كانت القطاعات المصرفية في دول مجلس التعاون الخليجي من أكبر المستفيدين من فترة الطفرة النفطية منتصف السبعينات واوائل الثمانينات، ففي تلك السنوات تم تنفيذ الكثير من مشاريع البنية التحتية الضخمة التي تم تمويلها بمداخيل النفط من الدولارات، فتسارعت وتيرة النمو الاقتصادي مما ادى الى زيادة ثروات المنشآت الخاصة والافراد وبالتالي تزايد الطلب على المنتجات المصرفية والمالية. ومن خلال عمل المصارف الخليجية كوسطاء ماليين، امكنها تحقيق دخول جيدة من الحسابات التي لا تحمل فوائد، في الوقت الذي توافرت لها الحماية من المنافسة الخارجية اما بحظر نشاط المصارف الاجنبية او بالحد من هذا النشاط بكثير من القيود. ومع تراجع اسعار النفط، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وفتح الاسواق المحلية امام المنافسة الاجنبية، وتحول المودعين الى المنتجات المالية غير التقليدية، فان الدخول العالية التي كانت تحققها المصارف الخليجية في الماضي قد تخضع قريباً لضغوط تؤدي الى تراجعها. ولمواجهة هذه الاوضاع المستجدة والتكيف معها، لجأ بعض المصارف الخليجية الكبيرة الى تنويع عملياته، فإضافة الى العمليات المصرفية التقليدية الموجهة لخدمة الافراد وتمويل التجارة اصبحت تقدم خدمات جديدة مثل الخدمات المصرفية الاسلامية وخدمات الاستثمار وتمويل المشاريع. وازاء تزايد المنافسة العالمية وبرامج التخصيص التي يجري الاعداد لتنفيذها، فإن الحاجة الى استثمارات هائلة في مجال انظمة المعلومات الجديدة وكذلك ضرورة اتباع اقتصادات زيادة حجم الانتاج والسعي الى اكتساب الخبرات في مجال ادارة المحافظ الاستثمارية الذي يحقق عائدات مجزية، سيفرض على المؤسسات المالية في دول مجلس التعاون الخليجي اللجوء الى الاندماج ما بينها، حتى وان تم ذلك بمعدل ابطأ مما هو عليه الحال في الاسواق الدولية. وسعياً من السلطات المختصة بدول مجلس التعاون الخليجي الى تحقيق التوسع والتكامل الاقليمي المنشودين في القطاعات المصرفية، اتخذت خطوات لتشجيع نمو النشاط المصرفي عبر السماح للمصارف الخليجية بأن تفتح فروعاً في دول اخرى من دول المجلس بخلاف دولة المقر اذا توافر لهذه المصارف حد ادنى معين من رأس المال واقدمية محددة. وكان "بنك الخليج الدولي" أول مصرف يحصل على موافقة لتأسيس وجود تجاري في المملكة العربية السعودية بمقتضى هذه التشريعات الجديدة. ويتعين على ادارات مصارف دول مجلس التعاون الخليجي، وهي تتطلع الى آفاق المستقبل، ان تتخذ مزيداً من الخيارات ازاء نوعية منتجاتها وخدماتها والاسواق التي تخدمها لتحدد ما اذا كان بمقدورها ان تحتل مركزاً طليعياً في الاسواق في السنوات المقبلة، لان الحجم الجغرافي المحدود للاقليم والتنافس الحاد المتوقع من المصارف الدولية ذات الرسملة العالية قد يفرض ضغوطاً على دخول المصارف الخليجية، مما قد يؤدي في المدى البعيد الى اقصاء المنافسين الاقل قدرة على تحقيق النجاح. وعلى رغم ان تحرير الخدمات المالية بدول مجلس التعاون الخليجي قد تكون له في بداية الامر بعض الآثار السلبية على القطاعات المالية بالمنطقة، الا انه له مردوداته الايجابية على المدى البعيد. ويمكن تحديد ثلاث على الاقل من هذه الميزات: اولاً المنافع العائدة من تحسن السياسات الاقتصادية العامة، وتتضمن هذه المنافع اعادة توزيع الموارد الاقتصادية مع اعطاء اولوية للقطاعات المنتجة، وتوافر الحافز لزيادة معدلات الادخار والاستثمار وما لذلك من تأثير ايجابي على الدخل والنمو الاقتصادي، وفرض ضغوط على حكومات دول المنطقة لاتباع سياسات نقدية تتم بقدر اكبر من الحكمة. ثانياً، هناك الكثير من المؤشرات الذي يدعو الى الاعتقاد بأن تحرير الخدمات المالية سيؤدي الى تحسين اداء الوساطة المالية ويعزز التوزيع القطاعي الفاعل للموارد ويتيح للمؤسسات المالية في دول المجلس الاستفادة من مزايا اقتصادات زيادة حجم الانتاج وان تتخصص وفقاً لمزاياها التنافسية. وترتبط الميزة الثالثة بمستهلكي الخدمات المالية، اذ ان المنافسة القادمة من المؤسسات المالية الدولية الى حلبة الاسواق المصرفية المحلية ستؤدي على الارجح الى رفع مستوى استجابة المصارف المحلية لمتطلبات عملائها، موفرة لهم مزيداً من النصح والمشورة حول محافظهم الاستثمارية ومخفضة كلفة تمويلهم. اوضاع القطاعات المصرفية اصول وحقوق المساهمين: عام 1997 بلغت نسبة اصول المصارف الخليجية الى الناتج المحلي الاجمالي 94 في المئة، منخفضة من مستوى 98 في المئة قبل ثلاث سنوات من ذلك التاريخ. ويعود هذا التراجع النسبي الى سرعة معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي مقارنة بمعدل نمو الاصول خلال تلك الفترة، اذ نما الاول بمعدل 7.7 في المئة سنوياً بينما سجلت الاصول معدل نمو 4.6 في المئة سنوياً خلال الفترة نفسها. وعند المقارنة بدول اخرى، نجد ان هذه النسبة اقل من تلك المسجلة بالنسبة الى المصارف اليابانية 167 في المئة، والمصارف البريطانية 390 في المئة، ولكنها تزيد عن نظيرتها المسجلة في مصارف الولاياتالمتحدة 90 في المئة. وعادة ما تكون اصول المصارف في الدول النامية اقل بكثير من الناتج المحلي الاجمالي مما يشير الى وجود اقتصاد غير رسمي كبير الحجم لا تتوافر لديه وسيلة للوصول والافادة من التمويل الرسمي. وفي نهاية عام 1997 بلغت القيمة الاجمالية لاصول مصارف دول مجلس التعاون الخليجي 3.241 بليون دولار، مرتفعة بنسبة 3.7 في المئة عن مستواها قبل عام من ذلك. وكانت اصول المصارف السعودية الاكبر من بين نظيراتها الخليجية، اذ بلغت 9.102 بليون عام 1997 مشكلة نحو 43 في المئة من الاجمالي لدول المجلس. وجاءت المصارف الكويتية في المرتبة الثانية 8.41 بليون دولار، تليها مصارف دولة الامارات العربية المتحدة 5.37 بليون دولار، فمصارف الاوفشور بالبحرين 3.36 بليون دولار، فالمصارف القطرية تسعة بلايين دولار، ثم المصارف العمانية 4.7 بليون دولار، فمصارف البحرين الداخلية 6.6 بليون دولار. ونمت الاصول الاجمالية للمصارف الخليجية بمعدل 4.6 في المئة سنوياً في الفترة من عام 1994 الى عام 1997، وسجلت المصارف العمانية اعلى نسبة نمو 3.27 في المئة، تليها مصارف دولة الامارات العربية المتحدة 3.9 في المئة، ومصارف الاوفشور بالبحرين 1.8 في المئة، ثم المصارف القطرية ثمانية في المئة، بينما سجلت المصارف السعودية معدل 1.5 في المئة، ومصارف البحرين الداخلية معدل 8.4 في المئة، والمصارف الكويتية معدل 5.4 في المئة خلال الفترة نفسها. ومع نمو حقوق المساهمين بمصارف دول مجلس التعاون الخليجي بمعدل 6.7 في المئة سنوياً بين عامي 1994 و1997 لتصل الى 4.26 بليون دولار، ارتفعت نسبة حقوق المساهمين الى الاصول في مصارف المنطقة من 6.10 في المئة عام 1994 الى 11 في المئة عام 1997، مما يشير الى مستوى مقبول بالمعايير العالمية من كفاءة رأس المال. وخلال تلك الفترة سجلت المصارف العمانية اعلى نسبة نمو في رأس المال المساهم 33 في المئة، تليها مصارف دولة الامارات العربية المتحدة 4.11 في المئة، ثم المصارف القطرية 8.9 في المئة، فالمصارف الكويتية 2.8 في المئة، فمصارف البحرين الداخلية 4.6 في المئة، فمصارف الاوفشور بالبحرين 8.5 في المئة، ثم المصارف السعودية خمسة في المئة.وشكل رأس المال المساهم بالمصارف السعودية نحو 6.40 في المئة من اجمالي رأس المال المساهم بالمنطقة ككل، تليها بنوك دولة الامارات العربية المتحدة 4.17 في المئة، فبنوك الاوفشور بالبحرين 13 في المئة، ثم المصارف القطرية 4.4 في المئة، فمصارف عمان ومصارف البحرين الداخلية ثلاثة في المئة لكل منهما. سجلت مصارف دول مجلس التعاون الخليجي نمواً بمعدل 5.16 في المئة في صافي الدخل بين عامي 1996 و1997، وفي نهاية عام 1997 كادت ان تبلغ ضعف حجمها السابق اذ وصلت الى 12.4 بليون ريال. وخلال تلك الفترة سجلت المصارف العمالية اعلى نسبة نمو في صافي الدخل 44 في المئة، تليها مصارف البحرين الداخلية 5.22 في المئة، فالمصارف الكويتية 25 في المئة، فمصارف دولة الامارات العربية المتحدة 20 في المئة، ثم المصارف القطرية 5.13 في المئة، فمصارف الاوفشور بالبحرين 5.11 في المئة، ثم المصارف السعودية 11 في المئة. بيد اننا اذا نظرنا الى الارباح بالارقام المطلقة، نجد ان ارباح المصارف السعودية بلغت 76.1 بليون دولار نهاية عام 1997 مشكلة نحو 43 في المئة من الاجمالي لدول المجلس ومحتلة المرتبة الاولى، بينما جاءت مصارف دولة الامارات العربية المتحدة في المرتبة الثانية بمستوى 814 مليون دولار، تليها مصارف الكويت مسجلة 726 مليون دولار. وارتفع العائد على رأس المال لمصارف دول مجلس التعاون الخليجي ككل من 3.12 في المئة عام 1994 الى 6.13 في المئة عام 1997. وتحقق التحسن الملحوظ في ربحية المصارف الخليجية كنتيجة مباشرة للتحسن في الدخل الصافي من اسعار الفائدة الذي شكل نحو 76 في المئة 2 بليون دولار من صافي الدخل عام 1994، وقفزت هذه النسبة عام 1997 الى 83 في المئة 4.3 بليون دولار. وعام 1997 سجلت المصارف العمانية اعلى عائد على رأس المال 21 في المئة، تليها مصارف البحرين الداخلية 20 في المئة، فالمصارف السعودية 4.16 في المئة، فمصارف دولة الامارات العربية المتحدة 2.16 في المئة، فالمصارف الكويتية 8.15 في المئة، ثم المصارف القطرية 8.13 في المئة، ثم مصارف الاوفشور بالبحرين عشرة في المئة. وتشير مؤشرات اخرى الى دلائل مماثلة على تحسن ربحية مصارف دول مجلس التعاون الخليجي إذ ارتفع العائد على الاصول من 3.1 في المئة في عام 1994 الى 7.1 في المئة عام 1997، وسجلت مصارف البحرين الداخلية اعلى عائد على الاصول بلغ 4.2 في المئة، تليها البنوك العمانية 3.2 في المئة فمصارف دولة الامارات العربية المتحدة 2.2 في المئة. وخلال الفترة نفسها اظهرت مصارف البحرين الداخلية والمصارف العمانية افضل تحسن من حيث الربحية والاداء العام، ففي كلا البلدين سجلت المصارف اعلى معدل نمو في الارباح، كما حققت اعلى عائد على رأس المال وعائد على الاصول نهاية عام 1997. وتتكون المجموعة الثانية في الترتيب من حيث الاداء من مصارف دولة الامارات العربية المتحدةوالكويت التي سجلت معدل نمو جيداً في صافي الدخل والعائد على رأس المال والعائد على الاصول يزيد عن المتوسط. اما المجموعة الثالثة فتتكون من مصارف المملكة العربية السعودية ومصارف الاوفشور بالبحرين والمصارف القطرية التي سجلت معدلات نمو متوسطة في صافي الدخل، والعائد على رأس المال والعائد على الاصول بمستوى المتوسط او اقل منه. عام 1997 بلغ اجمالي القروض المقدمة من مصارف دول مجلس التعاون الخليجي 117.2 بليون دولار، مرتفعاً بنسبة 12.6 في المئة عن مستواه السنة السابقة التي لم يتجاوز نموه فيها معدل 4.7 في المئة مقارنة بالسنة الأسبق. وخلال الفترة نفسها بلغ اجمالي الودائع في مصارف المنطقة 146.7 بليون دولار، محققة زيادة بنسبة 52. في المئة عن مستواها عام 1996. وبذا بلغت نسبة القروض الى الودائع 79.9 في المئة. وكانت اعلى نسبة قروض الى الودائع عام 1997 سُجلت في المصارف العمانية 101.2 في المئة تليها المصارف القطرية 87.5 في المئة فمصارف دولة الامارات العربية المتحدة 69.9 في المئة، في حين بلغ متوسط هذه النسبة في المصارف السعودية 66 في المئة. وبالنظر الى متوسط نسبة القروض الى الودائع في مصارف البلدان المتقدمة نجد انها قد بلغت نهاية عام 1997 في اليابان 88 في المئة تقريباً، وفي المصارف الألمانية 83 في المئة، وفي مصارف المملكة المتحدة 65 في المئة. * كبير الاقتصاديين - البنك الاهلي التجاري.