ترى هل كان سلانسكي، الزعيم السابق للحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي مبالغاً في الاعترافات الكاملة التي أدلى بها أمام محكمة الدولة في براغ يوم 20 تشرين الثاني نوفمبر 1952، أم انه تمكن بالفعل من لعب ذلك الدور الخطير الذي تحدث عنه في تلك الاعترافات، الدور الذي يجمع في نشاطاته بين التيتوية نسبة الى تيتو الزعيم اليوغوسلافي الذي كان تبدى خصماً عنيداً لستالين والماسونية والمخابرات الاميركية والفرنسية والبريطانية، ناهيك بعمالته للصهيونية؟ إن علامات شك ودهشة لم تكف عن طرح نفسها من حول قضية سلانسكي، ومن حول اعترافاته، ولكن يبقى انه هو نفسه أدلى بها أمام المحكمة، وكانت النتيجة ان حكم عليه بالإعدام مع تسعة متهمين آخرين، أو اعدموا بالفعل بعد ذلك بأقل من اسبوعين. مهما يكن في الأمر فإن "اعترافات" سلانسكي تطاول نشاطات يحتاج تفصيلها والقيام بها الى جهاز كامل، ما يشي بأن سلانسكي انما كان يحاول المبالغة، ربما أملاً في ان ينال رأفة ما. اليوم تبدو قضية سلانسكي جزءاً من تاريخ قديم، وكثيرون نسوها، لكنها تظل رغم ذلك جزءاً أساسياً من تاريخ هذا القرن، ومن تاريخ الحرب الباردة. جرت محاكمة سلانسكي امام محكمة الدولة في سجن بانكراك في براغ. يومها، بعد تلاوة محضر الاتهام راح رئيس المحكمة يستجوب رودولف سلانسكي، الأمين العام السابق للحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي، الذي، رداً على الأسئلة، راح يتكلم بصوت متردد خافت وضعيف. وكان ملخص ما قاله انه يعترف بنفسه مذنباً بالنسبة الى جميع التهم الموجهة اليه. فهو اعترف بأنه كان على الدوام عدواً للحزب الشيوعي، وانه كان دائماً على اتصال بالمخابرات الفرنسية والانكليزية والاميركية، وبالأوساط الرأسمالية. واعترف بأنه قد خان الحزب وأحاط نفسه دائماً بعناصر رأسمالية وقومية بورجوازية، وانه ثبت عملاءه في مواقع الدولة كلها، من ادارة واقتصاد وشرطة وجيش. وكان "الهدف الوحيد من ذلك، التآمر مع هؤلاء من اجل اسقاط النظام الديموقراطي الشعبي وإعادة تشيكوسلوفاكيا الى أحضان الرأسمالية". بعد ذلك أقر سلانسكي بمسؤوليته عن مقتل يان سفرما مضيفاً انه كان على الدوام تحت تأثير ذهنية بورجوازية صغيرة "لم استطع أبداً التخلص منها". وأقر ان تصرفاته كانت دائماً "تصرفات انتهازي أدت بي لأن أكون عميلاً للبورجوازية في تشيكوسلوفاكيا"، ثم اعترف بأنه كان على اتصال متواصل مع عملاء الامبريالية الاميركية، ولا سيما النائب العمالي زيلياكوس". من ناحية ثانية قال سلانسكي، انه منذ العام 1928 كان قد عرض خدماته على اجهزة الشرطة لكي يزودها بمعلومات حول الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي. وأضاف: "أجل لقد كنت دائماً انفذ ما يطلبه مني العميل الاميركي بينيش". بعد ذلك أكد سلانسكي انه كان قد هاجر الى الغرب خلال الحرب بناء على طلب من بينيش وبمساعدة من السفارة البريطانية في براغ، وانه حين توجه الى موسكو انما توجه الى هناك "كعميل للبورجوازية التشيكية والرأسمالية الانغلو - اميركية". وبعد ان تحدث سلانسكي عن علاقاته مع غومولكا وتيتو وكوستوف وراجك وكلهم من الذين ناوءوا ستالين بين الحين والآخر، اشار الى انه سعى دائماً الى تأسيس منظمات جاسوسية تيتوية، والى انه كان موافقاً على تحول يوغوسلافيا الى المعسكر الامبريالي. ثم اعترف سلانسكي انه تعاون بشكل وثيق مع الصهاينة، وأوصل العديد من عملائها الى مناصب حساسة ورفيعة في الدولة. ثم عدد المشاريع التي ساهم بها لتأسيس لجان تساعد اليهود على مغادرة تشيكوسلوفاكيا، وكيف انه ساعد النشاطات التجارية الاسرائيلية على حساب تجارة بلده. وهنا تحدث سلانسكي عن سفير اسرائيل في براغ واصفاً إياه بأنه "عميل للامبريالية الاميركية". وتحدث سلانسكي ايضاً، ودائماً بصوت متهدج، عن عمليات التخريب التي قام بها والتي كان هدفها فصل "الحزب عن الجماهير البروليتارية"، وكيف انه خرّب نشاطات وزارة الخارجية والجيش، ورقى ضباطاً رجعيين. وبعد ذلك تحدث عن رفاقه المتهمين مثله ليصفهم بأنهم "نازيون، مجرمو حرب، ومعادون للاتحاد السوفياتي...". ولقد انهى سلانسكي يومها مرافعته، معترفاً مرة أخرى بأنه مذنب في كل ما اتهم به... وكانت النتيجة ان صدر الحكم عليه ورفاقه بالإعدام. وتلقف الغرب القضية ليجعل منها اسطورة عاشت سنوات وحققت عنها أفلام ومسرحيات كان اشهرها فيلم "الاعتراف" الفرنسي الذي مثله ايف مونتان في السبعينات. الصورة: إعدام سلانسكي في الفيلم الفرنسي الذي حققه كوستا غافراس.