Dominique Vidal avec Joseph Algzy. Le Peche Originel dصIsrael. خطيئة اسطرائيل الأصلية. Les Editions de lصAtelier, Paris. 1998. 208 pages. كتاب "خطيئة إسرائيل الأصلية" الصادر حديثاً في باريس والذي وضعه الباحث والصحافي في جريدة "لوموند ديبلوماتيك" دومينيك فيدال، يستحق أكثر من الترحيب عربياً وفرنسياً. ذلك ان فيدال، الذي سبق وأصدر غير كتاب حول الشرق الأوسط والصراع العربي - الإسرائيلي بالاشتراك مع زميله في الصحيفة المذكورة آلان غريش، يسعى من خلال كتابه الأخير إلى تحقيق وانجاز بضعة أمور وأهداف في وقت واحد، وكلها شرعية وعادلة إن لم يكن أكثر من ذلك. فهو، من ناحية أولى، جعل الحديث عن "خطيئة إسرائيل الأصلية"، أي طرد الفلسطينيين من أرضهم وبيوتهم، يتزامن مع الذكرى الخمسين للنكبة في الجانب العربي والفلسطيني، ولولادة الدولة العبرية في الجانب الإسرائيلي والغربي كذلك في بعض وجوهه الاحتفالية الرسمية وشبه الرسمية، ناهيك عن احتفالات الجاليات اليهودية في الغرب. وقد ارتأى فيدال، من ناحية ثانية، ان يجعل مادة الكتاب وجماع محاوره وفصوله، أي إعادة النظر تاريخياً وعقلانياً بعملية ترحيل الفلسطينيين، قائمة على عرض وتقديم أعمال مجموعة من الباحثين الإسرائيليين شرعوا في تحرير مدار النظر التاريخي إلى جذور الصراع العربي - الإسرائيلي خصوصاً حرب عام 1948 وما رافقها وترتب عليها من سطوة الأساطير والأكاذيب والدعاوة الرخيصة، وهذه المجموعة باتت ظاهرة واتجاهاً يعرفان في إسرائيل وخارجها باسم "المؤرخين الجدد". إلى ذلك، أي من ناحية ثالثة، يغمز فيدال في مقدمة كتابه من قناة سياسات النشر في فرنسا التي تواصل صمّ آذانها وعدم مبالاتها بأبرز أعمال هؤلاء المؤرخين الجدد. فهو يلحظ بأن لغة الحس السليم والنوايا الطيبة التي انتهجها المؤرخون الجدد ما زالت غير مسموعة "لدينا" في فرنسا. وبالرغم من مرور عشر سنوات على صدور كتاب بني موريس حول "ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين"، ومع العلم بأنه ينهل مادته في صورة أساسية من الارشيفات والوثائق الإسرائيلية، فإن الكتاب هذا لم يحظ حتى الآن لا بالترجمة ولا بالنشر. وباستثناء كتاب توم سيغيفي "المليون السابع" الذي يتناول علاقة إسرائيل بالمحرقة ويمكننا ان نضيف الكتاب الثاني لسيغيف حول "الإسرائيليين الأوائل" والصادر للتو في فرنسا عن دار كالمان - ليفي، أي بعد صدور وصياغة كتاب دومينيك فيدال، باستثناء هذين الكتابين، لم يحظ أي "مؤرخ جديد" باهتمام ناشر فرنسي. و"مهما كانت الدوافع الايديولوجية و/أو التجارية - يضيف فيدال - فإن هذه الرقابة الحاصلة تنمّ عن مفارقة: يحق للإسرائيليين ان يفهموا في صورة أفضل الشروط التي لابست ولادة دولتهم، وبالتالي، فهم المشكلة الفلسطينية، بينما يحرم الفرنسيون من هذا الحق". بعد نصف قرن على إنشاء دولة إسرائيل وبعد عقد من الزمن على صدور أول كتب التاريخ الموثقة عن هذه الولادة، في المعنى اللائق لكلمة تاريخ، حان الوقت، بحسب فيدال، لترميم وتصليح هذا "النسيان" أو السهو الفرنسيين. ومع أن كتاب "خطيئة إسرائيل الأصلية" يدور عملياً على تقديم وعرض المحاور والمحطات واللحظات الأساسية، عسكرياً وسياسياً وديبلوماسياً، لحرب 1948 وطرد الفلسطينيين، من خلال أعمال المورخين الجدد بني موريس وإيلان بابيه وآفي شلاييم ومن قبلهم سيمحا فابلان فإن دومينيك فيدال لا يتوانى، في بعض المواضع كما في الهوامش، عن توجيه انتقادات وملاحظة بعض التناقضات في تقويمات هذا المؤرخ أو ذاك، خصوصاً بني موريس، من ذلك مثلاً، إصرار هذا الأخير على رفض مقولة المؤرخ الفلسطيني وليد الخالدي التي تتحدث عن وجود مخطط لترحيل الفلسطينيين وتفريغ الأرض من سكانها. ينفي بني موريس هذه المقولة مع أنه يلحظ، بالاستناد إلى الأرشيفات الإسرائيلية، وجود علامات وقرائن واضحة، منذ شهر نيسان ابريل 1948 تدل على اعتماد سياسة هادفة إلى ترحيل الفلسطينيين على المستوى القومي والمحلي، وتحديداً من المناطق ذات الطابع الاستراتيجي. بعبارة أخرى، يفصح بعض المؤرخين الجدد، وتحديداً بني موريس، عن حدود مشروعهم في كتابه تاريخ الولادة المزدوجة للدولة العبرية وللنزوح الفلسطيني، فهو لم يحصر مصادره في الارشيفات الإسرائيلية فحسب، وهذا ما انتقده عليه بحق المؤرخ الفلسطيني من عرب إسرائيل نور مصالحة، إضافة إلى المؤرخ الآخر ايلان بابيه، بحيث تغيب المصادر العربية وشهادات الفلسطينيين أنفسهم، بل أن هذا النقص ذا الطابع الاجرائي صعوبة النفاذ إلى الأرشيفات العربية، ناهيك عن عدم معرفة بني موريس اللغة العربية يشي بنزوع موريس إلى حصر السجال والمناقشة في الإطار الإسرائيلي المحض. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار هذه الترسيمة لحدود المراجعة التاريخية المتوجهة حصراً إلى الوعي والصور والتمثيلات اليهودية الشائعة، فإننا بالطبع نجد في هذه المراجعة قدراً لا بأس به من الجرأة ومن دحض الخرافات والأكاذيب. فلننظر مثلاً في مناقشة بني موريس لواحدة من الخرافات البارزة في إسرائيل وفي الغرب عند نزوح الفلسطينيين، كما يعرضها دومينيك فيدال، يمكن القول إنه منذ شهر تموز يوليو 1948، ارتسمت عملياً الرواية الرسمية الإسرائيلية عن النزوح الفلسطيني. ذلك ان مسؤولاً كبيراً في وزارة الخارجية الإسرائيلية الناشئة حديثاً صرح أمام نظيره الأميركي بما يلي: "ينبغي على حكومة إسرائيل أن تنفي أية مسؤولية عن ولادة هذه المشكلة اللاجئين والتهمة القائلة إن العرب طُردوا بالقوة على يد السلطات الإسرائيلية لهي خاطئة كلياً، بل على العكس، لقد جرى القيام بكل شيء لتجنب هذا النزوح". هذه الرواية المختلقة والكاذبة والساعية إلى تفسير نزوح قرابة 800 أو 900 ألف فلسطيني، ستعيش طويلاً عن طريق الدعاية والتاريخ الرسميين. غير ان قراءة وتحليل الارشيفات الإسرائيلية نفسها تثبت ان الأمور لم تحصل على النحو الخرافي المذكور. والمؤرخ بني موريس، بحسب فيدال، يقدّم في الصفحات الأولى من كتابه الصادر بالانكليزية "ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين"، خريطة تضم 369 مدينة وقرية عربية في إسرائيل، تبعاً لترسيمة حدودها عام 1949، وراح بني موريس يبحث حالة حالة في أسباب نزوح السكان. واعترف بأن هناك 45 حالة أشكلت عليه وأخفقت في معرفة أسباب نزوح سكانها. لكنه وجد أنه في 228 حالة نزح السكان أثناء هجومات الوحدات اليهودية، ومن بينها 41 حالة طرد فيها السكان بعد تقييد أيديهم، وفي 90 حالة أخرى اصيب الفلسطينيون بالذعر إثر سقوط تجمع سكاني مجاور قريب، وبعد ان استولى عليهم الخوف من هجوم مباغت، وكذلك بسبب الاشاعات التي روّجها الجيش اليهودي، خصوصاً بعد مجزرة دير ياسين في 9 نيسان/ ابريل 1948 التي سرى خبرها سريان النار في الهشيم. في المقابل، لم يجد بني موريس سوى ست حالات رحل فيها السكان بناء على طلب ونصائح السلطات المحلية. ويضيف موريس بأنه لا يوجد أي دليل أو قرينة على ان الدول العربية واللجنة العربية العليا كانت تتمنى نزوح السكان، أو أنها وجهت نداءات تدعو فيها الفلسطينيين الى ترك منازلهم وأراضيهم. في هذا السياق أيضاً يستشهد بني موريس بتصريح أدلى به بن غوريون، مؤسس الدولة العربية، أمام الكنيست عام 1961، حيث قال بأن لديه "وثائق صريحة وواضحة" تفيد بأن الفلسطينيين نزحوا بناء على تعليمات وجهها اليهم الزعماء العرب لتسهيل مهمتهم في تدمير الدولة العبرية ودفع اليهود نحو البحر. يدحض بني موريس هذه الرواية الشائعة، اذ يقول بأنه لا يوجد أي أثر أو علامة على توجيه الزعماء العرب نداءات الى الفلسطينيين لمغادرة بيوتهم وأرضهم، كما لا يوجد أي أثر لنداءات مماثلة عبر الاذاعات أو الصحف العربية. ذلك ان جهاز الاستخبارات اليهودية والسفارتين البريطانية والاميركية في الشرق الأوسط، كانتا تقومان بتسجيل كافة البرامج الاذاعية العربية، اضافة الى شبكة بي.بي.سي. ولم يجد بني موريس في الوثائق الاسرائيلية وفي آلاف التقارير عن هذه التسجيلات أية اشارة الى وجود نداءات تدعو الى الرحيل. وها هنا، يذكر فيدال، بأن الباحث ارسكين شيلدرز قام قبل 26 عاماً، بتحليل تسجيلات البي.بي.سي، وخلص الى القول بأنه "لا يوجد كلمة واحدة، من قبيل النداء أو التلميح، تتعلق بجلاء الناس الى خارج فلسطين، من قبل أي محطة اذاعية عربية، لا في فلسطين ولا خارجها عام 1948". وهذا لا يمنع بني موريس من تحقيب النزوح الفلسطيني وتوزيعه على خمس مراحل أو دفعات. في المرحلة الأولى، التي تلت مباشرة صدور قرار التقسيم الى نهاية تشرين الثاني نوفمبر 1947، نزح أبناء الفئات الميسورة، خصوصاً في المدن، لأنهم توقعوا اشتعال الوضع. ويقدر عدد هؤلاء ب 70 ألفاً. المرحلة الثانية، وهي أكثر كثافة حصلت خلال الأشهر الرابع والخامس والسادس من 1948، وفيها قارب عدد النازحين الأربعمئة ألف، وهذه المرحلة موسومة بمخطط التفريغ والطرد المعروف باسم "مخطط دالت" الذي يجري اختصاره بحرف "د"... الخ. وبعض مراحل الطرد لا يحتاج أصلاً الى وثائق، كما هي الحال مع أهالي اللد والرملة، حيث كانت قرارات واجراءات الترحيل صريحة بحسب ما روى اسحق رابين في مذاكراته. نأتي الآن الى الاسطورة الثانية التي يدحضها بني موريس، وهي اسطورة "دافيد ضد غولياث" استناداً الى عبارة شهيرة أطلقها بن غوريون يوم 16 حزيران يونيو 1948: "700 ألف يهودي واجهوا 27 مليون عربي، واحد مقابل أربعين". وقد أصبحت هذه العبارة في اسرائيل وفي الغرب بمثابة ايقونة دعاوية تختصر وترمز الى "الملحمة البطولية" اليهودية. غير ان النظر الى واقع ميزان القوى، غير الديموغرافي المحض، يكشف عن مدى الزيف الاسطوري المرصوص في هذه العبارة، فعلى الصعيد العسكري، وكذلك السياسي والديبلوماسي تكشف الوثائق، ومعها الوقائع، بما لا يدع مجالاً للشك عن التفوق الصهيوني على العرب والفلسطينيين. نحصي باختصار شديد كافة المحاور التي يعرضها دومينيك فيدال بنزاهة كبيرة: التفوق الصهيوني على مستوى التنظيم والاعداد والتسليح في الحرب الأولى بين قرار التقسيم ويوم 15 أيار/ مايو 1948 إزاء القوات الفلسطينية التي بالكاد حشدت بضعة الآف مسلحين ببنادق قديمة وبالية مقابل 35 ألف عسكري من جيش الهاغانا. والتفوق الاسرائيلي في الحرب ضد الدول العربية خصوصاً إثر تدفق الأسلحة التشيكية المتطورة ابتداء من نهاية آذار مارس 1948 والتوافق السوفياتي - الاميركية على نشوء الدولة العبرية، والتواطؤ البريطاني الذي اساء فهمه الصهاينة المتطرفون، إذ كان الموقف البريطاني يدعم بالتأكيد نشوء اسرائيل، لكنه يحبذ ضم الأراضي الفلسطينية التي حددها قرار التقسيم الى المملكة الأردنية التي يشرف على جيشها غلوب باشا، التفاهم الذي حصل في 17 تشرين الثاني 1947 في نهاريم بين غولدا مائير والملك عبدالله حول تقسيم فلسطين، وهو تفاهم احترمه الملك عبدالله اذ لم يحصل خلال الحرب أي تجاوز أو اختراق لحدود الدولة اليهودية المفترضة، بينما العكس هو الصحيح تماماً، اذ خرق الصهاينة التفاهم وضموا اجزاء كانت محسوبة للطرف الآخر، من بينها اللد والرملة. تعطيل أكثر من فرصة للسلام، خصوصاً في مؤتمر لوزان عام 1949، لأن الدولة العبرية لم تكن راغبة في تعيين حدودها نهائياً. وجود استراتيجية واضحة لدى الوكالة اليهودية وقيادة بارعة لا تحيد عن الهدف، تحديداً بن غوريون. في المقابل انقسامات في المجتمع الفلسطيني وبين الدول العربية التي لم تضع اصلاً خطة مشتركة للحرب، بل ان بعض هذه الدول دخل الحرب ضد اسرائيل وضد الملك عبدالله في آن معاً. في كتاب دومينيك فيدال نجد كل هذه الأمور مؤرشفة وموثقة، ويخلص فيها القارئ العربي الى إدراك أكثر عقلانية للنكبة، الا انه ادراك شديد المرارة والأسى. في المقابل يعثر هذا القارئ على كافة الوجوه العقلانية للانتصار الصهيوني، لكنه بالتأكيد يستطيع ان يتثاءب أو يسخر عندما يجري تقديم هذا الانتصار البذيء في صورة ملحمة أو إعجاز لا مثيل لهما. تجدر الاشارة الى ان الكتاب يتضمن ملحقاً وضعه الصحافي اليساري الاسرائيلي جوزف الغازي، وهو عبارة عن مقابلات مع المؤرخين الجدد ومع بعض خصومهم، بحيث تتكون صورة عن مساراتهم وعن تحاملات خصومهم عليهم، اضافة الى تنوع وتفاوت اتجاهاتهم بالذات بحيث يصعب وضعهم في سلة واحدة