جاء انتصار حزب شاس الاصولي الشرقي في الانتخابات الاسرائيلية لتؤكد مجدداً التغيير الجذري الذي يمرّ به المجتمع الاسرائيلي عموماً باتجاه المزيد من الاستقطاب الديني - العلماني والشرقي - الغربي وليجزم بأهمية هذا الحزب ومحورية دوره في تمثيل اليهود الشرقيين الذين يشكلون نحو نصف السكان اليهود. وبغض النظر عن التفسير السوسيولوجي - السياسي، هنالك اجماع بين المعلّقين والمراقبين على اهمية القفزة التي حققها الحزب في شعبيته وفي مستوى تمثيله البرلماني من 10 الى 17 نائباً اي بارتفاع نحو 70 في المئة عن انتخابات 1996، وتأثير ذلك على خارطة التحالفات الحكومية وعلى الكنيست البرلمان المقبلة. لقد اصبح شاس الناطق الاهم بلسان اليهود من اصل شرقي، خصوصاً بين الجيل الثاني وفي فئات الطبقات المتوسطة والفقيرة. وجاء النصر لشاس بعدما حددت قيادة الحزب السياسية والروحية شعارات الحملة الانتخابية بصورة تعبّر عن الاغتراب السياسي والاجتماعي لهذه الشريحة في الدولة وتشير بأصبع الاتهام الى مجمل المؤسسة الاشكنازية والعلمانية، السياسية والقضائية. لقد استغلت قيادة "شاس" قرار المحكمة ادانة زعيمها ارييه درعي بتهمة الرشوة حين كان وزيراً للداخلية، لتلهب مشاعر الشرقيين على خلفية التمييز والدونية في التعامل معهم، ولتتهم المؤسسة الاشكنازية باختلاق التهم ضد القائد الشرقي ومحاكمته باسلوب محاكمة النازيين في اسرائيل. وخرج درعي بنفسه في الحملة الدعائية التلفزيونية بصيغة "اني اتهم"، ليدّعي ان محاكمته "كانت اشبه بمحاكمة دوميانيوك… النازي". واستفادت قيادة الحزب من الحملة الشعواء التي خاضها طومي لبيد زعيم حزب شينوي الاشكنازي العلماني اليميني وكذلك حزب ميريتس الاشكنازي العلماني الليبرالي على شاس وزعمائها، لتذكّر الشرقيين المحافظين والمتدينين انهم ما زالوا في قفص الاتهام وان عليهم الاتحاد وراء شاس للدفاع عن حقوقهم وصد الهجمة الاشكنازية عليهم. كل هذا مكّن شاس من حصد اصوات المقترعين والتأهل كحركة لأن تكون واحدة من الاحزاب الثلاثة الكبرى في البلاد. لقد اعطى اكثر من 400 ألف اسرائيلي اصواتهم لشاس في صناديق الاقتراع، وهم في غالبيتهم الساحقة صوتوا، ولو بقرار متأخر من قيادة الحزب، لمرشح اليمين بنيامين نتانياهو. وانعكس هذا الامر بانخفاض هائل في تمثيل ليكود في الكنيست اذ هبط من 32 عضواً الى 19 عضواً فقط. وهذا بحدّ ذاته استمرار لتآكل شعبية ليكود لصالح شاس من اواسط الثمانينات ومع تشكيل هذا الحزب. وعلى حد ما جاء في التقارير الرسمية، فان شعبية شاس في صناديق الاقتراع توزعت على انحاء البلاد حيث ضاعف الحزب قوته في مدن التطوير والمدن المتوسطة والاحياء الفقيرة والقرى التعاونية. وعلى سبيل المثال شهد الحزب ارتفاعاً في الاصوات مقارنة بالسنة الماضية وصل الى 104 في المئة في برخيه و139 في المئة في بني عوش و124 في المئة في اشكلون على الساحل الجنوبي و106 في المئة في بيسان، وكذلك ارتفعت شعبيته في كريات شمونة ب64 في المئة و30 في المئة في تل ابيب و35 في المئة في هرتسليا و30 في المئة في غفعتايم. لقد جنى التحريض الطائفي والاثني ثماره في صناديق الاقتراع ورفع من شأن هذا الحزب وقيادته بين اليهود الشرقيين، لكنه، في الوقت ذاته، وسّع الهوة السياسية والثقافية مع الاحزاب الاخرى، وجعل من الصعب القيام بائتلاف حكومي مع هذا الحزب الذي وضع نصب عينيه مناكفة القضاء ومحاربة المؤسسة الحاكمة الاشكنازية واستعداء الأحزاب الليبرالية والنخب القديمة. وتعاملت هذه الاخيرة مع ظاهرة شاس بقصر نظر منقطع النظير، ووضعت الاحزاب العلمانية، خصوصاً الليبرالية منها، شاس على اعلى سلم عدواتها بسبب اجندته الاجتماعية المحافظة والاصولية، في حين نجحت الصهيونية الدينية المتزمتة والممثلة بحزب المفدال الديني الاستيطاني في استعداء الاشكنازية العلمانية لها. وصبّت التيارات العلمانية داخل "اسرائيل واحدة" وفي ميريتس اضافة الى تيار شينوي اليميني، جام غضبها على شاس تاركة الصهيونية الدينية تتحرك بحرية وبشرعية وبتقارب مع اليسار العلماني، حتى انه مع نهاية الانتخابات بدت الصهيونية الدينية كشريك شرعي لليسار العلماني في الائتلاف الحكومي. حصل هذا بالرغم من ان المفدال يقف على طرفي نقيض مع تلك التيارات في مسائل السلام والانسحابات وفي تعريف الحدود وهوية الدولة واولوياتها.