سعود بن مشعل يستقبل المعزّين في وفاة أخيه عبدالعزيز    مزارع الريف    الرياض.. طفلة تحت المطر    لحظة تأمل    46% من المشاريع للبناء والتشييد    تحالف خليجي لتوطين التحكيم التجاري    سياسة مختلفة    المملكة تدين استهداف المستشفى السعودي بمدينة الفاشر في السودان    عبور 54 شاحنة إغاثية سعودية جديدة لمساعدة الشعب السوري منفذ نصيب الحدودي    الجمعان ومستقبل النصر    بعد اشتباكه مع قائد الفريق.. مدرب ميلان: اللاعبون كالأطفال بحاجة للتأديب أحياناً!    التعادل السلبي يحسم مواجهة التعاون والعروبة    ولي العهد يستقبل رئيسة وزراء إيطاليا ويوقعان اتفاقية إنشاء مجلس الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    شرطة النعيرية تباشر واقعة شخص حاول إيذاء نفسه    "سلمان للإغاثة" يوزّع مواد إغاثية في مدينة حرستا بمحافظة ريف دمشق    طفاية الحريق في المركبة.. أمن وسلامة    الجوال السبب الأول لحوادث المرور في القريات    «البرلمان العربي»: محاولات تهجير الفلسطينيين من غزة انتهاك صارخ للشرعية الدولية    الأردن تدين استهداف المستشفى السعودي بمدينة الفاشر السودانية    "سلمان للإغاثة" يواصل تقديم المساعدات الإغاثية في بلدة جباليا شمال قطاع غزة    استئناف إصدار تأشيرات الدخول للسودانيين عبر سفارة المملكة في بورتسودان    السعودية باختصار    السعودية نجم «دافوس»    اتفاقيات التعاون.. والتكاذب المؤسّسي    أسعار العقار بيننا وبين الصين!    نيمار حدد موعد ظهوره بشعار سانتوس    صدارة هلالية اتحادية    طلال بن محفوظ - جدة    النصر يؤكد بقاء الثنائي العقيدي وغريب :"عيالنا .. كفاية إشاعات"    ولاء بالمحبة والإيلاف!    نائب وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة (105) من طلبة كلية الملك فيصل الجوية    أمير منطقة القصيم يعزي أسرة الزويد.. ويوجه بتسمية قاعة بالغرفة التجارية باسمه    السعودية وسورية: الرهان على الشعب السوري!    المشكلة المستعصية في المطار !    شريف العلمي.. أشهر من طوّر وقدّم برامج المسابقات المُتَلفزَة    وجناح «هيئة الأدب» يجذب الزوار    هيئة المتاحف تشارك جامعة نجران لتعزيز التعاون الثقافي    عمل بعيد المدى لوزارة الشؤون الإسلامية    الدراسة عن بعد بمدارس وجامعة القصيم.. غداً    محافظ الخرج يستقبل الرشيدي    بموطن الشعر والشعراء.. الصقور تعيد الحياة لسوق عكاظ    مستشفى دله النخيل بالرياض يفوز بجائزة أفضل خدمات طوارئ في المملكة 2024    ضيوف الملك.. خطوات روحية نحو السماء    تجمع الرياض الصحي الأول: نحو رعاية وأثر في ملتقى نموذج الرعاية الصحية 2025    الدولة المدنية قبيلة واحدة    وفد من مؤسسي اللجنة الوطنية لشباب الأعمال السابقين يزور البكيرية    الديوان الملكي: وفاة والدة صاحب السمو الأمير فهد بن سعود بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود بن فيصل آل سعود    آل الشيخ من تايلند يدعو العلماء إلى مواجهة الانحراف الفكري والعقدي    رئاسة الحرمين.. إطلاق هوية جديدة تواكب رؤية 2030    تدشن بوابة طلبات سفر الإفطار الرمضانية داخل المسجد الحرام    دراسة: تناول الكثير من اللحوم الحمراء قد يسبب الخرف وتدهور الصحة العقلية    «ليلة صادق الشاعر» تجمع عمالقة الفن في «موسم الرياض»    تمكين المرأة: بين استثمار الأنوثة والمهنية ذات المحتوى    ترحيل 10948 مخالفا للأنظمة خلال أسبوع    هيئة الهلال الأحمر السعودي بمنطقة الباحة جاهزيتها لمواجهة الحالة المطرية    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيسة مجلس الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني    إنجازات تكنولوجية.. استعادة النطق والبصر    الهروب إلى الأمام والرفاهية العقلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعم حركات التحرر ... وتخلى عنه الغرب ... ولم يدعم اصدقاؤه الصينيون خططه الاقتصادية . غياب "المعلم" نيريري صاحب نظرية "الاشتراكية الافريقية"
نشر في الحياة يوم 15 - 10 - 1999

توفي الرئيس التنزاني السابق جوليوس نيريري امس عن 77 عاماً في مستشفى سانت توماس وسط لندن حيث كان يُعالج من مرض سرطان الدم "لوكيميا". وكان الاطباء شخّصوا مرضه مطلع العام 1998 لكنه واصل عمله السياسي حتى الاسبوع الاخير من ايلول سبتمبر الماضي، ودخل غرفة العناية الفائقة في الاول من الشهر الجاري. وتفاعلت حاله الصحية أخيراً الى ان قضى صباح امس بعدما تعرض لجلطة في الدماغ أصابته فجأة.
وفي دار السلام، بثّ الرئيس التنزاني بنجامين مكابا، في كلمة الى الأمة، عبر الاذاعة والتلفزيون نبأ الوفاة، وقال: "أعزائي التنزانيين، بكل أسف وصدمة أعلن ان أب الأمة المحبوب جوليوس كامباراج نيريري توفي"، وطلب من الأمة "الحفاظ على الهدوء".
رحل الرئيس التنزاني السابق جوليوس نيريري امس عن 77 عاماً ظل في معظمها متألقاً في عالم السياسة داخل بلاده والقارة الافريقية التي تذكره كأحد رواد حركة تحريرها من الاستعمار في الستينات والسبعينات، جنباً الى جنب مع كوامي نكروما في غانا وليبولد سنغور في السنغال وكينيث كاوندا في زامبيا وجمال عبدالناصر في مصر.
اقترب نيريري من المعسكر الشيوعي في عز الحرب الباردة، لكنه لم يُصبح شيوعياً. واقترب في الفترة نفسها من المعسكر الرأسمالي لكنه لم يتحول نحو الرأسمالية. وفي المقابل حاول إرساء نظام "الاشتراكية الافريقية" او "الافريقانية" والاعتماد على الذات الافريقية كنظام سياسي واقتصادي.لكن هذا النظام "النيريري" ادى الى تدمير البنية الاقتصادية لتنزانيا التي صارت واحدة من افقر دول العالم في عهده. وانتهى نظام "الاشتراكية الافريقية" في تنزانيا العام 1985 بتنحي صاحبه طوعاً عن الحكم، لكن نيريري لم ينته. وكان إستمراره، رمزاً للأمة، لغزاً محيراً، وكذلك علاقته القريبة جداً بشعبه الذي ظل يكن له الاحترام، فأطلق عليه لقب "المعلم" و "ابو الأمة" التنزانية على رغم سياساته التي اوصلت هذا الشعب الى فقر مدقع.
18 زوجة لوالده
ولد جوليوس كامباراجي نيريري في آذار مارس 1922في بيئة قبلية في بوتاميا، قرب بحيرة فيكتوريا. وكان والده نيريري باريتو زعيم قبيلة صغيرة غير ذي شأن تدعى زاناكي. وكانت والدته موغايا الزوجة الثامنة عشرة للزعيم باريتو. لكن نيريري المتمسك بالتقاليد الافريقية الاصيلة لم يتبع تقاليد الاسرة القبلية في الزواج، فاقترن بامرأة واحدة هي ماريا التي انجبت له ثمانية ابناء.
وخلال السنوات ال23 التي امضاها في السلطة، وضع نيريري سياسة الأمة التنزانية لوحده وبعقلية زعيم قرية. وكان مقتنعاً بأن قدر تنزانيا هو في "الاشتراكية الافريقية" وهي عبارة عن مزيج من "الاشتراكية العلمية" و"الكوميونالية" الافريقية. وربما كان من بين اهم الانجازات التي حققها نيريري على الصعيد الاجتماعي اعتماد السواحلية لغة رسمية، واستطاع بذلك تذويب الفوارق بين اكثر من مئة قبيلة واتنية جمعتهم لغة واحدة على ساحل المحيط الهندي وانتشرت في شرق القارة ووسطها.
وبعدما قاد نيريري وحزبه "الاتحاد الوطني التنجانيقي" البلاد نحو الاستقلال عن بريطانيا العام 1961تسلم منصب اول رئيس للوزراء بعد الاستقلال، ثم صار في السنة التالية 1962 اول رئيس لتنجانيقا. فتطلع اولاً نحو جارته جزيرة زنجبار العائمة في المحيط الهندي والتي كانت استقلت ايضاً عن بريطانيا العام 1963. إذ كان يخشى ان تتحول الجزيرة، التي كانت تعج بشبان درسوا او تدربوا في كوبا والصين، الى دولة شيوعية. فعقد مع رئيسها عُبيد كرومي رئيس حزب ال"آفرو - شيرازي" اتفاقاً في 1964 قررا بموجبه توحيد تنجانيقا وزنجبار في دولة واحدة اطلقا عليها اسم "جمهورية الاتحاد التنزاني".
"إعلان اروشا"
وبعدما استقرت اوضاع دولة الاتحاد، اطلق نيريري في العام 1967 برنامج "إعلان اروشا" السياسي الذي ترك تأثيرات ضخمة على مستقبل بلاده. وكان خلال العشرين سنة التالية بمثابة نظرية فلسفية للأمة التنزانية تتركز على جعل البلاد عائلة واحدة وقرية واحدة. وكان طموحه السياسي ان تتشكل عائلات وقرى اخرى وتتوحد القارة تدريجاً في إطار ما اطلق عليه "الاشتراكية الافريقية".
وبدأ نيريري في تحقيق طموحه الافريقي من بلده، إذ رأى في دولة الاتحاد "الزنجباري - التنجانيقي" نموذجاً يمكن ان ينسحب على كل القارة إذا ما استُكمل بعملية اكتفاء ذاتي. فباشر في تأميم الاراضي والمؤسسات وانشأ المزارع الجماعية، لكن مشروعه اصطدم بعقبات وهو في ذروة هذه العملية. إذ لم تجد خطته حوافز كافية لدى المجتمع التقليدي التنزاني، فاتجه نحو الصين واقام معها علاقات صداقة قوية لتمويل مشروعه وانقاذه، وكان ذلك في قمة الصراع بين الرأسمالية والشيوعية ابان الحرب الباردة. فنأى عنه معظم اصدقائه الغربيين، وفي الوقت نفسه لم يحصل على التمويل الكافي من الصينيين. وكان رئيس وزراء الصين آنذاك شو ان لاي نصحه بعدم تأميم المزارع، فغضب نيريري يومها ورد على النصيحة التي نقلها أحد وزرائه بالقول :"ليست ثمة اشتراكية من دون تأميم". والى ذلك، تورط نيريري في اوغندا المجاورة العام 1979 عندما اجتاح الجيش التنزاني هذا البلد واطاح نظام عيدي امين داده واخرجه من البلاد لينهي بذلك أحد اكثر الانظمة دموية وديكتاتورية في افريقيا آنذاك. إذ كان نيريري يرى في سلوك جاره عيدي امين إحراجاً له ولكل افريقيا. لكن نفقات إطاحة الديكتاتور الاوغندي كانت مرتفعة وساهمت في عرقلة مشروع نيريري الداخلي. ومع ذلك، فإن كثيرين من الاوغنديين الذين شهدوا تلك الفترة وعانوا من بطش نظام عيدي امين، لا يطيقون سماع اسم نيريري لأنه اتى بملتون اوبوتي الى رأس السلطة في اوغندا وكان اشد قمعاً واكثر ديكتاتورية من امين.
وتسجل الاحصاءات المتاحة حتى تاريخ تنحي نيريري عن السلطة انهياراً كاملاً لخطة "اوجاما" الزراعية نتجت عنه خسائر وصلت الى بلايين الدولارات بين 1970 و 1985. واتسعت دائرة الفساد والرشوة في اجهزة الدولة الى درجة لم تعد قادرة السيطرة علىها. كما تداعت البنى التحتية في البلاد، وانهارت مؤسسات الخدمات العامة. وغطى كل ذلك على كل انجازات التنمية التي حققها نيريري في حقبة الستينات.
ويقول احد التنزانيين الذين شهدوا فترة الثمانينات في تنزانيا ان الاسواق التنزانية في 1984 كانت شبه خالية من معظم المواد الاستهلاكية الاساسية، وكان المواطنون يصطفون في طوابير طويلة لشراء السكر، وطوابير اخرى لشراء زيت الطهي وغير ذلك. وفي تلك الفترة كان الفساد وصل الى الذروة. فقرر "المعلم" التنحي طواعية عن السلطة على رغم عدم ظهور اي تحرك شعبي او داخل الجيش ضده.
"تاجر البندقية"
وكان نيريري المثقف المولع بالادب العالمي، ترجم، وهو على رأس السلطة، مسرحيتي شكسبير "تاجر البندقية" و "يوليوس قيصر" الى اللغة السواحلية خلال اوقات فراغه. وفي آب اغسطس 1984، اوجد كلمة سواحلية جديدة هي "كونغاتوغا" اي التقاعد عن العمل، وبذلك ترك العمل السياسي الرسمي. لكنه زاد على هذه الكلمة لاحقاً وقال :"انا لم اتقاعد وإنما غيرت موقع قدمي". واستمر خلال السنوات الست التالية في منصبه رئيساً للحزب الحاكم "تشاما تشا مبيندوزي" سي.سي.ام اي "الحزب الثوري" الذي يُعتبر اقوى مؤسسة سياسية في البلاد، وبقي دوره مؤثراً في الادارة السياسية لتنزانيا.
وكما كان تنازله عن السلطة طوعاً العام 1985، فاجأ نيريري انصاره وخصومه العام 1990 عندما أصدر نشرة انتقد فيها حزبه "تشاما تشا مبيندوزي" بشدة، كما انتقد خليفته الرئيس التنزاني آنذاك علي حسن مويني واتهمه بعدم القدرة على قيادة البلاد. وتحدث عن الفساد في الدولة وعن توظيف اقارب السياسيين واصدقائهم غير المؤهلين في اجهزة الحكومة. واتهم القيادة السياسية في البلاد بالعجز وطالب بتغييرها. وكان ما ورد في نشرة نيريري مفاجأة للسياسيين في تنزانيا وافريقيا عموماً. ذلك لأنه من غير المعتاد في افريقيا ان ينتقد سياسي حزبه، خصوصاً إذا كان الحزب حاكماً والسياسي المُنتقد مؤسس الحزب وراعيه ورئيساً سابقاً للبلاد. وزاد ذلك من رصيد "المعلم" الشعبي ومن تألقه السياسي.
التحكم عن بُعد
وحتى الايام الاخيرة قبل دخوله المستشفى، كانت بصمات نيريري تطبع السياسة في تنزانيا، وكان تأثيره واضحاً على القيادة السياسية فيها. ويقول التنزانيون انه كان يحكم البلاد ويديرها كأنه يحمل جهازاً للتحكم عن بُعد. ففي تشرين الثاني نوفمبر 1995 جرت اول انتخابات تعددية في تنزانيا حيث لعب نيريري دوراً اساسياً فيها، وقاد حملة لمصلحة مرشح حزبه "سي.سي.ام" للرئاسة بنجامين مكابا الذي فاز بهذا المنصب. ويقال ان مكابا لم يكن يتخذ اي قرار اساسي في البلاد من دون استشارة "بوتياما" منزل نيريري الريفي او "ماساساني" منزله في دار السلام.
وربما كان ذلك امتداداً غير مباشر لحكم نيريري الذي لم يكن يسمح سوى بمساحة قليلة للمعارضة، فهو كان يؤمن بأن نظام حكم الحزب الواحد أساس لاستقرار البلد. فعلى رغم كونه احد اوائل القادة الافارقة المستنيرين في الفترة التي تلت مرحلة الاستقلال، لكنه عندما كان في الحكم، مارس سلطته بشدة، وكان لا يطيق اي منشق، ويُفضل في المقابل خضوعاً كامل الولاء من اعوانه لتوجهه السياسي. وكان من نتائج تلك السياسة ان اولئك الذين لم يستطيعوا مماشاة نيريري مثل اوسكار كامبونا اضطروا الى مغادرة البلاد والعيش في المنفى. وحتى المثقف الزنجباري الماركسي عبدالرحمن محمد بابو اضطر الى الفرار لاحقاً بعد سجنه لسنوات. في حين اختار اولئك المؤثرون في السياسة المحلية البقاء في البلاد للتأثير على نيريري، لكنهم فشلوا وذابوا تدريجاً في الاطار السياسي ل"المعلم".
المديح والإطناب
ويروي بابو توفي قبل نحو ثلاث سنوات الذي شغل منصب وزير اقتصاد قبل فراره من البلاد، انه رافق نيريري في زيارة الى الصين حيث تفقد مستشفى وشهد عملية جراحية فريدة من نوعها آنذاك. وقال بعدها لنيريري الطبيب الذي أجرى العملية: "لقد حققنا هذا الانجاز الباهر بفضل تعاليم الزعيم ماو". والتفت نيريري الى وفده المرافق وقال باللغة السواحلية: "أرأيتم كيف يحترم الصينيون زعيمهم".
وكانت فكرة "المعلم" زعيم الامة وقائدها منطبعة في أذهان رفاق نيريري وشعبه. إذ كان يرتاح للاطناب والمديح لشخصه. ويبدو ان "المعلم" نيريري "ابو الأمة" التنزانية لم يكن النموذج الوحيد للقيادة الافريقية المتعلقة بمبدأ "الاستزلام" والارتياح الى الالقاب الرنانة. فهو يُذكرنا بأسماء قادة أفارقة رافقتها ألقاب كبيرة تسبب اصحابها بتخريب بلدانهم وقمع شعوبهم، مثل رئيس مالاوي الراحل هاستينغز كاموزو باندا الملقب ب"الاسد" الذي كان شعبه فريسته الاولى. ورئيس اوغندا السابق عيدي امين داده الملقب ب"قاهر الامبراطورية البريطانية"، لكنه لم يقهر سوى الشعب الاوغندي. ورئيس زائير الكونغو الديموقراطية حالياً الراحل موبوتو سيسي سيكو الملقب ب"الديك القاهر"، الذي كان يقهر تجار الاحجار الكريمة في بلاده ويحتكر بيعها مع اسرته ويحرم المواطنين من ثروات البلاد. اما الامبراطور الاثيوبي الراحل هيلا سيلاسي فكان يعرف ب"المختار من الله ملك ملوك اثيوبيا اسد قبيلة يهوذا"، فرحل بعدما اختاره الله بعيداً عن هذه الدنيا تاركاً خلفه شعباً نصفه جائع ونصفه الآخر لاجىء في الدول المجاورة.
لكن ما يشفع، ربما، ل"المعلم" نيريري ويميزه عن هؤلاء القادة، ان اي اتهام لم يُوجّه اليه بتدمير اقتصاد البلاد عمداً او سرقتها ونهبها. وانه كان في الوقت نفسه مشاركاً اساسياً وبفاعلية في قيادة حركات التحرر الهادفة الى تخليص الدول الافريقية من حكم الاستعمار. لكن حظه، كما يقول احد التنزانيين "كان عاسراً داخل بلاده، إذ حاول مخلصاً وبنيات حسنة انتشال تنزانيا من الفقر وقيادتها نحو التنمية، لكن الظروف الدولية التي احاطت بحكمه لم تساعده في استكمال مشروعه الاقتصادي الاشتراكي الافريقي بنجاح".
ربما كان ذلك صحيحاً. لكن فترة حكم "المعلم" نيريري كانت حتماً من أغنى التجارب السياسية في القارة الافريقية، وكانت أفكاره من ابرز النظريات التي جرت تجربتها في القارة. فهل يستفيد القادة الأفارقة من تجارب "مُعلميهم" ويتجنبون أخطاءهم؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.