كنت جالساً أشاهد مباراة من مباريات المونديال، وبيني وبينكم أنا لا أعرف ما هو المونديال. لقد سمعت الناس يتحدثون جميعاً بشكل محموم عن المونديال، وخوفاً من اتهامي بالرجعية والجمود قلت معهم ما يقولونه، وجلست معهم كما يجلسون لمشاهدة المباريات.. فعلت هذا نزولاً على قول شاعر العربية أحمد شوقي بك: إذا الفتنة اضطرمت في البلاد ورمت النجاة فكن إمَّعة... إن الإمعة هو الشخص الذي لا رأي له ولا موقف، إنما هو مع الناس إن مالوا إلى اليمين مال، وإن اتجهوا الى اليسار اتجه، وإذا وقفوا حائرين وقف تحت خيمة الحيرة. جلست اتفرج على المباراة كما يفعل الناس. سألتني صحافية حديثة: هل تشاهد مباريات الكرة؟ قلت لها وأنا اتوجس خيفة: ولماذا لا أشاهدها؟ قالت: أي الفرق يعجبك؟ قلت لها: فريق الزمالك أحياناً، وفريق الأهلي في أحيان أخرى. قالت وهي تضحك: أنا أسألك عن المونديال؟ قلت لها: الكرة ذوق وفن وأخلاق، ولهذا السبب هناك أكثر من 100 فاول في المباريات، وقد طرد من الملاعب عشرات اللاعبين بعد أن كسروا غيرهم من منافسي الفرق الأخرى. قالت الصحافية: يا استاذ، انت تخلط حديثك عن المونديال بالحديث عن الأهلي والزمالك. قلت لها: إن الأفضل للمرء أن يمسك العصا من وسطها في هذا الزمن القلق. قالت الصحافية: من الذي تشجعه في المونديال؟ ها هي كلمة المونديال تتكرر أمامي، وأنا لا أعرف معناها. هل أسأل عنها الصحافية التي توجه اليّ اسئلتها أم اتظاهر بالفهم... رجحت جانب السلامة وتظاهرت بالفهم.. قلت لها: المونديال هو المونديال، هذه كلمة جامعة مانعة قالها سقراط بعد أن قال كلمته "اعرف نفسك". قالت الصحافية: كلامك عميق يا استاذ، منذ متى وانت تهتم بكرة القدم؟ قلت لها: كان والدي يرحمه الله زملكاوياً، وجاء أحد ابنائي اهلاوياً. أما أنا فقد اخترت - لبعد نظري - نادياً لم ينشأ بعد، وهكذا اصبحت زمهلاوياً، وهذا النادي الجديد هو مزيج من الاهلي والزمالك. اقول هذا بسبب قرب دخولنا على القرن الحادي والعشرين. إن هذا القرن الجديد يميل الى التكتلات والاتحاد، ان اوروبا توحد عملتها النقدية، واميركا تريد ربط العالم بذيلها، وسوف نواجه في مصر مشكلة هذه النوادي الصغيرة الكثيرة. واغلب الظن أن هذه النوادي سوف تتوحد معا في ناد جديد، هو الزمهلاوية، وبهذه الخطوة نحقق أهم تقدم في القرن الحادي والعشرين.. قالت الصحافية: لماذا يفرح الناس حين تدخل الكرة في شباك الخصم؟ قلت لها: هي قلة عقل، إن الفرح في مثل هذا الموضوع يجب أن يستند على الحكمة التي تقول "اللهم أجعله خيراً.." فمن يدري ربما أعقب هذا الفرح حزن عقيم بسبب اختراق شباكنا نحن، والأفضل إذن الا نفرح. قالت الصحافية: ما هي فلسفتك في الكرة، بوصفك أحد المشجعين للمونديال؟ قلت: هناك فلسفات كثيرة في الكرة، وقد حرت أية فلسفة انحاز اليها، واخيراً اخترت الفلسفة التي تقول "يا بخت من بات مغلوب ولا باتش غالب". قالت الصحافية: ما الذي تعبر عنه هذه الفلسفة؟ قلت لها: هذه الفلسفة تنبع من الشعوب الطيبة المسالمة التي تفضل السلام والهزيمة بغير جراح وتكسير، على النصر الذي يؤدي الى كسر قدم أو ساق أو رقبة. قالت الصحافية: ما هو رأيك في الفرق التي انهزمت وكان الظن أن تنتصر؟ قلت لها: في صراع الشعوب والكرة تنهزم الشعوب المتحضرة عادة لأنها لا تحب العنف، ولا تلجأ اليه الا مضطرة ولا تستخدم اسلحة الدمار الشامل. أما الشعوب البربرية فهي تريد النصر ولو صنعت اهرامات من الجماجم. والفرق الكروية كالشعوب، فيها من يصنع السلام والحضارة، ومن يفضل الحرابة والعنف. قالت الصحافية: نشكرك على هذا الحديث الذي اضاء القضية وجلا غوامضها. قلت لها: لا شكر على واجب