لم تهدأ الضجة الاعلامية والاكاديمية والسياسية التي اثارها الكتاب الجديد المثير للجدل والمتوفر على معلومات "مذهلة" وغير مسبوقة، وخصوصا حول قضية ما حدث في الشهرين اللذين سبقا قيام دولة اسرائيل رسميا في 15 ايار 1948م، الذي اصدره استاذ قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة حيفا د. ايلان بابيه قبل شهور قليلة. الكتاب صدر باللغة الانكليزية لاسباب خاصة بالمؤلف، ثم قامت مؤسسة الدراسات الفلسطينية بترجمته الى العربية وصدر عنها في بيروت بمناسبة ذكرى النكبة. النقاش المحتدم الذي اججه صدور كتاب البروفيسور آيلان بابيه لم يكن منفصلا بطبيعة الحال عن مجمل الحالات التي اندلعت في الاوساط الاكاديمية والعلمية والسياسية والحزبية وايضا الدينية في اسرائيل منذ بروز ظاهرة "المؤرخين الجدد في اسرائيل والتي اطلق عليها بعضهم "مرحلة ما بعد الصهيونية" الذين اخذوا على عاتقهم مهمة "اعادة او نقل التدقيق الاكاديمي العلمي في الرواية الاسرائيلية الصهيونية حول عمليات طرد الفلسطينيين من اراضيهم. هي اذن بدأت كمحاولة لمراجعة التاريخ الذي انحصر دائما اسرائيليا يهوديا صهيونيا في رواية واحدة تريد اخفاء حقيقة الخطط والسيناريوهات التي نفذتها العصابات اليهودية المسلحة ضد الشعب الفلسطيني لاقتلاعه من ارضه عبر ترحيله قسريا وتوفير البيئة المناسبة لاقامة دولة يهودية خالية من الوجود الفلسطيني ما عنى في جملة ما عنى تدبير عمليات تطهير عرقي منظمة لم يعد جزء من الاكاديميين الاسرائيليين يقبلون ان يستمر انكار حدوثها وهم - كما الحال مع ايلان بابيه يدعمون "استنادا" الى الارشيف الرسمي الاسرائيلي وايضا الروايات الشفهية اليهودية والفلسطينية لما جرى - الى فتح الموضوع والاعتراف "الصهيوني بالطبع" بما حدث، وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني من خلال وضع حق العودة للاجئين الفلسطينيين موضع التنفيذ كسبيل وحيد للمصالحة التي ستحول دون اي صراع مستقبلي كما يقول ايلان بايبه. المؤرخون الجدد اذن، التي تبرز من بينهم ثلاثة اسماء شهيرة هم: بني موريس، وافي شلايم، وآيلان بابيه، حاولوا دحض المقولة الصهيونية لولادة الدولة العبرية رغم ان مؤرخا مثل بني موريس تراجع عن مواقفه، بل ان آفي شلايم انقلب على ما كتبه وكل ما صرح به، وعاد ليقول ان القوات اليهودية "اخطأت" عندما لم تقم بترحيل كل الفلسطينيين عن كامل اراضي اسرائيل. لكن د. آيلان بابيه هو الشخصية الاكثر بروزا بين المؤرخين الجدد، ويواصل في كتابه الجديد فضح الرواية الرسمية الاسرائيلية حول ما حصل قبل قيام اسرائيل وبعده بأشهر ايضا. من هنا يمكن التوقف طويلا عند هذا الكتاب - الوثيقة التي جاءت معززة بالحقائق المكتوبة - المؤرشفة- وبروايات شفهية لشخصيات يهودية شاركت في عمليات التطهير العرقي بالاسماء "الكودية" للخطط والسيناريوهات التي اعتمدت وتمت المصادقة عليها رسميا من قبل قيادة الهاغاناة (الميليشيات الصهيونية الرئيسية في فلسطين، كذلك الهيئة الاستشارية التي كان يرأسها دافيد بن غوريون المؤسس الفعلي للدولة الصهيونية (يتبع).