نتائج الانتخابات الاسرائيلية ستمكن رئيس الوزراء المنتخب ايهود باراك من التحرك سريعاً لتشكيل حكومة جديدة تتسلم مقاليد الأمور في غضون الأسابيع القليلة المقبلة. وينطلق باراك في سعيه لتشكيل الحكومة الجديدة من حقيقة انه حقق فوزاً واضحاً على منافسه بنيامين نتانياهو بحصوله على 51.5 في المئة من أصوات الناخبين اليهود. وهو يمتاز بهذا على رئيسي الوزراء السابقين اسحق رابين وشمعون بيريز. كذلك فقد حصل على 56 في المئة من مجموع الاصوات اليهودية والعربية، أي ما يزيد ب12 في المئة على ما فاز به نتانياهو. واذا استعرضنا تركيبة القوائم التي تشكل الكنيست، فإن باراك يستطيع تشكيل حكومة تعتمد على النواب اليهود، وتستغني عن كتلة مانعة يشكلها النواب العرب، كما حدث أيام رابين. وهذه نقطة مهمة تسجل لصالح باراك في سعيه لتشكيل حكومته وتمرير سياساته. حكومة أكثرية عادية نظراً لأن باراك لم يعد أحداً بأي حقيبة وزارية أو أي منصب ولم يقيد نفسه بأي ارتباطات تحالفية، فإنه يستطيع اختيار السيناريو الأفضل الذي يرتأيه ويراه مناسباً في محاولته تشكيل حكومة تتمتع بالاستقرار النسبي ولا تتعرض للضغوط التي كانت تواجهها حكومة الأقلية في عهد رابين، أو حكومة نتانياهو. وإذا كان باراك سيجد سهولة أكثر من سابقيه، رابين ونتانياهو، في التحرك لتشكيل الحكومة الجديدة فإنه يقف أمام خيارات ثلاثة كانت ماثلة ايضاً قبل الانتخابات وبغض النظر عمن كان سيفوز فيها. وأول هذه الخيارات حكومة ترتكز الى تحالف اليسار والوسط، وتضم "ميرتس" 9 أعضاء و"الوسط" 6 أعضاء و"شينوي" 6 اعضاء و"يسرائيل بعليا" 7 اعضاء و"حزب العمال" عمير بيرتس وله مقعدان. ويمكن لهذه الاحزاب مشتركة مع "اسرائيل واحدة" 27 عضواً ان تشكل ائتلافاً حكومياً يوحد 57 عضو كنيست. في هذه الحالة يستطيع باراك جذب "المفدال" الحزب الديني الوطني وله خمسة مقاعد الى الائتلاف ليضمن قيام حكومة أكثرية عادية. ولا يستبعد ان يضم اليها حزباً دينياً أصولياً آخر هو "يهدوت هتوراه" وله خمسة مقاعد ايضاً. لكن حركة "ميرتس" الليبرالية العلمانية، وحزب شينوي اليميني العلماني يعارضان ان يشمل التحالف المذكور حزب "يهدوت هتوراه". ويفضلان الاكتفاء ب"المفدال"، على الرغم ان المفدال يتبنى نهجاً سياسياً متشدداً في كل ما يتعلق بالموقف من الاستيطان والانسحاب. الموقف من "شاس" أما الخيار الثاني فيشمل الاحزاب التي شكلت تحالف الخيار الأول، اضافة الى كتلة "شاس" الأصولية والشرقية ولها 17 عضواً. وما من شك في ان "شاس" تشكل ظاهرة خاصة في هذه الانتخابات، وتشكل معضلة كذلك، يواجهها باراك في سعيه لتشكيل أوسع ائتلاف حكومي. فمن المعلوم ان "ميرتس" و"شينوي" يعترضان بشدة على ان يكونا في ائتلاف يضم "شاس"، وذلك على خلفية التصعيد العدائي اثناء الحملة الانتخابية، والتقاطب العلماني - الديني والاشكنازي - الشرقي. ف"ميرتس" و"شينوي" علمانيتان وقادتهما من الاشكناز أصول أوروبية، فيما "شاس" أصولية دينية تمثل السفراديم، اليهود من أصل شرقي. وكان التصعيد العدائي بين هذه الكتل اشتد قبل ادانة رئيس حركة "شاس" الحاخام والنائب ارييه درعي بالفساد والرشوة وبعده. لكن باراك يدرك ما ل"شاس" من اهمية في كل محاولة سيقوم بها لتوحيد الشعب اليهودي، كما كان يؤكد اثناء الحملة الانتخابية وبعد ظهور نتائج الانتخابات. ف"شاس" اليوم أحد الأحزاب الثلاثة الكبيرة، مع "العمل" و"ليكود"، ولم يعد حزباً ملحقاً بل قوة سياسية مؤثرة ترتكز الى قاعدة شعبية واسعة من اليهود الشرقيين. وإذا كان باراك سيجد نفسه مضطراً الى الحسم بين "شاس" و"شينوي"، فإنه من دون شك سيميل الى "شاس" ولو في وقت لاحق. واستقالة درعي من عضوية الكنيست ستساعد باراك في اتخاذ الخطوة نحو قبول "شاس" في الائتلاف، وليس بالضرورة من اللحظة الأولى. اما "ميرتس" فلا يستبعد ان يلجأ باراك الى الضغط عليها كي تقبل بانضمام "شاس" الى الائتلاف الحكومي بعد استقالة درعي واعطاء حقيبة وزارة الداخية لعضو من حزب "اسرائيل واحدة" حزب العمل وبهذا ينزع ايضاً فتيل الخلاف على هذه الوزارة بين "شاس" و"يسرائيل بعليا". وسيوكل باراك، كما يشير مقربوه، لكل من شلومو بن عامي وحاييم رامون ويوسي بيلين مهمة اقناع قيادة "ميرتس" وتليين موقفها. و"شاس" في نظر قيادة "ميرتس" أقل تشدداً من الناحية السياسية، ووجودها داخل الائتلاف الواسع سيسهل على باراك وحكومته الشروع في تحريك العملية السياسية استعداداً لمفاوضات الحل الدائم على المسارات المختلفة، الفلسطيني والسوري واللبناني. في نظر باراك، فإن وجود "شاس" داخل الائتلاف الحاكم يعزز الاتجاه "الحمائمي" ويقلص من فرص "المفدال" في الضغط للحد من حركة العملية السياسية. ووجود "شاس" يشكل مدخلاً لباراك الى الأوساط اليهودية الشرقية الشعبية، التي حجبت في غالبيتها الاصوات عنه في انتخابات الرئاسة، اذ ان ما يقرب من 90 في المئة من اليهود الشرقيين صوتوا لنتانياهو، ولم يزد ما حصل عليه باراك من أصواتهم عن 10 في المئة. "ليكود" والخيار الثالث ويشمل الخيار الثالث احتمال انضمام "ليكود" الى حكومة "وحدة وطنية" برئاسة باراك. ويعزز الدفع نحو هذا الخيار قناعة باراك بضرورة استيعاب "ليكود" المهزوم انتخابياً والمأزوم تنظيمياً والذي يعاني من فراغ في القيادة بعد استقالة نتانياهو. ويدرك باراك انه ما لم يقم بهذه الخطوة سريعاً فإن عناصر قوية في قيادة "ليكود"، وان لم تنشط في الانتخابات مثل رئيس البلدية الاسرائيلية للقدس ايهود اولمرت، تنتظر الفرصة السانحة الآن للمنافسة على الموقع الأول في قيادة "ليكود" تمهيداً لترميم هذا الحزب واستعادة قوته السياسية والتمثيلية بعد تلخيص تجربة نتانياهو والتخلص مما اعترى عمل قيادة التكتل ونشاطها من انقسامات وصراعات أدت الى التسريع في هزيمته. كما ان باراك يدرك ان ائتلافاً يضم "ليكود"، وليس بالضرورة منذ اللحظة الأولى لتشكيل الائتلاف ايضاً كما هو الحال مع "شاس" سيمكنه من التحرك السريع والسهل لمواجهة متطلبات الحل الدائم. في مثل هذه الحالة سينطلق باراك في تعامله التفاوضي مع الحل الدائم ومع ما تبقى من اتفاق واي ريفر مرتكزاً الى تأييد شعبي وسياسي واسع في اسرائيل، يمكنه من مواجهة أي ضغط اميركي أو دولي أو عربي محتمل بطريقة انجع. أي انه يستطيع التفاوض ومعه شبه اجماع سياسي وشعبي يهودي. وهذا الخيار الثالث هو الاسوأ والأخطر فلسطينياً وعربياً لأنه يقوي باراك في مواجهة اي ضغوط خارجية ويحرره من ضغوط داخلية جدية. أما لدى العرب في اسرائيل، فإن هذه الخيارات ستدفع التمثيل العربي في الكنيست الى خارج حيز التأثير. وباراك في الواقع ليس في حاجة الى أصوات النواب العرب، نظراً لتركيبة القوائم الحالية في الكنيست وانعدام الحاجة الى كتلة مانعة، ونظراً ايضاً لأنه ضمن حتى قبل الانتخابات قائمتين عربيتين في جيبه: "الجبهة" و"الموحدة" اللتين ستبقيان في جيبه كما يبدو للاستخدام في الأزمات.