سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التريكي ل«الحياة»: لا تسألني عن «ملك ملوك أفريقيا» فهذه القصة غريبة فعلاً ومخجلة... بوكاسا إمبراطور أهبل وموبوتو سيسي سيكو غضب من النادل فأمر برميه للتماسيح
نشر في الحياة يوم 25 - 06 - 2012

شعر معمر القذافي بأن العرب لم يسلموا له بحق القيادة. حتى الذين اعتاشوا من مساعداته اعتبروه غريباً أو مراهقاً أو مريضاً وإن تفادوا المجاهرة بذلك. رد الزعيم الليبي بالتوجه إلى أفريقيا حيث الفقر أشد وشراء الضمائر والولاءات أكثر سهولة. دعم حكاماً ودعم معارضين. أقام علاقات مع رجال اتهموا بالجنوح أو الجنون وحتى أكل لحوم البشر. وعاد من تلك المغامرة بتدخلات عسكرية وحروب ومداحين وثياب مزركشة ولقب أحرج كثيرين هو «ملك ملوك أفريقيا».
أقام الملف الأفريقي طويلاً على طاولة الدكتور علي عبدالسلام التريكي. وكان يجول في القارة السمراء حاملاً الرسائل والتمنيات وثمة من يقول إنه كان يطوف مع حقائب ملأى بالدولارات وهو ما ينفيه. سألت «الحياة» التريكي عن «المغامرة الأفريقية» ومحطات أخرى وهنا نص الحلقة الثالثة:
كيف كان معمر القذافي يعيش؟
- قربي من القذافي أو وجودي معه لا يعني أنني كنت أعرف شخصيته أو مطلعاً على ماذا يعمل أو ماذا يقرأ أو ماذا يكتب أو ماذا يدير، هذه أمور لم أكن أتدخل بها، بل كنت أبتعد عنها. كنت معنياً بالأمور السياسية فقط. أنا لا أعرف أياً من أولاده مثلاً باستثناء سيف الإسلام الذي كنت أراه مع والده أحياناً. لم يكن لي اتصال مع أولاده في أعياد أو في مناسبات أو أفراح مثلاً ولم تكن بيننا علاقات عائلية.
متى التقيته للمرة الأولى؟
- في 1973 وكنت يومها مديراً للإدارة الأفريقية في وزارة الخارجية وكان يريد نقل مقر منظمة الوحدة الأفريقية من أديس أبابا إلى القاهرة. أنا رأيت أن خطوة من هذا النوع ستثير الأفارقة وتدفعهم إلى اتهام العرب بالسعي إلى السيطرة على المنظمة واقترحت السعي إلى نقلها إلى عاصمة أفريقية غير عربية. ثم التقيته في نهاية 1974 عندما كلفني زيارة الجمهوريات ذات الغالبية الإسلامية في الاتحاد السوفياتي. في الخارجية كنا نلتقي به كل يوم خميس لحوالى ساعة أو ساعتين.
عمَ كان يتحدث خلال هذه اللقاءات؟
- كان الحديث يدور حول أبرز الشؤون الخارجية المطروحة وكان يقول اعملوا كذا أو كذا.
هل يكره أميركا؟
- لا أعرف شعوره الحقيقي في قرارة نفسه، وإن كان يحبها أم يكرهها لكنه بالتأكيد لم يكن صديقاً لها. معمر شخصية غريبة ولديه أشياء غامضة يصعب أحياناً تفسيرها بصورة منطقية. كان صديقاً لرئيس وزراء بريطانيا توني بلير ولسلفيو برلسكوني وكان مستعداً أن يدير صداقات وفق انطباعاته وما يعتبره مصالحه. عقدته للأسف أنه في دولة صغيرة إمكاناتها محدودة، طبعاً كانت لديه أموال ولديه حرية التصرف بها وهذا ربما أعطاه ميزة استخدام الأموال في أي شكل.
لم تكن هناك مؤسسات تستطيع أن تقول له لا فيما يتعلق بصرف الأموال؟
- أنهى معمر المؤسسات ورسخ نظام الفرد المطلق الصلاحيات في ما يخص القرارات السياسية وغيرها. القرآن الكريم يتحدث عن فرعون «استخفّ قومه فأطاعوه» وهو في النهاية تحول إلى فرعون.
هل كان دموياً؟
- مؤكد أنه دموي. أنا لم أعمل في الشؤون الداخلية إلا أن عمليات التصفيات للمعارضة ومَنْ كان يسميهم «الكلاب الضالة» دليل على الأسلوب الدموي. أنا لم أطلق يوماً هذه التسمية على معارِض. هو كان يحقرّهم ويدينهم ويقتلهم. كان دموياً ومتسلطاً.
ألغى مجلس قيادة الثورة وفكك الجيش وجعله كتائب لماذا؟
- إنه عدو أي مؤسسة منظمة تعمل وفق قواعد واضحة واستناداً إلى خطة. ما فعله بالمؤسسة العسكرية فعله بالمؤسسات الأخرى. تصور مثلاً أسلوب الزحف على السفارات وتشكيل لجان لإداراتها. العمل الديبلوماسي يحتاج إلى محترفين ومعلومات ولا يكفي أن يكون الشخص ثورياً أو موالياً ليتولى هذه المسؤوليات.
هذا يعني أنه أدار البلد لأربعة عقود وفق مزاجه؟
- أحد زملائنا يشبه هذه الحالة بكيس كبير (شِوال) وَضَعت فيه مجموعة من الفئران فعليك أن تحرك الكيس باستمرار حتى لا تعطيهم الوقت ليفكروا بحل للخروج منه من طريق قرضه. هو كذلك كان دائم التحريك يُصدرُ كل يوم قانوناً أو يدبر عملية وكل يوم هناك شيء مختلف. الدول تحتاج إلى الاستمرار والاستقرار في التنمية والديبلوماسية وميادين أخرى. ثمة من يعتقد أنه اعتمد أسلوب الحكم هذا لإلهاء الناس وإبقاء كل المواقع والجهات ضعيفة ومنشغلة بسلامتها أو حروبها الصغيرة.
ما هي المراحل التي مر بها القذافي؟
- خلال السنوات الخمس الأولى كان القذافي يتصرف في شكل معقول أو مقبول إلى حد ما ولغاية مؤامرة عضو مجلس قيادة الثورة المقدم عمر المحيشي سنة 1975 حين تغير بعدها وأصبح لا يثق بالجيش ولا بزملائه ولا يثق بأحد و «لخبط» المؤسسات وأصبح الجيش غير منضبط. كذلك، النظام المدني الذي حاول القذافي استغلاله: القبائل والفتن بين الناس. راح يخلق حساسيات بين القبائل وفي المدن وحاول خلق مشاكل بين مصراتة وبني وليد وفي بنغازي بين البادية والحَضَر. أتقن لعبة تأليب الناس ضد بعضها كي يبقى الحكم والمرجع الوحيد ويتيسر له الاحتفاظ بالسلطة.
القذافي إذاً حول الاضطراب سياسة دائمة؟
- كل ذلك وهو يردد: أنا لست مسؤولاً ولست رئيساً. الرئيس حافظ الأسد عندما كان في طرابلس وكنا نتحادث في موضوع الوحدة بين ليبيا وسورية قال له القذافي: أنا لا أملك صلاحيات. فقال له: يا معمر الصلاحيات التي تملكها أنت لا يملكها أي رئيس عربي.
هل هذا كان صحيحاً؟ هل كان هناك رئيس عربي يملك قدرة على التصرف ببلده وشعبه مثل القذافي؟
- فعلاً، كانت لديه حرية غير محدودة في التصرف بالمال والشعب.
كنتم تعقدون اجتماعاً أسبوعياً هل كان على دراية بالوضع الدولي؟
- في السنوات الأولى له في الحكم كانت اجتماعاتنا أسبوعية ثم تقطعت وأصبحت تعقد من حين إلى آخر إذا استجد موضوع. يقرأ الوضع الدولي انطلاقاً من مواقفه ورغباته من دون تفحص الوقائع والمتغيرات.
عندما كنت وزيراً للخارجية هل كان يستدعيك وإلى أين؟ وما كانت طلباته؟
- كان يستدعيني أحياناً إلى خيمته وأحياناً إلى مكتبه، وفي بعض الأحيان كانت لديه رسائل يريد إبلاغها وأحياناً لديه موضوع يريد إثارته، مثل موضوع الاتحاد العربي، موضوع الوحدة الأفريقية... مواضيع مختلفة.
ما هي قصة «ملك ملوك أفريقيا»؟
- أخجل التحدث في ذلك لأنه شيء غريب. فوجئنا في يوم من الأيام حين دعاني أنا والدكتور محمد أحمد الشريف، رئيس جمعية الدعوة الإسلامية، وآخرين وكان لديه ضيف من ساحل العاج طرح عليه فكرة أن يكون ملك ملوك أفريقيا. وقال لنا القذافي اجتمعوا معه، فالتقيناه ووجدناه إنساناً تافهاً، وانسحبت أنا من الاجتماع، ولم أعد إلى التطرق إلى هذا الموضوع مع القذافي إلا أنه استمر في أسلوبه. وكان هناك للأسف بعض الأفراد الليبيين الذين شجعوه على الخطأ. كانت مسألة مخجلة. كثير من الرؤساء الأفارقة ساءهم الأمر. تحدث إليّ الرئيس المالي أحمد تماني توري وقال إن هذا أمر معيب فالقذافي يدّعي في الأساس أنه قام بثورة على المَلَكية ثم يريد أن ينصّب نفسه ملك ملوك أفريقيا. ثم إن أفريقيا ليس فيها ملوك، فيها «سلاطين» أو شيوخ قبائل ولا صلاحية لهم. هو حاول استغلالهم للتشجيع على وحدة أفريقيا وكان كلامه غير منطقي ومعيباً وأساء للقذافي إساءة شخصية إذ إنه اعتُبر مهرِّجاً. طبعاً، كانت لدى معمر قدرة على شراء الذمم واستقطاب المطبلين والمزمرين في الداخل والخارج.
كيف كانت علاقته بعيدي أمين؟
- التقيت عيدي أمين أكثر من مرة وفي البداية كانت علاقتهما سياسية. عيدي أمين مسلم أوغندي وتبنى في زيارته دمشق موقفاً قوياً من إسرائيل على رغم أنه كانت لبلاده علاقات معها. جاء إلى ليبيا وقام خلال زيارته ليبيا بقطع العلاقات مع إسرائيل وكانت بداية علاقتهما جيدة. استمر القذافي بدعمه بالمال والسلاح وهو كان رئيس دولة قبل القذافي. المبرر الأساس للدعم كان موقفه من إسرائيل بعد قطع علاقاته معها. ثم انقلبت العلاقة إلى شكل آخر عندما حدثت مشكلة بين معمر والسودان بسبب طائرات تنقل الأسلحة إلى عيدي أمين. عندما كان عيدي أمين في السلطة حدث غزو لأوغندا من جانب جوليوس نيريري رئيس جمهورية تنزانيا، وشُكِّلت مقاومة للقضاء على عيدي أمين بدعم من تنزانيا. وقف القذافي إلى جانب عيدي أمين وأرسل له قوة ليبية ساعدته في مقاومة المخطط.
هل قُتِل ليبيون في أوغندا؟
- نعم، سقط ليبيون في أوغندا. كانت مغامرة غير محسوبة لأن ليبيا بلد صحراوي والجنود الليبيون متدربون في الصحراء وليس في الغابات. وجدوا أنفسهم في غابات وبعضهم لم يكن خضع لأي تدريب مناسب فراحوا ضحية مغامرة من مغامرات القذافي على رغم أن هدفها في حينه كان نبيلاً نوعاً ما. أنا زرت الرئيس نيريري وحاولنا إنقاذ الموقف وأن نمنع على الأقل الحرب لكننا تأخرنا. عندما زرت الرئيس نيريري في منزله في الواحدة فجراً تأسف لي قائلاً: «جئت متأخراً سيد التريكي إن رجلكم (عيدي أمين) انتهى أمره».
نيريري دعم الرئيس السابق أوبوتي الذي كان رئيساً سابقاً قبل قيام عيدي أمين بالانقلاب عليه، وعاد أوبوتي إلى الحكم لاحقاً قبل أن يقوم انقلاب آخر عليه قام به الرئيس الحالي يوري موسيفيني.
ثم دعم القذافي موسيفيني؟
- موسيفيني كان ضد نيريري وأوبوتي وأدار حركة مقاومة ووقف القذافي إلى جانبه بقوة ودعمه حتى عاد إلى السلطة.
ما هي مشكلة تشاد بحكم أنك كنت على اطلاع على ملفها؟
- شعبا تشاد وليبيا أقرب شعبين إلى بعضهما وفق التركيبة القبَلية. فلا توجد قبيلة في ليبيا إلا ولديها فرع في تشاد وهناك رباط وثيق بين البلدين من الناحية الشعبية. عندما حصل الغزو الإيطالي على ليبيا ساند الإخوان الليبيون الموجودون في تشاد كما التشاديون ليبيا خلال الغزو ضد الإيطاليين حتى أن والد الملك إدريس السنوسي توفي في تشاد واستشهد خلال معارك إسلامية في ذلك الوقت ضد الأوروبيين (الفرنسيين). وكانت هناك روابط وثيقة جداً بين البلدين. واستمرت هذه الروابط بصرف النظر عمّن يحكم ليبيا أو مَنْ يحكم تشاد. سلطان دارداي والد غوكوني وداي الذي أصبح لاحقاً رئيساً كان لاجئاً في ليبيا أيام الملك إدريس السنوسي وكان يتمتع بحماية. استمرت هذه العلاقات الخاصة بين ليبيا وتشاد.
هل تشبه العلاقة بين البلدين العلاقة بين سورية ولبنان؟
- لا العلاقة مختلفة فلبنان وسورية بلدان عربيان ولبنان كان جزءاً من سورية الكبرى في فترة من الفترات، وهذا لم يحصل بين ليبيا وتشاد على رغم أن جزءاً كبيراً من الأراضي الليبية استولى عليه الفرنسيون وعندما أنشأوا جمهورية تشاد ضموا جزءاً من الأراضي الليبية إليها كما ضموا أجزاء أخرى إلى الجزائر وضموا أجزاء أخرى إلى بلدان أفريقية أخرى. عندما كان الصراع بين الفرنسيين والإيطاليين على الاستعمار بعد معاهدة 1902، حصل تقسيم للمستعمرات وليبيا كانت مستعمرة إيطالية وفي ذلك الوقت عندما انهزمت إيطاليا في الحرب وُزِع جزء كبير من الأراضي الليبية على الدول المجاورة.
الفرنسيون منحوا تشاد استقلالها في عهد الرئيس فرنسوا تومبلباي وبعد ذلك ظهرت حركات إسلامية ضده وهو من أقلية مسيحية من الجنوب وبقيت حركات التمرد مستمرة في تشاد، فهناك الانقلاب الذي قام به الضباط ضد فيليكس مالوم المنتمون إلى حركة فلورينا (الحركة الوطنية في تشاد) التي انتصرت وجاءت بالرئيس غوكوني وداي. والرئيس غوكوني قام تمرد ضده من قِبَل حسين حبري وهو من قبائل شمالية لكن ضعيفة (قبيلة التَبو)... الوضع في تشاد لم يكن مستقراً أبداً. تشاد أقرب إلى السودان منها إلى ليبيا من الناحية البشرية العروبية. القبائل التي تفصل بين ليبيا وتشاد (التبو والغرهان) ليست عربية بل قبائل شبه بربرية، بينما قبائل الزغاوة مثلاً التي إلى جانب السودان عربية ومرتبطة ارتباطاً كبيراً بالسودان. مع العلم أن اللغة العربية هي اللغة السائدة في تشاد، تشاد أكثر عروبة من الصومال ومن جيبوتي، والجميع في تشاد يتكلم اللغة العربية وغالبيتهم تكتبها بمن فيها المسيحيون في الجنوب.
هل كان تدخلُ القذافي في تشاد لنصرة المسلمين؟
- الغالبية في تشاد مسلمة وهو ناصر حركة فلورينا حتى وصلت إلى الحكم برئاسة غوكوني ثم ناصر السودان حسين حبري بعدما حدثت عداوة بين القذافي والنميري. وصل حبري إلى السلطة وكان دموياً وقتل حوالى 40 ألف شخص خلال حكمه، وهو مطلوب الآن من محكمة الجنايات الدولية وأقاموا له محكمة أفريقية في دكار. كان هناك كرّ وفرّ بين الفئات التشادية، وكل يوم فرقة، إلى أن وصل الرئيس الحالي إدريس ديبي الذي كان موجوداً في السودان وساعده الليبيون أيضاً وتمكن من القضاء على حسين حبري.
ما هو الشريط المتنازَع عليه؟
- كما ذكرت تلك الأراضي كانت أساساً ليبية أعطُيت لتشاد، لكن بعد الحصول على استقلال الدول الأفريقية اعتمدت الحدود الاستعمارية كحدود دول. مشكلة شريط أوزو نتجت عن أخطاء ليبية أيضاً لأن ليبيا لم توفّق عند لجوئها إلى محكمة العدل الدولية الملزَمة باتفاقات بين دول، والاتفاق الفرنسي – الإيطالي حدد الشرعية لتلك الحدود. منطقة أوزو ليس فيها أية ثروات كبرى متنازع عليها.
كم أنفقت ليبيا في تشاد؟
- ليس لدي أية إحصاءات دقيقة لكن مبالغ مالية كبيرة أُنفِقَت في تشاد سواء في الحروب أو في تقديم المساعدات.
ما هدف سياسة القذافي الأفريقية؟ هل كان يطمح إلى نشر الإسلام وبناء مساجد وإلى الدعوة الإسلامية؟
- كان هناك عمل لنشر الإسلام في أفريقيا تولته جمعية الدعوة الإسلامية الليبية. الإسلام منتشر في أفريقيا قبل جمعية الدعوة الإسلامية وربما كان انتشار الإسلام رد فعل الأفريقيين على الاستعمار. المسيحية لم تكن عميقة في تشاد ولا في أفريقيا كلها ولم يكن لها جذور، أو جذورها ضعيفة. المسيحية أتت مع الاستعمار بخلاف الوثنية. الإسلام انتشر في أفريقيا من طريق القبائل في تومبكتو وفي الشمال وفي شرق أفريقيا.
هل هناك رؤساء أفارقة اعتنقوا الإسلام بسبب تأثير القذافي؟
- هناك رئيس أفريقيا الوسطى السابق جان بيديل بوكاسا، ورئيس الغابون السابق عمر بونغو وابنه الرئيس الحالي علي بونغو. عائلة بوكاسا لم تستمر في الإسلام في حين استمرت عائلة بونغو.
هل عرفت بوكاسا؟
- التقيت به أكثر من مرة وهو رجل أهبل وساذج ومجنون.
حدثنا عن الرؤساء الأفارقة.
- بعض الزعماء الأفارقة غريب الأطوار. بوكاسا كان يعتقد نفسه إمبراطوراً وملك الملوك وأدار إمبراطورية أفريقيا الوسطى وتوّج نفسه خلال احتفال كبير وانتهى حكمه بانقلاب عسكري. كثير من الرؤساء الأفارقة كانوا في فترة الاستعمار الفرنسي جنوداً. بوكاسا مثلاً كان جندياً في فيتنام مع القوات الفرنسية حيث كانت لديه صديقة فرنسية أنجبت له ابنة اسمها لامارتين. وعندما أصبح رئيساً لأفريقيا الوسطى طلب من الأميركيين أن يجدوا له ابنته فأحضر له الفرنسيون شابة وادّعوا أنها ابنته، وكان ذلك خلال حكم فاليري جيسكار ديستان. واتضح له أنها ليست ابنته ثم جاؤوه لاحقاً بابنته الحقيقية.
بعض الرؤساء الأفارقة الذين قاموا بانقلابات عسكرية كان جنوداً وقليل منهم من الضباط في الجيش الفرنسي أيام الاستعمار. طبعاً، بعض رؤساء أفريقيا رجال عظام مثل رئيس النيجر الراحل هاماني دوري الذي كان عضواً في البرلمان الفرنسي، والرئيس فيليكس هوفويت بوانيي الذي كان وزيراً للصحة مع الجنرال ديغول.
أفريقيا الأنغلوفونية كان فيها حركات تحرر ومن قادتها الرئيس جوليوس نيريري الذي قاد حركة تحرر، والرئيس جومو كينياتا في كينيا وكان ضمن الحركة المقاوِمة الماو ماو التي كانت تقاوم الإنكليز وقام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بدعمه ثم اعتقله الإنكليز ومنعوا عنه شرب الماء لمدة ستة أشهر حيث كان يُسقى فقط الويسكي والخمور فأصبح مدمناً على الكحول. الرئيس كينياتا من قبيلة كبيرة وانضم إلى حركة الماو ماو المقاوِمة وقتله الإنكليز نفسياً أثناء سجنه.
ذهبت إلى مقابلة الرئيس جومو كينياتا في كينيا بوساطَة من عيدي أمين رئيس أوغندا الذي كانت لديه علاقة طيبة معه. كان الغرض من الزيارة نقل مقر منظمة الوحدة الأفريقية من أديس أبابا نتيجة علاقات إثيوبيا بإسرائيل. وعوض أن أنتقل من أوغندا مباشرة إلى كينيا مررت بمقديشو للقاء الرئيس سياد برّي في الصومال وتحادثنا وأبلغونا أن الرئيس كينياتا ليس في نيروبي بل في مومباسا وهي منطقة عربية ساحلية ومَصيف معظم سكانها عرب من الجزيرة العربية وفيها مصفاة نفط.
حُدد موعد لي فتوجهت للقائه وكان عنده وزير الخارجية الكيني إمبيكا الذي أبلغه أنني أحمل رسالة من معمر القذافي. كانت الرسالة شفهية وليست مكتوبة. فدخلت على الرئيس ووجدت أربعة يحملونه على ما يشبه السرير المتنقل ثم أجلس على الكرسي وسألني: هل أنت مبعوث من معمر القذافي؟ قلت له نعم. قال: هل معك الرسالة؟ قلت إن الرسالة شفهية. سألني هل تحمل جواز سفرك؟ قلت له إنه ليس معي بل في الطائرة الخاصة الصغيرة التي أقلتني. وانبرى وزير الخارجية واسمه القبلي مودينغا يشرح له أنني مبعوث أحمل رسالة شفهية فوافق على سماع رسالتي بعد أن وُضعت في موقف حرج حين طلب مني للمرة الأولى رئيس دولة جواز سفري. شرحت له عن العلاقات الإثيوبية – الإسرائيلية التي نريد بسببها نقل مقر المنظمة من أديس أبابا. كان رده: تريدون نقل المقر فقط بسبب العلاقات الإثيوبية – الإسرائيلية، مع السلامة أيها السيد الوزير، وتركني وغادر مكان الاجتماع.
بعد انتهاء اللقاء قال لي مودينغا وزير الخارجية الكيني إنه يريد أخذ الطائرة التي أقلتني. وأضاف نحن نزودك بتذكرة سفر وأنت تترك لنا الطائرة. قلت له إنني متوجه الآن إلى بوروندي وبعد عودتي أرسل لك الطائرة. وكانت تلك حيلة مني لمغادرة كينيا وبالطبع لم أرسل إليه الطائرة الخاصة لاحقاً.
ماذا لديك عن بوكاسا؟
- توجهت إلى «الإمبراطور» بوكاسا في زيارة. ذات يوم كان سيفتتح مقر العاصمة الجديدة بدلاً من بانغي. استدعى السفير الروسي والسفير الأميركي والسفير الفرنسي، سفراء الدول الكبرى، وقال لهم نريد أن تكون هنا العاصمة الجديدة وهذا الشارع اسمه شارع الجنرال ديغول تبنيه فرنسا والشارع الثاني اسمه روزفلت تبنيه أميركا. خاف السفير السوفياتي من أن يُطلب من بلاده بناء شارع باسم غورباتشوف فتظاهر أنه أغمي عليه ليتخلص من «مدينة بوكاسا». كان بوكاسا يتندر بتلك الحادثة أمامي وهو كان مدركاً أنها حيلة من السفير السوفياتي.
جاء إلى أفريقيا الوسطى وفد من الأمم المتحدة للإحصاء وكان رئيس الفريق تونسياً فقابل الرئيس بوكاسا وأبلغه أن الإحصاء أنجِز والحصيلة أن عدد سكان أفريقيا الوسطى أربعة ملايين ونصف المليون نسمة. فقال له بوكاسا لا، عدد سكان أفريقيا الوسطى عشرة ملايين وأودع الموفد التونسي السجن. اضطررنا إلى التوسط لإخراجه من السجن.
مَنْ من الرؤساء الأفارقة الذين زرتهم اتهم بأكل لحوم البشر؟
- يُقال إن بوكاسا كان من آكلي لحوم البشر، لكن حتماً ليس عيدي أمين فهو مسلم، وكان في الكونغو قبائل من آكلي لحوم البشر لا أعرف ما إذا اندثرت الآن، والرئيس موبوتو سيسي سيكو رئيس زائير الذي كان معروفاً عنه أنه يحب أكل دماغ القرد.
موبوتو سيسي سيكو وازابانغا إنسان أهبل وساذج ومغرور، وأطلق على نفسه تلك التسمية التي تعني الديك الذي يعاشر كل الدجاجات. كان ضابطاً في الجيش البلجيكي ثم قام بعملية انقلابية ضد الرئيس الراحل باتريس لومومبا وقتله وأنهى كازابوغو رئيس الجمهورية السابق وانتقل من ضابط إلى حاكم مطلق لزائير البلد الكبير.
ماذا أيضاً عن بوكاسا وبقية الرؤساء الأفارقة؟
- بوكاسا كان مغروراً وكان يسألني هل سمعت خطابي في الأمم المتحدة؟ فأقول لا، فيرد وكيف لا، يجب أن تسمعه وكذلك خطاب الجنرال يعقوب غاوون رئيس نيجيريا لتعطيني رأيك أي الخطابَيْن أفضل. هو كان ساذجاً لكنه كان مسيطراً على الوضع في زائير – الكونغو حيث الحكم كان بالعنف والقتل والفساد.
حدّثني صديق فرنسي، وهو رجل أعمال كان على الباخرة الرئاسية في رحلة عبر نهر الكونغو عن حادثة كان شاهداً عليها: لم تعجب موبوتو سيسي سيكو خدمة أحد الندلاء فطلب من مرافقيه رميه إلى التماسيح في النهر وطبعاً سارعوا إلى تنفيذ تعليماته.
من نوادر عيدي أمين أنه كان يحضر أربعة بريطانيين من العاملين في البلد لحمله على الأكتاف في عربة، ويفتخر أنه أذل الإنكليز. كما كان يقيم سباقات للسيارات وينضم إلى السباق قبل نهايته بقليل ليربح هو السباق. لكن علاقاته العربية كانت جيدة.
سياد برّي رجل ماركسي يساري وكان يريد إنشاء حزب شيوعي لنشر الشيوعية في الصومال ولم ينجح في ذلك. حكم الصومال بيد من حديد ونار لكنه حافظ على الصومال موحداً.
ما كان رأي الرؤساء الأفارقة في القذافي؟
- كان لديه أنصار في القارة الأفريقية خصوصاً عندما سعى للوحدة الأفريقية وصرف عليها الأموال. ليسوا كلهم جديين بل ولاء البعض كان نتيجة التأثير المادي. وفي قضية طائرة لوكربي مع البريطانيين أظهر الأفارقة مساندة لليبيا. الرؤساء الأفارقة يساندون أي بلد أفريقي ضد أي بلد من خارج القارة.
(غداً حلقة رابعة)
لقراءة الحلقة الأولى اضغط هنا
لقراءة الحلقة الثانية اضغط هنا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.