هل كان ستالين في ذلك الحين يعرف أنه راحل لا محالة، بعد شهور؟ وهل كانت تستبد به رغبة هائلة في أن يخلط الأوراق كلها وأن يزيح الكثيرين قبل أن يرحل؟ هذا على الأقل ما يمكن استخلاصه من مجموع الأحداث - ولنقل: التصفيات - التي راحت تعصف بالحركة الشيوعية العالمية، أي لنفوذ ستالين بشكل مباشر. ففي الثاني عشر من تشرين الثاني نوفمبر 1951، جرى اعتقال رودولف سلانسكي، الأمين العام للحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي. وكانت تهمته: القيام بنشاطات معادية للوطن. جماعة سلانسكي اعتبروا الأمر، في ذلك الحين، نتيجة "لمشاعر ستالين المعادية للسامية" حيث أن تصرفات عدة قام بها زعيم الاتحاد السوفياتي كانت بدأت تظهر تبرمه بممارسة العديد من الجمعيات الصهيونية، التي كانت تجر وراءها نخبة من الزعامات الشيوعية ذات الاصول اليهودية. وكان ذلك بالنسبة إلى ستالين نتيجة لقيام دولة إسرائيل، على الرغم من أنه كان، هو، من أوائل الذين اعترفوا بقيام الدولة العبرية. المهم أن ستالين إثر ذلك سيلاحظ أن ولاء العديد من القيادات الشيوعية اليهودية بدأ يميل ناحية الدولة الجديدة. وأشعره هذا الأمر بأن ثمة خطراً جديداً يتهدد الحركة الشيوعية، خصوصاً بعد اعتقال زوجة مولوتوف واتهامها بأنها عميلة للصهيونية الأميركية ومتواطئة مع غولدا مائير سفيرة إسرائيل في موسكو. مهما يكن في الأمر، فإن شكوك ستالين لم تكن، في ذلك الحين، شديدة البعد عن الصواب، إذ من المعروف أن الصهيونية ما أن استتب لها الأمر في فلسطين، حتى راحت تنفتح على زعامات بعض بلدان وأحزاب المعسكر الاشتراكي، في وقت كانت فيه الحرب الباردة تشتد، واستبداد ستالين يتصاعد. وكان مما يساعد الصهيونية على ذلك، يسارية أول حكومة في إسرائيل، وكون معظم القيادات الإسرائيلية آتياً من دول في شرق أوروبا. هذا كله حرك ستالين، فراح يعتقل ويكتشف مؤامرات إثر مؤامرات. في داخل الاتحاد السوفياتي أولاً، وبعد ذلك في بقية البلدان الاشتراكية. وكان اعتقال سلانسكي ذروة ذلك وعلامته الأولى. ومن المعروف ان انستاس ميكويان، أحد أعمدة الحزب الشيوعي السوفياتي، زار براغ قادماً من موسكو في نهاية شهر تشرين الأول اكتوبر 1951، حاملاً رسالة خاصة من ستالين إلى الرئيس التشيكي غوتوالد، طالباً فيها اعتقال سلانسكي فوراً. وبعد تردد وتحقيقات، ولا سيما منها تحقيق اعترف خلاله سلانسكي، كما يبدو وتحت طائلة التعذيب، بأنه - بالفعل - عميل للصهيونية، جرى الاعلان رسمياً عن اعتقاله. وبهذا انضم سلانسكي إلى لائحة الزعماء الشيوعيين الخارجيين المغضوب عليهم. والغريب في أمر سلانسكي أنه حتى ذلك الحين كان معروفاً بولائه المطلق للحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي ودفاعه الدائم داخل اجتماعات الحزب وخارجها عن طروحات ستالين وأفكاره. من هنا، كانت الصدمة والدهشة كبيرتين حين أعلن عن اعتقاله. قبل سلانسكي كانت التطهيرات والاعتقالات، طاولت قبله عدداً من كبار الزعماء الشيوعيين من أمثال لاسلو راجك، زعيم الحزب الشيوعي المجري الذي اتهم بمناصرة تيتو في معركته ضد ستالين، وكوزي خوجا، زعيم الحزب الشيوعي الألباني، وترايشو كوستوف، أمين الحزب الشيوعي البلغاري. مقابل هؤلاء كان البولوني فلاديسلاف غومولكا، الأكثر حظاً، إذ أنه حين اعترف بأنه بالفعل كان ذا نزعة قوموية، وأقر بأن اتباع هذه النزعة خطأ، اكتفى الستالينيون بسجنه لفترة من الزمن قصيرة. أما ماثياس راكوزي، نائب رئيس الحكومة المجرية، فحوكم وحكم عليه بالسجن ستة عشر عاماً بتهمة "العمالة للامبريالية". هذه التصفيات ذكرت الناس طبعاً بما كان ستالين قام به قبل ذلك بعشرين سنة، حين راح يصفي القيادات الشيوعية السوفياتية: اتهامات، حملات صحافية، تساؤلات في الاجتماعات الحزبية، بعد ذلك يعنف الهجوم ويؤلب الشارع الشيوعي، ولا يكون أمام المتهم، مهما علا مركزه إلا أن "يعترف" بجرائمه. ونادراً، على أي حال، ما كان الاعتراف ينقذ صاحبه من مصير يلغيه من السياسة أو من الوجود، ليبقى ستالين زعيماً أوحد، في موسكو، وفي كل مكان شيوعي آخر.