الصقور يركز على التمرير    ذهب العرب للأخضر    35.4 مليار ريال حصيلة اتفاقيات ملتقى بيبان 24    وزير الحرس الوطني يفتتح قمة الرياض العالمية للتقنية الحيوية الطبية    المملكة.. ثوابت راسخة تجاه القضية الفلسطينية والجمهورية اللبنانية    استخراج جسم صلب من رقبة شاب في مستشفى صبيا    وزير الخارجية يبحث أوضاع غزة مع رئيس وزراء فلسطين    نائب وزير الخارجية يلتقي نائب وزير الخارجية الإندونيسي    الغامدي والعبدالقادر يحتفلان بعقد قران فراس    وزير الخارجية يترأس اجتماع وزراء الخارجية التحضيري للقمة العربية والإسلامية غير العادية        ضمن مبادرة " أرض القصيم خضراء" بلدية محافظة الأسياح تزرع 5630 شجرة    تعليم الطائف يلتقي بحراس الأمن في المدارس    السعودية تدين الهجوم الإرهابي على محطة قطار في إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان    أمير القصيم يستقبل رئيس المحكمة الجزائية في بريدة    أمير القصيم يكرّم وكيل رقيب الحربي    بيشة: ضبط مخزن للمواد الغذائية الفاسدة داخل سكن للعمال    أمير الرياض يستقبل مدير فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمنطقة    «مجلس التعاون» يدين الاعتداء الإرهابي الغادر الذي استهدف قوات التحالف في سيئون    البحرين تعزي المملكة في استشهاد ضابطين بتحالف دعم الشرعية اليمنية    آل الشيخ يرأس وفد المملكة في الاجتماع الثامن عشر لرؤساء المجالس التشريعية الخليجية في أبو ظبي    منسج كسوة الكعبة المشرفة ضمن جناح وجهة "مسار" بمعرض سيتي سكيب العالمي المملكة العربية السعودية    حساب المواطن: 3.4 مليار ريال لمستفيدي دفعة شهر نوفمبر    "هيئة النقل" تنفّذ أكثر من 366 ألف عملية فحص على خدمات نقل الركاب والبضائع خلال أكتوبر    "الصحة" تحيل ممارسين صحيين للجهات المختصة بعد نشرهم مقاطع غير لائقة    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تشارك في "ملتقى الترجمة الدولي" بالرياض    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على تبوك والجوف والحدود الشمالية    خلال الاجتماع الوزاري لدول مجموعة العشرين بالبرازيل:المملكة تؤكد التزامها بالحفاظ على التراث الثقافي    والدة الأستاذ علي زكري في ذمة الله    جمعية «صواب»: برنامج متخصص ل39 شاباً متعافياً من الإدمان بجازان    الرئيس الموريتاني يزور المسجد النبوي    الأمريكية "كوكو جوف" بطلة الفردي في نهائيات رابطة محترفات التنس    محافظ جدة يتوج الفائزين في فعاليات بطولة جمال الجواد العربي    قنوات عين تحصد ثلاث عشرة في خمس مسابقات دولية خلال عام 2024    8 توصيات طبية تختتم مؤتمر طب الأعصاب العالمي    برعاية خالد بن سلمان.. وزارة الدفاع تنظم الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين    التفاؤل بفوز ترمب يدفع «S&P 500» لتسجيل أعلى مكاسب أسبوعية    هيئة العقار ل «عكاظ»: «فال» و«موثوق» شرطان لإعلانات المنصات    ضمك يتغلّب على الوحدة بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    الحزم يزاحم نيوم على صدارة يلو    الفيفي: 34 % من الطلب الرقمي الحكومي للمنشآت الصغرى.. بلغ 32 ملياراً    20,778 مخالفاً في 7 أيام وترحيل 9254    «فهد الأمنية» تستضيف مؤتمر الاتحاد الدولي لأكاديميات الشرطة    «ألفا ميسينس».. تقنية اصطناعية تتنبأ بالأمراض    5 نصائح لحماية عينيك من الالتهاب    ياباني يحتفل بذكرى زواجه الافتراضي    فيسبوك وإنستغرام يكافحان الاحتيال بتقنية الوجه    مراسل الأخبار    انطلاق التمرين السعودي المصري«السهم الثاقب 2024»    يجوب مختلف مناطق المملكة.. إطلاق «باص الحِرفي» للتعريف بالفنون التقليدية    حديث في الفن    وزارة الدفاع تنظم الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين نوفمبر الجاري    فطر اليرقات يعالج السرطان    فهم ما يجري بالمنطقة من اضطرابات.. !    استحالة الممكن وإمكانية المستحيل    «منطاد العلا»    الشؤون الإسلامية تنفذ ١٣٣٥ جولة رقابية على جوامع ومساجد ومصليات ودور التحفيظ وجمعيات التحفيظ بمدينة جيزان    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحولات الرئاسة والسياسة وكتل الرأي العام والصحافة وعلاقة الخاص بالعام ... تخرج دراما اجتماعية على مقاس كوني . وراء تقرير كينيث ستار "البورنوغرافي" سيرة مجتمع أميركي متلاطم النزعات والحوادث
نشر في الحياة يوم 24 - 09 - 1998

تقدم الوجه الذي يدل على المعاني الشخصية والخاصة مثل الإباحة والاسترسال مع الهوى، في قضية الرئيس الأميركي بيل كلينتون والسيدة مونيكا ليوينسكي، على الوجوه العامة، الاجتماعية والثقافية والسياسية، التي تتصل بها القضية وعملت على إذكائها. فانبهر الإعلام الصحافي اليومي، إعلام وكالات الأنباء السريع والبرقي وإعلام الومضات التلفزيونية والإذاعية الخاطفة، بما يبهر في القضية مثل القرب والمجاورة بين مباشرة السلطان والقوة وبين الانقياد للرغبات والشهوات، أو مباشرة رجل السياسة البارز والمكتهل سناً وخبرة الباه وصوره على شاكلة المراهقين ومدمني مجلات العري، أو العلاقة بين الرجل العام الممتحن في صدقه واستقامته وبين زوجته وشريكته في الموقع المنظور، "سيدة" الولايات المتحدة الأميركية "الأولى".
ولعل هذا الوجه هو الذي أراد المستشار، أو المدعي المستقل القاضي كينيث ستار، توجيه النظر اليه، وقصره عليه" وهو وجه "الدعارة" البورنوغرافيا التي يُقصد بها "المتزمتون" ديناً وخلقاً، على ما ذهب اليه المؤرخ والمعلق الأميركي شون فيلينتز عشية "تعليق" المدعي تقريره على الشبكة. ولا يشك الذين يعرفون السيد ستار من قرب أو بعد، ومتعقبو آثاره، في أن القاضي الجنوبي، التكساسي، ومجايل كلينتون، وعضو جمعية رجال القانون الفيديرالية المحافظة، وصاحب الروابط المتينة بالجناح اليميني المتطرف من الحزب الجمهوري - لا يقل انبهاراً في موضوع تحقيقه وتهمته من بعض الجمهور الصحافي. ويلخص المحقق، المستميت في تقصيه الوقائع والدقائق، دعواه في "قضية" السيد كلينتون، وهي جماع قضاياه كلها من "وايتووتر"، الشركة العقارية، إلى التهمة بتمويل الحملة الرئاسية الثانية بأموال صينية آسيوية المصدر، في تهمة الرئيس ب"المعيد" والمكرر الجرم الجنسي. وعلى رغم اضطرار القضاء، في أعقاب نيف وثلاث سنوات، إلى ترك التعقب والمقاضاة في حق بيل كلينتون، في دعويي "وايتووتر" والسيدة بولا جونز، لانتفاء دليل الجرم، لم ينفك القاضي ستار يأخذ بتهمة الجريمة الجنسية المتمادية والتستر عليها بالكذب.
فالقاضي الجمهوري والمحافظ على يقين مكين بأن الرئيس الديموقراطي، المجاهر بسيماه الفتية، وغير المنكر تنصله من السفر إلى الخدمة العسكرية في فيتنام، والمعترف على بعض التحفظ بتجربته لفافتي ماريجوانا في فتوته، لم يتولَّ الرئاسة الأميركية إلا متسللاً ومتخفياً عن أعين الأميركيين المستقيمي الدين والخلق والمواطنية. وعمل القاضي، وهو عامل موظف من عمال القضاء، وخادم القانون، والمواطن الأميركي، والمسيحي المؤمن، عمله هو كشف قناع الزيف والرياء الذي يتقنع به، على زعم ستار، بيل كلينتون. وفي سبيل إزالة هذا القناع لم يتخلف المدعي عن تجنيد الموظفة الجمهورية في البيت الأبيض، السيدة ليندا تريب، "صديقة" السيدة ليوينسكي، في الإيقاع بهذه، وتسجيل روايتها الغرامية من غير معرفتها بمساعدة حثيثة من المباحث الفيديرالية وبتفويض من المحقق.
وعلى هذا يقوم القاضي بمهمات عمله ووظيفته وسلكه، ويستجيب داعي ضميره الخلقي والديني، ويضطلع بواجب المواطن. وهو يصدر عن هذه الدواعي مجتمعة حين ينشب أظافره المعمدانية والمتزمتة، الحَشَوية، في سيرة بيل كلينتون "الخاصة". ولم ينس القاضي التنويه، في تقريره الاتهامي، بأن "الحياة الخاصة"، على مذهبه واعتقاده، إنما هي الحياة الخاصة "العائلية". ولا حياة خاصة غيرها يتعلل بها رئيس الولايات المتحدة الأميركية أو أي مواطن أميركي غيره.
وهذه الحياة الخاصة، العائلية، لم يقحم تقصيه واستخباره في حوادثها وخيوطها، بل تركها وشأن الزوجين كلينتون وبنتهما.
وحين ترد السيدة هيلاري كلينتون الجواب على المدعي المستقل فتنسب عمله، واستماتته في تحقيق ما لا تلوح له لائحةٌ قرينةً عليه شأنه في قضية بولا جونز، إلى تآمر يميني متطرف، تُغفل زوجة الرئيس الباعث الشخصي والحميم الذي يحدو رجلاً مثل السيد ستار على غلوه في عمله ومبالغته فيه على مثال التفتيش الإسباني والكاثوليكي. ومثل هذا الباعث الشخصي جزء من اعتقاد ديني وأميركي شائع يرده غير مراقب ومؤرخ إلى التراث الإصلاحي البروتستانتي، أو إلى ترعة من ترعه. ويغلِّب هذا التراث تهمةَ المرء الخاطىء نفسَه، وفحصه المرير والملح عن دواعيه الدنيئة إلى الفعل، على واسطة الكاهن الساقطة واللاغية بين المرء وخالقه.
وتحقيق السيد كينيث ستار، طريقة وموضوعاً، هو وليد حوادث ثقافية واجتماعية وسياسية أميركية يجوز حمل بعضها، مثل التزمت الحشوي في أمور الجنس، أو الهجاسي الإجرائي والقانوني الذي نبه اليه مراقبون غير أميركيين في أوائل القرن الماضي، على "ثوابت" تلازم المعاملات الأميركية اليومية منذ نشأتها وتبلورها. ويعود بعض هذه الحوادث الآخر إلى العقد السابع الستينات والعقد التاسع الثمانينات. ولا شك في أن الأعوام الستة، على وجه التقريب، المنصرمة من ولايتي الرئيس الأميركي الثاني والأربعين، إلى سيرة الرئيس نفسه، قبل الولاية الرئاسية وفي أثنائها، سببٌ بارز في الطريقة التي يتناول عليها تقرير القاضي التكساسي، وتتناول عليها الصحافة الأميركية، أفعال بيل كلينتون.
فيؤرخ بعض المراقبين الأميركيين مثل شون فيلينتز وريتشارد بيرنستين، الناقد الأدبي في "نيويورك تايمز" لتجييش الكراهية والضغينة على من يتولى الرئاسة الأميركية، أي على شخصه، بالرئيس الديموقراطي ليندون جونسون. وجونسون كان نائباً للرئيس جون كينيدي، حين قتل هذا في خريف عام 1963 بتكساس" فأتم الولاية، وأعيد انتخابه، رئيساً أصيلاً، لولاية ملأت الأعوام 1965 - 1968. واجتمعت مسألتان لاهبتان في نصف العقد الذي تولى في غضونه ليندون جونسون الرئاسة الأميركية هما حرب أميركا بفيتنام، وتعاظم التورط فيها، وبلوغ حركة السود الأميركيين المدنية أوجها.
والمسألتان قسمتا الأميركيين على نحو بالغ. فحمل الشباب الأميركي، والأهالي، على الخدمة العسكرية القاتلة في حرب برية بعيدة لا هوادة فيها، حملةً اغتذت من مصادر كثيرة ليست المصادر الخلقية إنكار القتل الصناعي والثقافية ظهور جيل العشرينيين وطلبه المتعة والحرية الشخصية أضعفها أثراً وفعلاً. وجاز وصف الرئيس الأميركي كل يوم من هذه الأيام الطويلة، بالقاتل. وعمد إلى وصفه بهذه الصفة الأميركيون "اليساريون"، الليبراليون، والسود، والنساء. وهؤلاء، مجتمعين، هم قاعدة الحزب الديموقراطي التقليدية والاجتماعية الثابتة. وفي الأثناء كان جونسون نفسه ينتهج سياسة "عرقية" مناهضة للتمييز العنصري. فيكرس اختلاط أولاد السود والبيض في المدارس وفي حافلات النقل المدرسي، ويصرف اعتمادات فيديرالية كبيرة لرعاية أحياء السكن الملون في المدن، ويفتح باب ارتقاء اجتماعي أدى في العقود الثلاثة اللاحقة إلى نشأة بورجوازية متوسطة ملونة عريضة - تولى بعض أعلامها مناصب سياسية وادارية وعسكرية بارزة.
فجيَّش الوجه الثاني من ولاية جونسون أحقاد شطر آخر عريض من الأميركيين هو غير الشطر الأول. وبعثت المسألتان، الحرب واللون، على مشاعر وأهواء لا تعرف التوسط ولا الاعتدال، ولا تميز الخاص والشخصي من العام والسياسي. فأقصي الديموقراطيون عن الرئاسة، في أعقاب هذه الدوامة، فوق العقدين من الزمن، إلى حين عودتهم مع بيل كلينتون، في 1992 - وكانت رئاسة السيد جيمي كارتر الديموقراطي، غداة "خلع" ريتشارد نيكسون وأزمة "غولدووتير"، تعليقاً ظرفياً وعارضاً للفظ واستبعاد "مزاجيين"، أي مرتبطين بالهوى فوق ارتباطهما بالتعليل والمصلحة.
ولعل بعض ما جرى في ذلك الوقت يعود اليوم على صورة الثأر والرد. فبعض الذين اضطلعوا بدور بارز في حمل الرئيس الجمهوري على الاستقالة، استباقاً لإفضاء الإجراءات الدستورية إلى الإقالة أو "الخلع"، هم من الديموقراطيين، سياسيين وصحافيين. ولم يمسك هؤلاء عن الاحتفال بالأمر، ولا عن إزجاء المديح الدستوري له، على رغم وقعه الأليم وأصدائه الكابوسية. وعلى جاري الحال في الحياة السياسية، كل حياة سياسية ولا سيما ديموقراطية، اختلطت الأهواء بالمصالح والمنافع والحجج، وسعت كلها في ارتداء حلة القانون والفضيلة.
فمال شطر جمهوري محافظ مع الديموقراطيين، ورجح كفة المطالبين بالاستقالة، على رغم فرق بين حماسة النخب وتحفظ الجمهور يعود اليوم إلى الظهور، مال هذا الشطر مع خصومه لا لعلة إلا مناهضة سياسة نيكسون وكيسينجير الخارجية، والآسيوية الصينية على وجه التخصيص والسياسة الآسيوية من جديد موضع منازعة، فاضطر نيكسون إلى الإستقالة، في 17 آب أغسطس 1974 و17 المنصرم هو تاريخ مثول بيل كلينتون بين يدي المحلفين، حمله عليها، إلى مخالفته القانون مخالفة موصوفة، تحالف الخصوم الحزبيين وبعض الأنصار من اليمين الجمهوري المتطرف والمناهض إدخال الصين الشيوعية في إطار العلاقات الدولية "الكبيرة". وهذا اليمين المتطرف، وبعضه جمهوري وبعضه ديموقراطي جنوبي وعنصري، يكره بل يزمن كراهية الرؤساء الأقوياء ولو خرجوا من صفوف حزبه. فالرئيس الأميركي القوي يمثِّل على قوة سياسة الدولة الفيديرالية، أي على قوة "الشيطان"، على مذهب مفجِّري المجمع الحكومي بأوكلاهوما، عاصمة الولاية، قبل نيف وسنتين.
ويَجمع بيل كلينتون عليه، شخصاً ورئيساً، وجوه كراهية وضغينة كثيرة الأوجه، يحصيها الروائي الأميركي جيروم شارين في مقالة وقفها على هذا الإحصاء. فهو يكاد يكون لقيطاً، وولد لأب توفي قبل ولادته بثلاثة أشهر، واستلحقه ونسبه إلى إسمٍ زوجُ والدته" والوالدة تترجح بين سكر أوقات الشراب وبين صحو أليم ومعذَّب من هذه الأوقات" وطالب المحاماة الشاب واللامع عصامي لايدين بنجاحه إلا إلى ذكائه وعناده" والسياسي المبتدىء قارىء ومثقف وكان أستاذه في مادة الاقتصاد بها رفرد وزير تجارته في الولاية الأولى في "بيئة" سياسية رئاسية "تقرأ" "صحافة الكوميكس" الأثيرة لدى الرئيس دوايت آيزنهاور" والسياسي المجرَّب استولى على الحزب الديموقراطي من غير الصعود إلى واشنطن، فكان حاكم ولاية تلازم اسمُ عاصمتها، ليتل روك، مع "تعليق" بعض زنوجها "ثماراً غريبة على أغصانها"، على ما يغني "البلوز" النسائي الأسود، ولم يكن يوماً شيخاً ولا رجل جهاز حزبياً" وضوى الرجل إليه، والى دائرة الخلص من الأصحاب والأقران، فيرنون جوردان وبيتي كاري، السوداوين، وخالط فرق الموسيقى السوداء، ولم يكن البيانو آلة عزفه هاوياً" وأراد قبل أشهر قليلة توجيه رسالة اعتذار إلى السود الأميركيين، بإسم الأمة الأميركية كلها، عن الآلام التي أوقعها فيهم تاريخهم الأميركي، فأشار عليه بعض المقربين النافذين بالامتناع من الانتحار السياسي هذا" وحاكم أركنساو أركنساس ثم الرئيس في البيت الأبيض، تشاركه السياسة امرأة هي بين ألمع المئة محامٍ الأوائل في الولايات المتحدة الأميركية، وهي المستشارة المسموعة الكلمة في أكثر الأمور دقة مثل مشروع الضمان الصحي العام الذي أفشله الجمهوريون في عام 1993" وهذه الشراكة النسائية المعلنة وغير المقتصرة على "الدور" الزوجي التقليدي، من عطف وحدب وتوارٍ، لم يفتعلها الرئيس كلينتون بل باشرها طوعاً وكأنها من بدائه الأمور" وحارب الرئيس المستقر شركات التبغ الكبيرة، فحال دون إعلانها عن سلعتها المميتة، واستعدى شركات الدواء وبعضها حليف شركات التبغ...
فإذا كان الرجل هو نفسه من عاد الحزب الديموقراطي من طريقه إلى الرئاسة، لولايتين متعاقبتين، منذ انقطاع طويل، وكانت عودته هذه بواسطة سياسة متماسكة خلفت الريغانية، وآذنت بسياسة "وسط يسار" اجتماعية ش.فيلينتز - سبقت عودة الإشتراكية - الديموقراطية الأوروبية إلى الحكم بأوروبا، طوني بلير البريطاني قبل ليونيل جوسبان الفرنسي والشماليين وربما الألماني شرودير وشيكاً - تمَّت أسباب الضغينة، وجمعت العلة السياسية والحزبية إلى العلل الصادرة عن الهوى والميل والرأي والمنفعة.
فلا عجب إذا احتمل الجنوبيون المحافظون والمتزمتون القسط الأعظم والمباشر من أعباء الإيقاع بالرئيس الأميركي الثاني والأربعين. ويروي صحافي "الأوبزيرفر"، إِدْ فويلامي، خبر الوقيعة وشبك خيوطها، وقائعَ وأسماء. ويستوقف من رواية الصحافي، اجتماع السياسي العنصري وقاضي المحكمة العليا المحافظ في شخص عدو بيل كلينتون المحلي، جيم جونسون، المعروف ب"بجاستيس العدالة أو العادل جيم". وهو يخلص من تقصيه خيوط العلاقات والأحلاف والمساندة والتحريض إلى ضلوع عدد قليل من أنصار "دجاستيس جيم" - شيفيلد نيلسون وكليف جاكسون ولاري نيكولز وريتشارد ميلون سكايف، وهم خليط من ديموقراطي سابق وموظف فاسد ومصرفي حاقد - في العثور على باولا جونز وجينيفير فلاورز، وتحريضهما على تهمة بيل كلينتون. فقاضته الأولى طوال 1994 - 1997، وساندتها لجنة أهلية، نواتها عصبة جيم جونسون، جمعت "أتعاب" محامي السيدة جونز الباهظة، والبالغة نحو سبعة ملايين دولار، في أثناء السنوات الأربع من المحاكمة. وأقنعت مئة ألف دولار السيدة فلاورز بالإدلاء بأسرار علاقة سابقة بالرجل كانت شديدة الاختصار قبل المقايضة بالمبلغ.
والمقاضاة الطويلة في قضية "وايتووتر"، والآيلة بدورها إلى وقف التعقب لعدم كفاية الدليل، هي كذلك من بنات تحريض العصبة الجنوبية. ولا يتستر جيم جونسون على مقصده وغايته من نهجه "الجنسي" في تعقب كلينتون. فهو يقول ان الفضائح الجنسية ليست إلا معالم على الطريق المفضية، على ما يأمل ويرجو، إلى إثبات فساد الرئيس وأصحابه وإدارته، وضلوعهم في الإتجار بالمخدرات التي تحط الطائرات الآتية من جنوب أميركا، محملة بها، في مطار مينا، بأركنساو، على حسب هذيان الرجل. لكنه، جيم جونسون، مضطر إلى التوسل بالجنس لأن مواطنيه لا يهتمون لشيء آخر. والى قاضي المحكمة العليا السابق، وهو رئيس "مجلس المواطنين البيض"، يعود الاحتجاج بتنصل كلينتون الشاب من الخدمة العسكرية بفيتنام على ضعف وطنيته، وضعف جدارته، وهو "مدمن" المخدرات وصديق السود وكفء المرأة، بالرئاسة الأميركية.
وجواز تسليط تحقيق متماد، يتطاول سنوات كثيرة، على مظنون، ولو لم يؤدِّ التحقيق إلى إثبات قرينة واحدة دامغة، هو ربما من ذيول قضية "ووترغيت"، قبل ربع قرن، ومن أصدائها المسمومة. ففي أعقاب ضلوع الرئيس نيكسون في سرقة وثائق من مكتب الحزب الديموقراطي، بواسطة الكسر والخلع، عن يد عمال سمكرية، وإنكار الرئيس الجمهوري علمه بالسرقة وضلوعه فيها ورفضه تسليم تسجيلات هاتفية تدينه، ورشوة شهود بناء على أمره، وصرف الرئيس القاضي المكلف التحقيق أرشيبالد كوكس في تشرين الأول/أوكتوبر 1973، بعد سنة من توليه التحقيق، في أعقاب مثل هذه الأمور التي تولت الصحافة فضحها، تحول الرئيس الأميركي محل تهمة غير مقيدة بقيد المنطق والاعتدال. وأوكل القانون 1978 إذ أنشأ هيئة الإدعاء المستقل والحصين من العزل الرئاسي أو حتى من الاحتماء بامتياز السلطة التنفيذية النسي، وذلك جواباً عن مراوغة نيكسون، أوكل إلى قاض، لا تطاوله سلطة، عملَ الظن الدائم.
وتولت الصحافة الأميركية، وهي صحيفة "رواية" الخبر "المحققة" أو على وجه التحقيق، غداة تعاظم منافسة شبكات التلفزة لها على وجود الخبر الجديد وعلى إثارته، تولت تعظيم الأخبار المثيرة وأصدائها من غير حساب. فضعف تحقيق الخبر، أي التحقق من صدق مصدره وعرضه على مصادر كثيرةٍ وثقةٍ. وفشت فضائح صحافية، السبب في معظمها كذب الصحافيين، ونَحْلهم المصادر، وانتحالهم نقلاً عن مصادر مخترعة، وإطفاؤهم عواقب الكذب من طريق الرشوة والتعويض المعنوي الخفي. وكان "الكشف" عن صاحب متفجرة الألعاب الأولمبية بمدينة أتلانتا، في 1996، من آيات الخفة الصحافية الجديدة والمسترسلة. فأجمع الصحافيون على تهمة شرطي سابق، وأبرزوا القرائن على الجريمة، وهي تخمينات في طفولته وعلاقاته بزملائه وسكنه وحيداً، ودين الرجل، ثم تهاوت القرائن كلها حال ابتداء التحقيق الجدي. واشترت شبكات التلفزة رجوع الشرطي السابق عن مقاضاتها، وهذه المقاضاة ليست في متناول الرئيس كلينتون ولا غيره من السياسيين، بالمال الوفير.
وعلى نحو قريب من هذا شاعت قضية السيدة ليوينسكي. فلم يكن على صاحب موقع "درادج ريبورت" على الشبكة، السيد مات درادج، إلا إذاعة مقال صحافي "نيوزويك"، ميكاييل إيزيكوف، حال تناهى إلى علمه أن مدير التحرير في الصحيفة الأسبوعية تحفظ عن نشر المقال غير المحقق، على ما أقر كاتب المقال نفسه وأعتذر عن الأمر إلى الرئيس كلينتون. فمثل آلة النشر هذه، إذا اجتمعت إلى ضعف المعايير المهنية، وأوكلت تمييز الأخبار إلى مضاربة لا قيد عليها، لا يؤمن أن تتحول إلى آلة مجنونة.
ويعزو بعض المراقبين فريدريك دوزيه الفرنسية، وكارل برنستين وريتشارد بيرنستين الأميركيان خفة بعض الصحافة الأميركية المتفاقمة، وفتحها الباب بوجه رياح الشائعات والدعاوى الهوجاء، وسعيها في الإثارة المتجددة، وميل كثرة من محرريها إلى الأخذ بأحكام الجمهور المتزمت، إلى تربع جيل جدبد من الصحافيين، في رأس الصحافة ومراتبها العالية. فهذا الجيل من الصحافيين النافذين، شأن القاضي كينيث ستار نفسه، لا يدخنون، ولا يشربون الكحول، ويبيتون باكراً، وتقتصر حياتهم الحميمة والخاصة على دائرة أسرتهم. وهم يحملون الخلق السياسي على الخلق الخاص والفردي، شأن السيد ستار كذلك. وعلى هذا خلص هؤلاء، مجمعين، غداة نشر الشبكة تقرير "المستشار"، إلى نصيحة المتهم، بيل كلينتون، بالتعجيل في الإستقالة. والإستقالة فعل سياسي. والإشارة بها إشارة ملزمة على الرئيس الديموقراطي، بإسم رأي عام انتخابي لا يذهب هذا المذهب ويحظى كلينتون بتأييده المستقر منذ انفجار القضية الأخيرة، هذه الإشارة تلغي الفرق بين التكليف السياسي والتبعات السياسية، وبين الإدانة الشخصية والتبعة الخلقية والمعنوية. فالصحافة، على رغم علمها بضعفها بإزاء الحملات التلفزيونية و"شائعات" الشبكة، وعلى رغم مجاراتها بعض هذه الحملات ونسجها على منوال إثارتها وفضحها، لا تتورع عن حمل العام السياسي على الخاص الخلقي.
فتهمل ما نبه عليه الشيخ ولاية كينيكتيكيت الديموقراطي، ج.إ.ليبيرمان، في خطبة متحفظة وصفت، على عجل، بالمنددة، من أن التهمة الممهدة للإقالة والخلع ينبغي أن تبطل انتخابين عامين، في 1992 و1996" ولا يسعفها على الإبطال هذا، وعلى مكافأة الإرادة الشعبية، إلا إثبات "جريمة في حق الشأن العام وجناية خطيرة"، بحسب نص القانون. وبين تستر الرئيس الأميركي على فعله، وكذبه العلني، ومحاولته تدارك الأمرين، وبين "الجريمة" و"الجناية" العامتين، فرق تجمع الصحافة الأميركية "الكبيرة" اليوم على إهماله وإغفاله. فهي تماشي طور السياسة الليبرالية "الجديد" - والحق أن هذا الطور يعود إلى العقد السابع الستينات، عقد جون كينيدي، من القرن الآفل - وحمله رجل السياسة على المرء الفرد الخاص، المرفوع عَلَماً على ميل جماهيري، أو مصلحة جماهيرية، يتولى جهاز حزبي ودعاوي الدعوة اليه أو إليها.
وتجييش الخاص، ومشاعره وانفعالاته، على العام، القانوني والسياسي، وتحريضه عليه، والسعي في إبطاله إبطال العام من طريقه طريق الخاص، في حومة مصارعة حرة تتساوى فيها الدولة مع كتل المصالح والأهواء المختلفة على حد واحد، هي كذلك من صفات طور اجتماعي وسياسي ليبرالي يخوض المجتمع الأميركي في أمواجه منذ نيف وثلاثة عقود. وتتصل هذه الحال، حال التجييش والتحريض والإبطال في حومة المصارعة الحرة، بحال المنافسة الضارية بين الأعراق المتكاثرة والمتعاظمة التنوع التي يضويها المجتمع الأميركي وتهاجر إليه، فيما يبدو هذا المجتمع أضعف على دمجها اليوم مما كان إلى وقت غير بعيد.
ولا تقتصر المنافسة الضارية، وهي حرب "ثقافات" وحضارات فعلية، على الأعراق، قديمها مثل السود وجديدها مثل "الإسبان" من أميركا الجنوبية والوسطى والآسيويين. بل تتعدى الحربُ أعراق المهاجرين الجدد و"ثقافاتهم" إلى الجنسين، الرجال والنساء. ولعل ظهور "التحرش الجنسي" وهو مثال "فضيحة مونيكا" المزعومة مظهر الجناية التي توحد السلطان بالجنس، وتجعل جنس الرجل الذكر سلطاناً على رقيق أنثوي ممتثل، قرينة حقوقية واجتماعية على سريان هذا التجريم وعلى وقته.
ولم يكن الديموقراطيون، صحافيين وسياسيين وجمهوراً، مترددي اليد والرأي في مسألة "التحرش الجنسي" والتشهير فيه وفي مظنونيه. فمنذ نحو عقد من الزمن في عام 1987 تسمرت أعين عشرات الملايين من الأميركيين على شاشات التلفزة وهي تنظر وتسمع إلى السيدة انيتا هيل تروي، على مسمع ومنظر من الشيوخ الأجلاء، "حصار" قاضي المحكمة العليا الأسود، السيد كلارنس توماس، لها بالكنايات "البذيئة" التي تستعير زجاجة "الكوكا كولا" لآلة القاضي الكبير، وصبغة الشعر لأسفل بطنها الذي ينتهي بجبل فينوس. وكانت هذه الكنايات تعود، يومها، إلى عشر سنين من قبل. وقضى الشيوخ، ومعهم جمهور التلفزة الغفير، أسبوعاً تاماً، يفحصون عن جواز تأويل الكناية على وجه "التحرش" وذلك بقياس المشبه على المشبه به ومطابقتهما واحدهما الآخر. وعمت تهمة "التحرش" بيئات العمل والدراسة الأميركية عموم التكفير كلام الجماعيين الإسلاميين. ونهض "التحرش الجنسي" مثالاً لصور السلطان والتسلط. ونسج "الفكر القويم"، وهو جملة الآراء المستقيمة والمقبولة، المفترضة والمزعومة، في المسائل الكبيرة كلها من دين وجنس وعرف وسياسة ومعاض، على مثال إدانة "التحرش" وشرائطها. فولدت الأوساط "الثقافية" الأميركية، المتحدرة من حركات العقد السابع - الملونة والنسوية والجنسية والسياسية والثقافية - ذهنية حشوية، متطرفة و"يسارية"، هي النظير الدقيق للحشوية الدينية واليمينية التي تخلص من كذب كلينتون في مسألة المتدربة السابقة إلى إبطال انتخابه وجرح سياسته وجدارته بالرئاسة. ومالت النخب النيويوركية والواشنطنية ميل النخب الجنوبية وجارتها على بعض أهوائها المستترة.
لكن تضافر هذه النزعات والميول كلها، على رغم صدورها عن قوى راسخة في التاريخ والاجتماع الأميركيين وتوسلها بوسائل القانون والإعلام و"الاتصال" "الفيديو" أخيراً وليس آخراً، لم يقنع إلى اليوم كثرة الناخبين والمقترعين المحتملين بمجاراة حلف النخب الصحافية والسياسية والمتزمتة. فثبات نحو نصف المستفتين على رفض استقالة الرئيس، ورفض الخلوص من إدانة أفعاله الشخصية إلى خلعه السياسي، يدل ربما على تناول كثرة الأميركيين، وفي مقدم هذه الكثرة ملونون ونساء و"منحرفون" وبعض النخب الثقافية، الرئاسة وأداء الرئيس وعلاقة خاصه بعامه، على نحو لا يجاري النحو الذي يتناوله عليه الحلف الصاخب. وقد تكون العائلة أو الأسرة، دوراً وموضعاً من الحياة الاجتماعية، مدار الإنقسام الأميركي ومناطه. فلا يستقيم تجريم الرئيس الأميركي، بذريعة تهتكه ودعوى كذبه حمايةً لحياته الحميمة، بينما نيف ونصف الأسر الأميركية يصدعه الطلاق، وأكثر من أربعة أخماس الملونين لا يعرفون شكل الأسرة، وبينما جمعيات المثليين والمثليات تتولى تدبير مدن كبيرة ومزدهرة. وبينما تبلغ الولايات المتحدة الأميركية السنة السابعة من البحبوحة والازدهار. ومن العسير على المجتمعات الليبرالية أن تقيم على الفصل الصارم بين حياة المواطنين ولو ولاة أمر الخاصة، وبين علانيتهم السياسية والخلقية. وهذا ما ينبغي أن يدلي الناخبون في انتخابات الخريف الوشيكة بدلوهم، ورأيهم، فيه.
* كاتب لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.