تجري البلدان المغاربية اتصالات ومشاورات منفصلة مع الاتحاد الاوروبي وبلدان الحلف الاطلسي تهدف الى وضع رؤية مشتركة لمستقبل الامن الاقليمي في حوض المتوسط. الا ان مصادر مطلعة اكدت ل"الحياة" ان الاتصالات لا علاقة بها بالحرب الدائرة في البلقان، كونها سبقتها وستستمر حكماً بعد انتهائها. واوضحت ان الاجتماعات الرسمية التي تمت في مدريد قبل اسابيع بين حلف شمال الاطلسي ووفود خمسة بلدان متوسطية على مستوى السفراء تشكل في نظر العواصم الاوروبية جزءاً من النظام الامني الاقليمي الذي يشمل كذلك حواراً ثنائياً اوروبياً - مغاربياً. واظهرت المشاورات مع العواصم الاوروية تباعداً في المفاهيم، كون الاوروبيين يركّزون على الجوانب العسكرية وعلى اخطار الارهاب، فيما يعتقد المغاربيون ان اوروبا تسعى الى اقامة اسوار شاهقة تعزلها عن بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط وتنفتح اكثر فأكثر على اوروبا الشرقية التي انخرط كثير من بلدانها في النظام الدفاعي لل"الناتو" او هي في صدد الاعداد للانضمام اليه. وأعطت البلدان المغاربية، اضافة الى مصر، اهمية اساسية للجوانب الاجتماعية والتنموية والبشرية في تشكيل اي نظام امني على الصعيد الاقليمي كونها تعتبر ان الامن لا يقتصر على البعد العسكري فقط وانما يعتمد كذلك على مدى تنفيس الاحتقانات الاجتماعية وتكريس العدل بين ضفتي المتوسط، والمساهمة في حل كثير من المشاكل التنموية التي يؤدي تعقيدها الى انتشار الجريمة المنظمة واستفحال ظاهرة الهجرة بدل تطويقها. ويتركز التباعد بين النظرتين الاوروبية والمغاربية على الاهمية التي يمنحها كل طرف ل "الامن الناعم" والذي يتجاوز الجوانب العسكرية والاعتماد على اسلحة الدمار الشامل ووسائل الردع التقليدية وغير التقليدية ليشمل ابعاداً اخرى جديدة باتت تلعب دوراً مهماً في منظومات الامن الحديثة. وعزت المصادر "الخضّات" التي طبعت العلاقات المغاربية - الاوروبية والعربية - الاوروبية عموماً في السنوات الاخيرة الى طغيان مفاهيم الامن التقليدي وتغييب "الامن الناعم". واستدلت على ذلك بالازمة التي ثارت بين بلدان شمال افريقيا وبلدان غرب اوروبا في العام 1997 في اعقاب تشكيل كل من فرنسا واسبانيا وايطاليا والبرتغال قوات "اوروفور" التي قيل انها كانت مخصصة للتدخل السريع في المنطقة المغاربية اذا ما ظهرت اخطار تهدد امن جنوب اوروبا. وكان تشكيل القوات أثار موجة انتقادات وتحفظات على الصعيدين الرسمي والشعبي في كل من تونس وليبيا والجزائر والمغرب. ويرجح ان تكثف العواصم المغاربية جهودها في الفترة المقبلة لإقناع البلدان الاوروبية الرئيسية من خلال الحوارات الثنائية، وكذلك في اطار المؤسسات المنبثقة من مسار برشلونة الاوروبي - المتوسطي باعتماد مفهوم متوازن للامن الاقليمي يجمع بين "الامن الناعم" والامن العسكري التقليدي.