يوم الأربعاء الماضي أعلن وزير الدفاع البريطاني جورج روبرتسون عن خفض كبير في موازنة الدفاع لبلاده، هو الأول من نوعه في القوة العسكرية في بريطانيا منذ انتهاء "الحرب الباردة" وانهيار الاتحاد السوفياتي السابق. لكن هذا الخفض لن يؤثر في فعالية القوة العسكرية البريطانية، لأن أساسه، كما يقول مصطفى كركوتي في هذا التقرير، هو تحديث هذه القوة لتتلائم مع المستجدات في العالم. تهدف خطة خفض الميزانية الدفاعية التي قدمها الوزير روبرتسون إلى مجلس العموم البريطاني إلى عصرنة قوات بلاده المسلحة والمحافظة على فعاليتها، بما في ذلك قدرتها على التدخل السريع في الخارج. ولذلك تأتي الخطة تحت عنوان "قوات عصرية لعالم جديد"، حيث من الواضح أنه سيتم التخلص من مخزون بريطانيا من الأسلحة التي كانت لديها أثناء "الحرب الباردة" والتي كانت موجودة لدى قواتها في الحقول والمناطق الدفاعية التي تأسست لمواجهة مخاطر تلك الحرب. وتقدر الخطة قيمة هذا المخزون المكون من صواريخ مختلفة وذخيرة متنوعة ومعدات أخرى بحوالى 2،2 بليون جنيه استرليني، أي ما يعادل 20 في المئة من اجمالي موازنة الدفاع السنوية البالغة 22 بليون جنيه. ويؤدي الخفض المقترح في الخطة التي سيصوت عليها أعضاء مجلس العموم في وقت لاحق، إلى مساواة الانفاق العسكري البريطاني مع متوسط انفاق دول الاتحاد الأوروبي في هذا المجال. وهذا يعني، وفقاً للخطة، خفض حصة الدفاع في اجمالي الناتج الوطني GNP من 7،2 في المئة إلى 4،2 في المئة. والجدير بالذكر ان هذا الخفض كان يطالب به "يسار" حزب العمال البريطاني من خلال تبني سياسة نزع السلاح النووي وحيد الجانب منذ زمن بعيد، حتى أثناء "الحرب الباردة". وكانت سياسة اليسار تدعو إلى وقف التسلح النووي، حتى ولو كان من جانب واحد، واحراج الاتحاد السوفياتي عالمياً ودفعه نحو الحد من التسلح النووي. ولكن يبدو أن الوقت قد حان الآن لتحقيق ذلك بعد انهيار البعبع السوفياتي وتلاشي ما تبقى من قوة نووية لدى روسيا حالياً. إلا أن خطة حكومة توني بلير البريطانية لن تخفض من القوة العسكرية البريطانية أو تقوض قدرات بريطانيا الدفاعية كقوة قتالية ضاربة متوسطة الحجم. وكما يحدد عنوان الخطة، فإن القوات المسلحة البريطانية ستصبح "عصرية" في "عالم جديد"، خصوصاً لناحية القدرة على التدخل السريع، مثلما حصل في حرب الخليج الثانية. ومن الأهداف الرئيسية للخطة ما يلي: 1- خفض الانفاق المتراكم في الموازنة بحدود 915 مليون جنيه استرليني خلال السنوات الثلاث المقبلة وحتى عام 2001 أو 2002، وتوفير حوالى 685 مليون جنيه من بيع أراضي وعقارات تابعة لوزارة الدفاع. 2- الحصول على مداخيل تعادل 2،2 بليون جنيه من بيع المخزون العسكري الذي لم يعد مناسباً لهذه المرحلة، تنفيذاً لتوجيهات وزارة الخزانة البريطانية التي تسعى لخفض الموازنة العامة خلال سنوات حكم حزب العمال الجديد الذي تنتهي مدته الدستورية في عام 2002. 3- عصرنة القوات المسلحة لتصبح ملائمة مع متطلبات العصر وحاجة الدول الصناعية المتقدمة لحماية مصالحها في الخارج. وهذا يعني المحافظة على أعلى درجات الجاهزية للتدخل السريع، إذ تتضمن الخطة شراء حاملتين كبيرتين للطائرات لمواجهة الأزمات الطارئة حول العالم. وسيرفع هذا حاملات الطائرات البريطانية إلى أربع. 4- في ضوء تجربة القوات البريطانية في الخليج الناجمة عن الغزو العراقي للكويت، تهدف الخطة إلى دمج - أو التنسيق - بين عمليات القوات الجوية والقوات البحرية الملكية، وتطوير قوة مشتركة اطلق عليها اسم "قوة 2000" Force 2000، لمواجهة عالم الألفية الجديدة. وستلعب التكنولوجيا العالية دوراً جوهرياً في هذا التطوير المقترح. 5- المحافظة على القوة النووية الرادعة مع خفض طفيف في عدد الرؤوس النووية على صواريخ "ترايدنت" ووقف انتاج رؤوس نووية لصواريخ "بولاريس"، وذلك تنفيذاً لتعهدات العمال الانتخابية. يمكن القول باختصار إن خطة خفض النفقات الجديدة تعني بلغة عصر ما بعد "الحرب الباردة": دبابات أقل، وطائرات أسرع