بعد مرور ثماني سنوات على بدء محاكمة آرييه درعي، الزعيم السياسي لحركة "شاس" الاصولية الشرقية، جاء قرار ادانته في قضية رشوة ليعمق الفجوة الثقافية والاثنية بين هذه الشريحة من الشرقيين والتقليديين مقابل العلمانيين والأشكنازيين الذين تتهمهم "شاس" بالهيمنة على القضاء والاعلام واستعداء الشرقيين وحزب "شاس" خصوصاً. ولم يقلل من استياء هؤلاء ان ثلاثة من الأربعة المدانين هم من الاشكناز الغربيين، وان اثنين من القضاة الثلاثة شرقيان. وتجاهل مؤيدو "شاس" تفاصيل الادانة وأسبابها، معتبرين ان مجرد ملاحقة درعي على مدى ثماني سنوات جزء من حملة مؤسسية موجهة ضد هذا التيار السياسي والاجتماعي المتنامي بسرعة كبيرة داخل المجتمع الاسرائيلي الذي هدد منذ تأسيسه على مدى الخمسة عشرة سنة الماضية أركان الحزبين الكبيرين بين الاكثرية السفاردية في اسرائيل. لكن الزعامة الروحية والسياسية لپ"شاس" اعتبرت قرار الادانة بمثابة المبرر الأفضل والأهم لمضاعفة جهودها في الانتخابات خصوصاً ان الهوة الاقتصادية بين الشرقيين والغربيين ما زالت كبيرة. واعتبرت هذه القيادة ان دخول حزب "غيشر" الشرقي بقيادة ديفيد ليفي في قائمة "اسرائيل واحدة" بقيادة حزب العمل سيزيد تأييدها بين شرائح الناخبين التقليديين من الشرقيين. ولكن بالمقابل يقال ان الزعيم الروحي لپ"شاس" عوفاديا يوسف وتلميذه آريه درعي القائد السياسي قلقان من ازدياد التطرف داخل "شاس"، وكذلك من استغلال الحزب الوطني الديني "المفدال" هذه الازمة لجذب عدد كبير من اصوات "شاس" لمصلحته في انتخابات 17 ايار مايو المقبل. ويقال عن درعي انه لام اكثر من مرة قيادة حزب العمل لدفعها جماهير "شاس" نحو اليمين والى احضان بنيامين نتانياهو، بدلاً من ان تكون بيضة القبان بين الحزبين الكبيرين. ويعتبر درعي قائداً معتدلاً ومنفتحاً قياساً على القياديين الآخرين في حزبه امثال وزير الداخلية ايلي سويسا، الذي يقف على يمين ليكود من حيث سياسة التهويد والتمييز ضد العرب. وعلاقة درعي الوثيقة بالزعيم الروحي يوسف ستواجه هي الاخرى ضغوطاً داخل الحزب. ويعتبر يوسف ايضاً معتدلاً قياساً على زعيم "المفدال" الروحي مردخاي الياهو، الذي يطالب بضم الضفة الغربية الى اسرائيل. وإذا ما استمر هذا الاستقطاب الإثني والثقافي واستأنف درعي الحكم ضده امام المحكمة العليا، فان التطرف نحو اليمين داخل "شاس" سيصبح امراً ليس محل جدل ما سيساعد نتانياهو و"المفدال"، ويقوي تحالف اليمين العلماني مع الاحزاب الاصولية، ويغلق الباب امام اي تحالفات بين "شاس" والوسط الصهيوني او قائمة "اسرائيل واحدة" بقيادة ايهود باراك. وإذ كان مؤيدو "شاس" اعطوا 15 في المئة من اصواتهم في الانتخابات الماضية لرئيس الوزراء السابق شمعون بيريز بعد مباركة الحاخام كدوري القريب من "شاس"، فإن هذه النسبة ستخفض باتجاه الصفر هذه المرة مع دخول اسحاق موردخاي الانتخابات. وعلى رغم ان غوفاديا يوسف رفض مباركة نتانياهو في العام 1996 ويرفض حتى اليوم مباركته او دعمه علناً في الانتخابات لرئاسة الوزراء، ويميل الى دعم موردخاي بشرط عدم انخراطه في قائمة باراك. ولا يعني هذا ان ليكود كحزب سيستفيد من ادانة درعي، بل ربما سيسحب جزء لا بأس به من الشرقيين تأييدهم لهذا الحزب وهم الذين يشكلون قاعدته الشعبية الاكبر لمصلحة الوسط وحزبي "شاس" و"المفدال". واعتبر روبي ريفلين رئيس حملة ليكود للكنيست وزعيم الائتلاف الحكومي ان ليكود سيخسر مع خسارة درعي. لعل ظاهرة شاس - درعي هي احدى اهم الظواهر السياسية والاجتماعية في تاريخ اسرائيل السياسي، وسيكون لها تأثير مهم جداً على الخارطة السياسية والثقافية في اسرائيل، مهما كانت وجهة التطورات بعد ادانة درعي. وسيكون لمستقبل درعي القيادي في هذا الحزب التأثير الأكبر في هذا المجال. وسيتراجع دور يوسف في غياب درعي او اثر دخوله السجن، ما يعني فقدان البوصلة السياسية والحزبية في "شاس". وبهذا المعنى ايضاً، لن تتعاظم قوة شاس بعد هذه الادانة، كما يدعي قياديو هذه الحركة الآن.