ليس مستغرباً ان يخرج التقرير الاميركي بشأن التسلح العراقي الكيماوي ، في هذا الوقت بالذات، بل الأرجح ان هذا التقرير بداية الردّ الاميركي على نتائج الأزمة مع العراق قبل اربعة شهور. الجديد في السيناريو ان واشنطن تقف في المواجهة مباشرة، ومن دون استخدام تغطية اللجنة الخاصة لإزالة الاسلحة المحظورة اونسكوم. ربما لأن هذه اللجنة اصبحت تحت الرقابة، وربما ايضاً لأن الولاياتالمتحدة تريد إقحام نفسها اكثر سواء لاعادة "تفعيل" عمل اللجنة وفقاً للاسلوب السابق أو للتمهيد لسياسة اكثر تشدداً في مسألة رفع الحظر. بمعزل عن الجدل الدائر حول صدقية المعلومات الواردة في التقرير او عدم صدقيتها، لا بد للجانب العراقي ان يتوقع في الشهور المقبلة، تحديداً قبل تشرين الاول اكتوبر الموعد شبه المعلن للبحث في رفع الحظر، مزيداً من المواقف الاميركية الواضحة في اصرارها على ابقاء العقوبات. فالملف كبير ومتشعب والقرارات متداخلة أو يسهل ربطها بعضاً ببعض لاستخلاص عدم أهلية النظام العراقي للخروج من تحت الحصار. ثم ان هذا النظام لا ينحصر خطره بما يملك من اسلحة او ما لم يعد يملك منها وانما يشتمل خطره على نهجه العام ازاء شعبه اولاً وجيرانه ثانياً. أياً كانت الذرائع لتبرير انهاء الحصار، تبدو الولاياتالمتحدة كأنها تبنت موقفاً حاسماً ونهائياً: لا رفع للحصار طالما ان نظام صدام باقٍ في مكانه… وكل الذين زارو واشنطن أخيراً سمعوا ذلك، في الوقت الذي سمعوا ايضاً ان واشنطن مقدمة على انفتاح كبير على ايران، مثلما سمعوا كذلك ان واشنطن لن تقوم بأي خطوة دراماتيكية حيال اسرائيل بهدف تحريك عملية السلام في مسارها الفلسطيني فإما ان يأتي التحرك عبر الطرفين المعنيين وإما ان تبقى الجهود في إطارها الحالي في انتظار ظرف سياسي افضل. هذا لا يعني ان الموقف من العراق مغلق ولا يحتمل الأخذ والرد، وانما يعني خصوصاً ان ثمة شروطاً لرفع الحظر، وهي شروط اميركية تلبي الاهداف التي وضعتها الولاياتالمتحدة لسياستها في المنطقة. صحيح ان هذه الشروط لا تحظى برضا اصدقاء واشنطن، قبل ان ترضي بغداد او تغريها، الا ان العراق تحت الضغط ويسهل وضع الخيارات الصعبة امامه ليختار الأخذ بها او رفضها، ولكل موقف ثمنه. وفي كل الاحوال، تستطيع واشنطن ان تدافع عن اصرارها على العقوبات بكثير من الحجج، اهمها انها مستفيدة من الحصار وان مصالحها مؤمنة في المنطقة الخليجية. وما حصل مع ايران كان عكس ذلك، اذ ان الاميركيين قرروا الانفتاح على هذا البلد بعدما تأكد لهم ان مصالحهم بدأت تتضرر من سياسة الاحتواء. بالطبع، يمكن المجادلة في "مبدئية" العقوبات على العراق بعد مرور ثماني سنوات عليها، وفي "انسانية" هذه العقوبات بعدما اكدت تقارير المنظمات المختصة انعكاساتها الخطيرة حاضراً ومستقبلاً، كذلك في "غرضية" العقوبات طالما انها قاصرة في حدّ ذاتها عن تحقيق هدف اطاحة النظام، بل يمكن المجادلة ايضاً في الاهداف غير المعلنة للعقوبات ومنها ابقاء "التضامن العربي" وهماً عائماً مستحيل التطبيق. وتدرك واشنطن كل ذلك ولا تقيم له أي اعتبار، في المقابل تدركه بغداد ايضاً ولا تملك تغييره حتى لو توفرت لديها الارادة الطيبة، بل حتى لو لبّت كل مطالب "اونسكوم". يمكن القول انه فيما كانت بغداد تعيش على "بشائر" رماها لها ريتشارد بتلر بشأن رفع الحظر، كانت واشنطن تخطط لكتابة عمر جديد للعقوبات. الازمة المقبلة قد تضع العراق، فعلاً، امام الطريق المسدود