يقوم وزيرا الخارجية البريطاني روبن كوك والفرنسي هوبير فيدرين الأربعاء المقبل بزيارة مشتركة لدول افريقية، في بادرة تعاون نادرة بين الدولتين اللتين طالما تنافستا على مناطق النفوذ في القارة السوداء. وقالت مصادر ديبلوماسية ان جولة كوك وفيدرين ستبدأ في غانا في العاشر من آذار مارس الجاري، ينتقلان بعدها الى شاطئ العاج حيث يشرف الوزيران على اجتماع موسّع للسفراء البريطانيين والفرنسيين في الدول الافريقية يُعقد يومي 11 و12 من الشهر. وأضافت ان الاجتماع الموسع لديبلوماسيي البلدين سيناقش "سبل التعاون وتنسيق المواقف وتحليل المعلومات وتبادلها بين فرنساوبريطانيا في ما يتعلّق بمشاكل القارة والحلول المطروحة لتجاوز الأزمات التي يعانيها العديد من الدول الافريقية". ويتوقع ان يشمل التنسيق البريطاني - الفرنسي الوضع في الجزائر، قبيل الانتخابات الرئاسية في 15 نيسان ابريل المقبل، وفي ليبيا أزمة لوكربي وأزمة "يوتا"، والصحراء الغربية وآفاق اجراء استفتاء تقرير المصير. ويعكس اللقاء الفرنسي - البريطاني المرتقب مزيداً من التنسيق بين الدولتين. لكن أوساطاً عدة تُشكك في النتيجة الممكن ان يصل اليها التنسيق بين البلدين، لا سيما في ظل تباين مواقفهما في ما يتعلق بنقاط ساخنة في القارة. ويبرز هذا التباين، مثلاً، في نظرة كل من الدولتين للأزمة مع ليبيا. إذ في وقت سوّت فرنسا، منذ سنتين، ملف تفجير طائرة "يوتا" فوق صحراء النيجر في 1989 عبر موافقتها على محاكمة المتهمين الليبيين غيابياً المحاكمة ستبدأ خلال أيام في باريس وقبول تعويضات مالية من طرابلس، لا تزال بريطانيا ملتصقة بموقف الولاياتالمتحدة من تسوية ملف تفجير طائرة "بان أميركان" فوق لوكربي اسكتلندا في 1988. وثمة من يقول ان تشدد أميركا طوال السنوات الماضية وإصرارها على محاكمة المتهمين الليبيين في قضية لوكربي في اسكتلندا، هو الذي أدى الى تأخير طي هذا الملف العالق منذ أكثر من عشر سنوات. ولم يظهر تقدم جدي في هذا الملف الا بعدما استطاعت لندن اقناع واشنطن، في صيف العام الماضي، بالتنازل عن الإصرار على إجراء المحاكمة في اسكتلندا، وقبول العرض الليبي باجرائها في دول محايدة هولندا، مثلاً. وتأتي قضية رواندا على رأس المواضيع الأخرى موضع التباين بين الدولتين. وتعود خلفية هذا التباين الى 1995، عندما بدا ان الفرنسيين يدعمون الحكام الهوتو خلال الثورة التي شنها التوتسي. ويعتبر التوتسي ان فرنسا غضّت الطرف في ذلك الحين عن المذابح التي ارتكبها الهوتو في حقهم والتي راح ضحيتها قرابة مليون شخص، قبل ان ينجحوا في قلب نظام الهوتو والاستيلاء على الحكم. وقد عاد هذا الموضوع للظهور هذا الأسبوع على خلفية خطف متمردين هوتو فارين الى أوغندا سياحاً غربيين، وانتقاء البريطانيين والأميركيين من بينهم لقتلهم بسبب ما اعتبروه مواقف لندنوواشنطن المعارضة للهوتو. واللافت في الموضوع، ان المتمردين استثنوا السياح الفرنسيين من المذبحة. ولا شك ان لائحة مناطق التباين في مواقف الدولتين تطول أكثر من منطقة نزاع في افريقيا، على رغم التقائهما عند نقاط كثيرة أخرى. ويبدو ان العديد من دول القارة يحاول اللعب على هذا التناقض والحساسية بين الدولتين الاوروبيتين. ويتجلى ذلك في محاولات منح تفضيلات تجارية لدولة من الدولتين، وفتح الأسواق، لاسيما النفط والغاز، أمام أكثر من شريك، وهو إجراء يستهدف الفرنسيين بدرجة أولى. وإذا كانت هناك مواضيع كثيرة تُقلق الفرنسيين من تضاؤل نفوذهم، فإن أكثر ما يُقلقهم، على ما يبدو، هو الاتجاه الذي يعم دولاً عديدة في القارة الى تدريس الانكليزية على حساب الفرنسية، في المناهج الدراسية. وقد ظهر هذا الاتجاه أخيراً في دول مغاربية عدة تعتبرها فرنسا ضمن نطاق نفوذها التقليدي، وهو تطور لا بد انه يُقلق صُنّاع السياسية في الكي دورسيه.