سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الآفاق الاقتصادية لدول مجلس التعاون . ارتفاع سعر النفط والسياسات الاقتصادية المناسبة يقلص عجز الموازنات ومتابعة دعم القطاع العام يكفل تحقيق نجاحات جديدة في الخليج 3 من 3
استعرض الكاتب في حلقتين سابقتين الآثار المحتملة لازمة جنوب شرق وشرق آسيا على دول مجلس التعاون الخليجي، واعطى صورة عن طبيعة وآفاق اقتصادات الدول الخليجية، وينهي هنا الدراسة بتوصيات لضمان استمرار النمو الاقتصادي في المنطقة بعد عرض الاوضاع الاقتصادية في سلطنة عمانوالبحرين. يُقدر معدل نمو الاقتصاد العماني بحوالى 9 في المئة في عام 1997، وهي ثاني أعلى معدل للنمو في دول المنطقة بعد قطر، كما يُقدر ان يكون الناتج المحلي الاجمالي لعُمان وصل الى 16.7 بليون دولار العام الماضي. وجاء معدل النمو هذا عقب نمو بمعدل 7،10 في المئة في عام 1996 و8.5 في المئة في عام 1994. ويستمد هذا النمو الكبير قوته من ارتفاع اسعار النفط ومستويات انتاجه في بلد يشكل النفط 41 في المئة من ناتجه المحلي الاجمالي. وارتفع متوسط انتاج النفط الخام من 700 ألف برميل يومياً في عام 1994 الى 900 ألف برميل يومياً في عام 1997، وينتظر ان يصل الى 915 ألف برميل يومياً في عام 1998. أيضاً كان للتفاؤل السائد في خصوص الآفاق المستقبلية وللازدهار العام في نشاطات القطاع الخاص اسهامه في تحقيق معدل نمو قوي، وانعكس ذلك على أداء سوق مسقط للأسهم والأوراق المالية فارتفع مؤشرها بنسبة 141 في المئة السنة الماضية بعدما حقق زيادة بنسبة 26 في المئة في عام 1996. وقد اعلنت الحكومة العُمانية ان عام 1998 سيكون عام القطاع الخاص، لذا من الطبيعي ان يكون احد اكبر مشاريع الانشاء هو مشروع بناء محطة صلالة الخاصة للطاقة الكهربائية والتي ستقوم ببنائها شركة خاصة تتولى ايضاً مهمة نقل وتوزيع الطاقة في منطقة صلالة. ايضاً ينتظر ان يمضي العمل قدماً هذا العام في مشروع تطوير نظام خاص للصرف الصحي في مسقط. وستوفر الصناعة افضل فرص الاعمال بعد مشاريع البنية التحتية التي ينفذها القطاع الخاص، ومن اكبر هذه المشاريع الصناعية مشروع انشاء مصنع سماد في سور بكلفة 1،1 بليون دولار. ولا يزال هناك عدد من المشاريع الصناعية الكبيرة في مرحلة التصميم والدراسة ولا ينتظر ان يبدأ العمل في تنفيذها قريباً. وأكملت شركة النفط البريطانية للكيماويات دراسة جدوى لإنشاء مجمع بتروكيماويات بكلفة 1.3 بليون دولار وهي في انتظار سماع رد الحكومة العُمانية. ويتوقع ان يرتفع عجز الميزانية العُمانية لعام 1998 بحوالى 11 في المئة ليصل الى 767 مليون دولار بسبب تزايد الانفاق العام وانخفاض عائدات النفط، وتقدر الايرادات في ضوء الأرقام المعلن عنها حالياً بحوالى 2.01 بليون ريال عماني 5.231 بليون دولار. اما عائدات النفط التي تشكل 74 في المئة من اجمالي الايرادات، فيتوقع ان تكون 3.892 بليون دولار مقارنة ب 3.905 مليون دولار في السنة الماضية، على افتراض بلوغ متوسط سعر النفط 15 دولاراً للبرميل. ويتوقع للانفاق ان يزيد على مستواه في عام 1997 الذي كان 2.266 بليون ريال 5.891 بليون دولار، على ان يتجه معظمه الى قطاع الخدمات العامة. وكان عجز موازنة سلطنة عُمان للعام الماضي قدر بنحو 683.8 مليون دولار، بينما كان 650 مليون دولار في عام 1996، و1.24 بليون دولار في عام 1995. وانخفضت نسبة عجز الموازنة العُمانية الى الناتج المحلي الاجمالي من 16.3 في المئة في عام 1995 الى 4.1 في المئة في عام 1997. وتحاول عُمان تنويع مواردها الاقتصادية لتخفف من اعتمادها على عائد الصادرات النفطية. ومن المأمول ان يكتمل تنفيذ مشروع لانتاج الغاز الطبيعي المسال في عام 2000، مما سيؤدي الى زيادة عائدات البلاد من الهيدروكربونات بنحو 18في المئة. ويشكل الغاز الطبيعي حالياً اقل من نسبة واحد في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، ويتوقع ان تصل هذه النسبة الى 15 في المئة بحلول عام 2002. ولا تزال الاوضاع الاقتصادية العُمانية جيدة على نحو عام، غير ان نمو الناتج المحلي الاجمالي لعام 1998 يتوقع له ان يتراجع الى حوالى 3 في المئة بسبب التدني المتوقع في اسعار النفط هذا العام. البحرين سجل الاقتصاد البحريني نمواً بالاسعار الجارية بمعدل 6.1 في المئة في عام 1996، مقارنة بمعدل 4 في المئة في عام 1995. ويعد اقتصاد البحرين الاصغر حجماً بين اقتصادات دول الخليج، اذ بلغ الناتج المحلي الاجمالي 5.6 بليون دولار في عام 1997، ويُقدر معدل النمو الاقتصادي لعام 1997 بنحو 4.5 في المئة ولا يزال معدل التضخم عند مستوى منخفض لا يتجاوز 2 في المئة. والبحرين ليست عضواً في منظمة اوبك، الا ان اقتصادها، كغيره من الاقتصادات الخليجية، لا يزال يعتمد على النفط الذي شكّل 20 في المئة من ناتجها المحلي الاجمالي، ونحو 60 في المئة من ايرادات الحكومة البحرينية في عام 1997. وتنتج البحرين 40 ألف برميل يومياً من حقول نفطها، هذا اضافة الى ان المملكة العربية السعودية منحت البحرين الحق لاستغلال كامل انتاج حقل ابو صفا الذي يصل الى 140 ألف برميل يومياً. وتتميز القاعدة الصناعية لدولة البحرين بأنها متنوعة، وقد اضيفت اليها مشاريع جديدة بدأت انتاجها في عام 1997 في مجالات الالمنيوم والبتروكيماويات والغاز، مما دعم التوجه نحو تقليل اعتماد البلاد على النفط. ويتوقع لنمو الاقتصاد البحريني ان يتباطأ الى معدل 2 في المئة في عام 1998، ويعود ذلك اساساً للتراجع المتوقع في اسعار النفط والحديد هذا العام. ومن المنتظر ان يكون أداء قطاعات الخدمات جيداً خصوصاً البنوك والسياحة والملاحة والتأمين، في حين ان القطاعات الاخرى مثل تجارة التجزئة والعقار قد تبقى عند معدلات نمو منخفضة هذا العام. وأسهم تحسن الاوضاع الاقتصادية في تخفيف الضغوط التي بدأت عام 1996 وتأمل الحكومة البحرينية ان يؤدي ارتفاع معدل النمو الاقتصادي وزيادة فرص العمل للبحرينيين الى القضاء على المشاكل الداخلية التي واجهتها البلاد مؤخراً. وسيحتفظ الالمنيوم بمكانته كصناعة جوهرية لاستراتيجية التوسع في النشاطات التصديرية من خلال مشاريع تصنيع المعدن كمنتج نهائي. وايضاً تبذل جهود على صعيد تنويع الموارد الاقتصادية من خلال ترويج المشاريع الصناعية متوسطة الحجم. وتعتبر البحرين المركز المالي الاول في المنطقة، وتنافس امارة دُبي كمركز سياحي ومركز للمؤتمرات والخدمات. وسيمضي العمل قُدماً في مشروعين صناعيين كبيرين خلال عام 1998، اولهما عقد الانشاء الذي يجري وضع اللمسات النهائية عليه لتشييد مصنع حديد اسفنجي بكلفة 290 مليون دولار باشراف مجموعة "اسبات" الهندية ويتوقع ان ينطوي على عدد كبير من العقود الجانبية الباطنة الصغيرة، وثانيهما العقد الذي أبرمته شركة الومنيوم البحرين بمبلغ 400 مليون دولار لانشاء مصنع لتكليس فحم الكوك وتجهيزات لمعالجة الالمنيوم وهو ايضاً مشروع سينتج عنه العديد من العقود الاصغر حجماً. ولأول مرة منذ 11 عاماً حققت حكومة البحرين فائضاً في الموازنة بلغ 15.9 مليون دولار في عام 1996، بيد ان هذا الفائض تحول الى عجز في عام 1997. كما سجلت البحرين فائضاً في الميزان التجاري والحساب الجاري في عامي 1995 و1996، ويعزى ذلك اساساً للزيادة الكبيرة في صادرات النفط، غير ان هذه الفوائض يرجح ان تتناقص في عامي 1997 و1998. خلاصة وتوصيات نجحت دول مجلس التعاون الخليجي خلال السنوات القليلة الماضية في خفض عجوزات الموازنات، والابقاء على معدلات التضخم متدنية، وتعزيز موازين المدفوعات الخارجية، ويعود الفضل في ذلك لارتفاع اسعار النفط. ايضاً لتبني معظم دول مجلس التعاون الخليجي استراتيجيات ترمي لاعطاء قوة دفع للاصلاحات في القطاعات المالية، وزيادة الجهود المبذولة على صعيد تخصيص بعض منشآت القطاع العام وتطوير الاطر التشريعية. وجاءت هذه التطورات مصحوبة بوجود احتياط اجنبي جيد ومديونية خارجية منخفضة، مما يضع دول مجلس التعاون الخليجي في مركز قوي يساعدها على مجابهة التحديات الاقتصادية والمالية القادمة. وفي حين ان ما تم انتهاجه من اجراءات خلال السنوات القليلة الماضية له اهميته في معالجة اختلال التوازن في الميزانين الخارجي والداخلي، إلا ان هذه الاجراءات ركزت على تقليص الانفاق على المشاريع بدلاً من خفض النفقات الجارية مثل الاجور والرواتب للعاملين في القطاع العام، وخدمة الدين الحكومي، ومخصصات الانفاق العسكري، والعديد من فئات الاستهلاك غير المنتج. وانخفضت مخصصات موازنات الانفاق الرأسمالي على المشاريع كنسبة مئوية من الناتج المحلي الاجمالي من متوسط 24 في المئة في الفترة من 1981 الى 1985 الى متوسط 7 في المئة في الفترة من 1995 الى 1997، في حين ارتفعت النفقات الجارية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الاجمالي من معدل 24 في المئة الى معدل 39 في المئة للفترات نفسها على التوالي. غير ان خفض مخصصات الانفاق على المشاريع في الموازنات من دون ان يكون مصحوباً ببرنامج شامل للتصحيح الاقتصادي والتكيف الهيكلي قد يؤدي الى الحد من امكانات النمو في المستقبل. ويسود منطقة الخليج حالياً اقرار متزايد بضرورة تطبيق قدر اكبر من الانضباط المالي من أجل تقليل الاعتماد على ايرادات النفط المتقلبة، ووضع حد لتزايد حجم الدين الداخلي، وتأمين الاستقرار للاقتصاد، وترسيخ الثقة في النظام المالي المحلي. وفي ضوء هذه الاعتبارات وضعت العديد من دول مجلس التعاون الخليجي نصب اعينها هدف الوصول الى موازنات متوازنة بحلول عام 2000. وتتطلب السياسات الاصلاحية المقترحة من حكومات الدول الخليجية ان تلعب دور العامل المحفز لمشاركة اكبر من جانب القطاع الخاص في عملية التنمية الاقتصادية عن طريق تهيئة البيئة الاقتصادية العامة التي تتسم بالاستقرار وتوفير الاطر القانونية والهيكلية والتنظيمية الملائمة لهذا الغرض، فرأس المال الخاص يتجه دوماً الى الدول التي لديها مجموعة قوانين استثمارية واضحة ونظام تشريعي وقضائي فعال وجدير بالثقة. ولا بد من ان يتم تطبيق الاستراتيجيات الجديدة بأكملها وكوحدة متكاملة، وليس بطريقة انتقائية لقسم منها، نظراً لترابط كل اجزائها. ومن المفروغ منه انه لا يمكن تطبيق كل الاصلاحات في وقت واحد، انما سيتطلب الامر ما بين ثلاث وخمس سنوات. ويتعين على حكومات الدول الخليجية ان تعجل وتيرة تنفيذها لعمليات التخصيص، وتطبيق السياسات التي تفضي لاكساب الاسواق المالية المزيد من العمق ولتحرير التجارة. كما يجب ان تتوافر لدى هذه الحكومات الارادة اللازمة لدفع شركات القطاع العام لأن تتخلص من فائض العمالة لديها وتزيل المعوقات البيروقراطية التي تثقل كاهلها. ومن الضروريات اللازمة لتنشيط اسواق رأس المال ولتحسين المناخ الاستثماري بالمنطقة على نحو عام استحداث الجديد من الادوات المالية وطرح اصدارات جديدة من اسهم الشركات والمؤسسات للاكتتاب العام.ويتوجب على حكومات الدول الخليجية ان تستمر في اتباع ما انتهجته من خطط واستراتيجيات للتكيف الهيكلي والاصلاح الاقتصادي بغض النظر عن التطورات التي تطرأ في مجال اسعار النفط. واذا تسنى لأسعار النفط ان ترتفع كما حدث خلال السنتين الماضيتين، فإن ذلك سيفسح المجال للمناورة والتحرك امام صانعي القرار بالمنطقة. وعلى أي حال، يجب ألا تؤدي الزيادة في اسعار النفط الى التراجع عن سياسات الاصلاح المقررة، فان التوقف عن هذا النهج سوف يكون دون شك دليلاً على عدم المصداقية وسيرسل اشارة غير مشجعة للقطاع الخاص، فالمشاكل الهيكلية التي يواجهها بعض دول المنطقة سواء من ناحية تقليص الانفاق الحكومي والقضاء على الاسراف الاستهلاكي والهدر، وإنشاء شركات قادرة على البقاء والمنافسة من دون دعم حكومي، ورفع الانتاجية وزيادة مشاركة القطاع الخاص، مع غيرها من الامور، لا يمكن ان تتحقق لمجرد حدوث طفرة في العوائد النفطية. واذا تم تعليق الاصلاحات التي ادخلت، فان المنطقة سوف تفقد ما اكتسبته عملية التغير من زخم اصبح ملموساً وواضحاً في الآونة الاخيرة. * رئيس الدائرة الاقتصادية البنك الاهلي التجاري، جدة