لكل مباراة رياضية في العالم ثلاث نتائج: الفوز... التعادل... والهزيمة. لكن مباراة القمة في كرة القدم المصرية بين الاهلي والزمالك لا تحتمل ابداً الحقيقة الثالثة... وهي الهزيمة. وكان فوز الاهلي المستحق على الزمالك 2-1 يوم الاحد قبل الماضي في المرحلة الثانية عشرة من الدوري بداية لزلزال عنيف هز اركان الزمالك ولا يزال مستمراً بتبعاته الشديدة. فالهزيمة كانت الاولى للزمالك في الدوري في الموسم الحالي، وقد وتسببت في سقوطه الى المركز الثاني خلف الاهلي بفارق 3 نقاط للمرة الاولى خلال المسابقة الحالية. والهزيمة كانت الرابعة على التوالي للزمالك امام الاهلي في المواسم الاربعة الاخيرة، الامر الذي يعني تفوقاً كاملاً للفريق الاحمر. وسببت الخسارة ايضاً آلاماً لجماهير الزمالك التي لم تذق طعم الفوز على الاهلي منذ نيسان ابريل 1994، وقد قللت الهزيمة كثيراً من فرص الزمالك في المنافسة على بطولة الدوري التي احتكرها الاهلي في السنوات الخمس الاخيرة، ويبدو جاداً في طريقه لإحراز اللقب السادس. أحزان واتهامات احزان أنصار الزمالك مضاعفة هذه المرة لأسباب عدة: اولاً: أن التحكيم كان عادلاً بشكل غير مسبوق. ولا يمكن لأحد اتهام الحكم الدولي الاسكتلندي هيو دالاس بأي شيء اللهم الا اذا اتهمه انصار الاهلي بإلغاء هدف صحيح لحسام حسن وعدم احتساب ركلتي جزاء ضد عمرو فهيم والنيجيري كريستوفر مدافعي الزمالك. ثانياً: كان الزمالك مكتمل الصفوف بوجود كل نجومه الدوليين اعضاء منتخب مصر، بينما غاب عن الاهلي لاعباه الدوليان محمد يوسف واسامة عرابي بسبب ايقافهما للحصول على الانذار الثاني. ثالثاً: تدفقت الجماهير المناصرة للزمالك على المدرجات بشكل زائد حتى اقترب عددها من عدد جماهير الاهلي التي ملأت النصف الخاص بها. وكانت المباريات الماضية حافلة بتفوق ملحوظ لجمهور الاهلي. رابعاً: الهولندي رود كرول المدير الفني للزمالك والذي منحه مجلس الادارة كل الصلاحيات والسلطات تسبب في الهزيمة بأخطاء فادحة، ووضع تشكيلاً من لاعبين صغار السن حتى اصبح متوسط اعمار اللاعبين الذين بدأوا اللقاء 22 عاماً. والمعروف ان مباراة الاهلي تحتاج دائماً الى هدوء وتركيز واعصاب باردة وقدرة على تحمل الضغط العصبي، وكلها أمور لا تتوفر الا عند اللاعبين اصحاب الخبرة الواسعة. وأشرك كرول اللاعبين النيجيريين الفيس روبنز وكريستوفر من البداية رغم انهما لم يلعبا اساسيين على مدار مباريات الفريق السابقة، واستبعد طارق مصطفى الذي كان اساسياً باستمرار ويعتمد عليه محمود الجوهري في منتخب مصر، واستبعد عبدالحميد بسيوني هداف الدوري في الموسم الماضي والفائز قبل ايام قليلة من المباراة بلقب هداف كأس افريقيا العسكرية. ولم تقف اخطاء كرول عند التشكيل، بل امتدت الى طريقة اللعب، واصر على طريقة 4-4-2 بوجود مدافعين فقط في العمق امام اخطر مهاجمين في مصر وهما حسام حسن هداف افريقيا وعلاء ابراهيم. وبالطبع تفوق حسام وعلاء على مدافعي الزمالك وسجلا هدفين غير ما ضاع من فرص. وكانت الطامة الكبرى التي لم يغفرها احد لكرول هو عدم فطنته لأسلوب الاهلي بإشراك ياسر ريان كمهاجم ثالث من الناحية اليسرى. وشكل ريان فزعاً لمدافعي الزمالك وصنع فرصا عدة في الشوط الاول في غياب رقابة المدافعين. ونجا الزمالك خلال الشوط الاول من العاب ريان وتوقع الجميع تعديلاً بين شوطي المباراة لايقاف خطورته، لكن كرول لم يحرك ساكناً ولم تمر دقائق من الشوط الثاني حتى سجل حسام هدف الاهلي الاول من صنع ياسر ريان الذي اختير بالاجماع النجم الاول للمباراة. وزاد من مرارة انصار الزمالك ان كرول خرج بعد المباراة ليعلن عن استعداده للتخلي عن الفريق والرحيل اذا حصل على الشرط الجزائي في العقد وهو 60 الف دولار.وأجمع اقطاب كرة القدم في الزمالك من زكي عثمان وعصام بهيج ونبيل نصير وفاروق جعفر، وهم لاعبون ومدربون سابقون في الفريق، على كلمة سواء بضرورة رحيل كرول واقالته وتعيين جهاز فني جديد. واصبح جعفر الذي قاد الزمالك للفوز بالدوري عامي 78 و1984 لاعباً وعامي 92 و1993 مدرباً المرشح الاول لخلافة كرول. وتجمعت جماهير الزمالك حول النادي بعد المباراة ولمدة ايام عدة تهتف ضد كرول وتطالب بترحيله حتى لو كان ذلك سبباً في خسارة الدوري. واضطرت ادارة النادي لنقل مران الفريق من الملعب التقليدي في مقر النادي في الجيزة الى المركز الاولمبي في ضاحية المعادي. واتفق لاعبو الزمالك الاحتياطيون خالد الغندور ومعتمد جمال وطارق مصطفى علناً على ضرورة ترحيل كرول فوراً. كما اتفق خمسة من اعضاء مجلس الادارة - مرتضى منصور وطارق غنيم ومحمود بدرالدين وياسر ادريس واحمد جلال ابراهيم - على اقالته. لكن الاغلبية في مجلس الادارة دعمت كرول تحت شعار ان التغيير خاطىء وسط الموسم، وان الزمالك دفع ثمناً باهظاً لاخطاء مماثلة في المواسم الماضية. وتكرر الخطأ 4 مرات في 4 مواسم، وخسر الزمالك اللقب في الموسم 95-96 بعد تغييرات عشوائية وسط الموسم بعد ان كان الفريق متقدماً بفارق 11 نقطة في الدور الثاني. ولم يسلم مجلس الادارة ايضاً من التشكيك والاتهامات مع مطالبة جماعية داخل وخارج النادي بالاستقالة، واندفع العديد من الصحافيين الزملكاويين المشهورين بدعمهم الدائم للفريق للمطالبة بإقالة مجلس الادارة الفاشل. واشار مرسي عطاالله رئيس تحرير "الاهرام المسائي" - وهو رئيس تحرير سابق لمجلة الزمالك - في اليوم التالي مباشرة للمباراة الى ان الجهة العليا عن الرياضة في مصر غير جادة في التعامل مع ادارة الزمالك بدليل قيامها بحل مجلس ادارة نادي الشمس لمخالفات اقل جسامة مما يحدث في الزمالك. وقد هرب رئيس واعضاء مجلس ادارة الزمالك طويلاً من مواجهة الاعضاء الثائرين، ولم يستجب الدكتور كمال درويش رئيس النادي لدعوة عقد مجلس ادارة طارئ حتى لا يتجمع المجلس امام الاعضاء، وحرص درويش على لقاء زملائه في منازلهم لتفادي المواجهة غير المتكافئة. وخرج درويش بتصريحات مخدرة، مؤكداً ان الجميع من مجلس ادارة ومدرب ولاعبين يتحملون الهزيمة، واعاد الامل للجماهير في بطولة الدوري الطويلة وان فرصة الزمالك في احرازها قائمة وبنسبة كبيرة. ووعد درويش باتخاذ خطوات جادة لايقاف الخلل في الفريق وإعادة كرول الى الطريق الصحيح في التعامل مع اللاعبين واعطاء الفرصة للنجوم الكبار. وي محاولة البحث عن كبش فداء، يسعى مجلس الادارة للإطاحة بالمدرب فاروق السيد والمدير الاداري صادق عبدالمنعم لتهدئة الجماهير الثائرة. المباراة المأساوية للزمالك تركت عدداً من اللاعبين ضحية لفقدان ثقة الجمهور بهم، وهتفت الجماهير ضد النيجيريين الفيس وكريتسوفر وطالبت بفسخ التعاقد معهما فوراً لان نادي الزمالك - اكثر اندية افريقيا فوزاً بكأس الاندية الابطال - ليس حقلاً للتجارب للاعبين الافارقة الباحثين عن الشهرة والمال. وفقد الحارس الصاعد عبدالواحد السيد - بعد 12 مباراة كأساسي في الدوري - كل الثقة اثر استبداله في مباراة الاهلي بعد اهتزاز شباكه بهدفين. ولم يلعب مباراة اسوان في المرحلة الثالثة عشرة... ولم يخف مسؤولو الزمالك سعيهم للتعاقد مع حارس جديد لحل ازمة حراسة المرمى في الفريق. وجاء التغيير المبكر لعمرو فهيم الظهير الايمن - هدفا الاهلي جاءا من جانبه - اعلاناً صريحاً عن عدم كفاءته، خصوصاً انه استبعد قبل ايام من منتخب مصر وفقد اللاعب الثقة وتخلف عن تدريبات الفريق. ودفع النجم الجديد عبداللطيف الدوماني المنتقل هذا الموسم من غزل المحلة الى الزمالك بمليون جنيه - اغلى لاعب في تاريخ مصر- ثمناً لهبوط مستوى زملائه لاعبي الوسط والدفاع وكذلك للتألق اللافت للمدافع الاهلاوي المخضرم ابراهيم حسن المكلف برقابته. ولم يصنع الدوماني شيئاً مثل زملائه اسامة نبيه وايمن عبدالعزيز وبسيوني، لكن الهزيمة فتحت ملف انضمامه من جديد، وشكك الخبراء في أحقيته في الحصول على المبلغ الباهظ وفي جدارته باللعب للزمالك. واتجهت الشكوك ايضاً نحو المدافع بشير التابعي الذي لمست الكرة قدمه وغيرت اتجاهها في الهدف الثاني. وشملت اسامه نبيه هداف الفريق في الدوري الحالي. ماذا قالت الصحف؟ جراح الزمالك لم تندمل بعد المبارة بسبب التعليقات المريرة والساخرة التي تندرت بها الصحف اليومية والاسبوعية والمتخصصة، ووصل الامر الى حد قيام عدد من اعضاء نادي الزمالك بإقامة اكثر من دعوى قضائية ضد تلك الصحف. مجلة "الاهرام الرياضي" الاسبوعية التي تصدر عن مؤسسة "الاهرام" العريقة والوقورة كانت الاكثر حدة في عناوينها وموضوعاتها ضد الرمالك. الغلاف كان احمر اللون تماماً وهو لون النادي الاهلي، والعنوان هو الاكثر سخرية: "الاهلي غسل الزمالك.. وكرول جعله اكثر بياضاً". وعنوان آخر اكثر عنفا ولطماً يقول: القلم 28 في المشهد 82 من حدوتة "عنتر ولبلب". ومعناه ان الاهلي صفع الزمالك 28 مرة في 82 مباراة. كما ان فيلم "عنتر ولبلب" المصري الشهير كان يحكي عن شخص ذكي يصفع باستمرار شخصاً اقل ذكاء. وعنوان آخر اكثر سخرية "جمهور الاهلي يغني.. انا كل ما اشتاق اليك.. اجيبك واضحك عليك". ولم يسلم المدرب الزملكاوي من التهكم مع اشادة بمدرب الاهلي تحت عنوان "كرول هز رأسه.. وتسوبيل هز الشباك"،. وآخر كتب في العدد نفسه "فريق التوهان ضاع بفعل فاعل". وجاء الدور على حارس الزمالك الصاعد عبدالواحد السيد. وسخرت المجلة من استبداله بعد الهدف الثاني وربطت بين واقعة استبداله في مباراة مصر والكويت في كأس العرب بعد الهدف الثاني ايضاً وكان العنوان "يا ترى دي اصابة.. لا عادة". واختتمت المجلة صفحاتها السبعين التي خصصتها للمباراة بأغنية ساخرة عنوانها "ابكي" ابكي.. تحت الاضواء والهزيمة ملو الضلوع يا قلبي يا بلاد حزينة.. يا أهلي عملت ايه فينا يبقى انت وكرول علينا.. كفاية اللي جرى لينا وابكي مجلة "اخبار الرياضة" التي تصدر اسبوعياً عن مؤسسة "اخبار اليوم" واسعة الانتشار كتبت عنوانها الرئيسي: "القمة دائماً حمرة.. والزمالك محتاج عمرة". اي ان القمة بلون الاهلي الاحمر، وفريق الزمالك يحتاج اصلاحات. وعنوان آخر عنيف يقول: "الطوفان الأحمر اغرق الزمالك". ورغم وجود محمود معروف عضو مجلس ادارة الزمالك السابق رئيساً للصفحة الرياضية في صحيفة "الجمهورية" اليومية الا ان عنوانها كان "الاهلي.. اللاعب الاوحد"، مع كم هائل من عبارات لاذعة ضد الزمالك. وكذلك خرجت "المساء" اليومية بعنوان: "الأهلي الزعيم.. بحسام وابراهيم". مجلة "الدستور الرياضي" الاسبوعية كانت الاكثر توفيقاً قبل المباراة.. وتوقعت فوز الاهلي 2-1 واحراز حسام وابراهيم لهدفي الاهلي وصبري لهدف الزمالك، وصدقت التوقعات 100 في المئة، ولكنها خرجت بعنوان بالغ العنف ضد الزمالك ومدربه كرول بعد المباراة وكتبت: "الزمالك دُهل.. شيلوا كرول". وكلمة دهل باللغة العامية المصرية تعني الشخص الأبله العاجز عن ادارة شؤونه. واضافت المجلة المعروفة دائما بميولها ضد النادي الاهلي وكأنها تصالح جمهوره: "الاهلي اهلنا وناسنا.. وفريقه تاج راسنا"، "حسام وهيما.. عملوها سيما" وعنوان آخر عنيف: "في الزمالك.. الهزيمة جابت عاليها واطيها.. ولاعبو الزمالك قلبوها محزنة". الطامة الكبرى بالطبع جاءت من مجلة "الاهلي" الاسبوعية وكان العنوان الرئيسي لها "غسيل ومكواه"، اي ان لاعبي الاهلي تلاعبوا بمنافسيهم كما يحدث اثناء عملية الغسيل والكي. وعنوان آخر "الزمالك نفذ بجلده... ودرس اهلاوي محترم" و "واحد اثنين... الزمالك راح فين". الموقف الجديد والمفاجىء للصحافة المصرية في التعامل مع مباراة القمة أذهل الجميع، وأبعد الرياضة كثيرا عن أهدافها ومبادئها... لكن منطق زيادة التوزيع والبحث عن رغبات الجماهير المتعصبة كان له الكلمة العليا بعد المباراة. وخرج الزمالك من الحدث... ضحية.