" 1987 و"اربطني" 1989 و"كعوب عالية" 1991 و"كيكا" 1993 و"زهرة سرّي" 1995 و"لحماً وعظماً" 1997، غير انه في أفلامه هذه كلها، لم يبلغ المودافار القمة التي بلغها في "كل شيء عن أمي" حيث يبدو هذا الفيلم خلاصة لأفلامه السابقة كلها وتجاوزا لها. بل يمكننا ان نقول انه يحقق هنا انعطافة اساسية في مساره. اذ لئن كانت افلامه السابقة تميزت بنوع من "الهزل الباروكي" كما تميز اخراجه بحذلقة تصل أحياناً اى حد الافتعال، فإنه في هذا الفيلم الجديد، طرق أبواب المشاعر، وحول شخصياته من دمى قاسية، الى نساء من لحم ودم. من هنا لم يكن غريباً ان يهدي فيلمه الى كل تلك النساء اللواتي لعبن على الشاشة أدواراً نسائية. و"إلى كل الأمهات والى أمي"، ولم يكن غريباً ان يبدو فيلمه وكأنه تطوير لمسيرة المخرج الأميركي الراحل جون كازافيتس ولا سيما في "ليلة الافتتاح" الذي لا يغيب عن بال المتفرج في "كل شيء عن أمي". وفي ورود اسم جينا رولندز، بين اسماء الممثلات اللواتي يهدي الفيلم اليهن، تأكيد على ذلك، اذ أن جينا، هي أرملة كازافيتس وهي بطلة فيلم "ليلة الافتتاح".