اذا كانت انتخابات ولاية سكسونيا المنخفضة قبل شهر ونصف الشهر تقريباً قد دقت المسمار الأول في نعش الحكومة الالمانية الحالية وفتحت الباب امام نهاية عهد المستشار هلموت كول فقد جاءت انتخابات ولاية ساكسن - انهالت الاحد الماضي لتدق المسمار الثاني ولتظهر ان الباب الذي فتح يؤدي الى هاوية عميقة لكول ولحزبه الديموقراطي المسيحي. لكن الانتخابات نفسها ادت ايضاً الى فوز كبير مفاجئ لليمين النازي خطف الاضواء وأثار المخاوف. من بون كتب اسكندر الديك: يعيش حزبا الاتحاد المسيحي الالماني الحزب الديموقراطي المسيحي والحزب الاجتماعي المسيحي في بافاريا وحليفهما الحزب الليبرالي اياماً صعبة في هذه المرحلة السياسية الدقيقة داخلياً بعد الزلزال السياسي والانتخابي الذي حدث في ولاية ساكسن - انهالت وأدى، على حد تحليل المراقبين، الى تهشيم صورة هلموت كول امام الرأي العام الذي كان معروفاً على مدى السنوات ال 16 من حكمه بأنه يفوز على الدوام ولا يعرف الخسارة. لكن كول الذي حوّل المعركة الانتخابية في الولاية الى معركة شخصية له هازئاً في كل مرة من الاستطلاعات التي كانت تشير الى خسارة فادحة لحزبه فيها اضطر اخيراً للاعتراف بهزيمته الشنيعة حيث لم يتمكن رغم كل ثقله السياسي الذي وضعه من تحجيم الخسارة التي بلغت 4.12 في المئة 4.34 في المئة عام 1994. وبينما حقق الحزب الاشتراكي الديموقراطي الحاكم زيادة بلغت اثنين في المئة تقريباً 34 في المئة عام 1994 تمكن حزب الاشتراكية الديموقراطية الشيوعي الاصلاحي من المحافظة على قوته الانتخابية 6.19 في المئة مقابل 9.19 في المئة عام 1994. والتطور السلبي الذي حصل هو ان حزب اتحاد التسعين - الخضر خسر بدوره تمثيله في البرلمان وفي الحكومة التي كان يشارك فيها ايضاً. وسبب الخسارة يتحمله الخضر انفسهم، أو على الاقل الجناح الاصولي فيه الذي تمكن خلال المؤتمر الاتحادي العام الذي عقده قبل شهرين في عاصمة الولاية من تمرير قرار يدعو الى رفع سعر ليتر البنزين الى خمسة ماركات، الأمر الذي أثار نقمة واسعة عليه. اما المفاجأة المثيرة للهلع فتمثلت في فوز حزب اتحاد الشعب الالماني النازي الجديد ب 9.12 في المئة من الاصوات دفعة واحدة وب 14 مقعداً نيابياً في البرلمان على الرغم من ان الحزب لم يكن معروفاً في الولاية حتى الآن ولم يظهر احد من قيادته أو من مرشحيه في اي تجمع انتخابي او مهرجان او لقاء صحافي، كما لم تعلق للمرشحين صور على الجدران كما هي العادة. كل ما في الأمر ان مسؤولهم في الولاية، غير المعروف على الاطلاق، ظهر في عدد من الصور الى جانب لافتات عليها شعارات معادية للاجانب تتهمهم بأنهم يسرقون العمل والوظائف من امام الالمان. وأمّن رئيس الحزب الاتحادي غيرهارد فراي، وهو ثري كبير من ولاية بافاريا، مبلغ ثلاثة ملايين مارك لدفع مصاريف الحملة الانتخابية واستأجر طائرات صغيرة لحمل يافطات كبيرة تحمل اسم الحزب وتدعو لانتخابه حلقت على مدى ايام فوق اراضي الولاية. وفي التفتيش عن اسباب تصويت حوالى 200 ألف ناخب للحزب اليميني المتطرف رأى عدد كبير من المراقبين ان حزب اتحاد الشعب الالماني حرك في الدرجة الأولى قسماً كبيراً من الشباب العاطل عن العمل بين 18 و24 سنة أو الذي يرى ان الآفاق مسدودة امامه للحصول على تعليم مهني او غير ذلك. ومعروف ان الاوضاع الاقتصادية في ساكسن - انهالت سيئة للغاية وتصل البطالة فيها الى أعلى نسبة في المانيا. ووجد محللو نتائج الانتخابات ان قسماً كبيراً من الذين انتخبوا الحزب الديموقراطي المسيحي في المرة الماضية اعطى صوته هذه المرة للنازيين الجدد، كما صوت لهم ايضاً ناخبون سابقون للاحزاب الاخرى. واستنتج هؤلاء بأن القسم الاكبر من ناخبي الحزب ليس من المؤيدين التقليديين للنازيين الجدد، وانما من اليمين الوسط الذي خاب ظنه بالمستشار كول وبحزبه وبالوعود العديدة التي اعطيت منذ الوحدة الالمانية، انما دون ان يتحقق الا الشيء القليل مما جرى الوعد به، خصوصاً على صعيد ايجاد مجالات جديدة للعمل. والواقع ان العديد من الذين انتخبوا الحزب المذكور اعلنوا في الايام الاخيرة انهم فعلوا ذلك للتعبير عن احتجاجهم وخيبة املهم من الواقع السياسي في البلاد ولمعاقبة كول وحزبه على خذلانهما لهم. ومع ذلك فان التخوف الآن يتمثل في سعي النازيين الجدد الذين فوجئوا ايضاً بهذا الانتصار غير المتوقع الاستطلاعات اعطتهم 6 في المئة تقريباً للعمل على تجميع القوى من جديد بعد مرحلة تراجع للبدء بمرحلة هجوم سياسي على مختلف الصعد، بما في ذلك تصعيد اجواء العداء للاجانب وتشجيع الاعتداء عليهم. ومعروف ان اليمين النازي متمثل في ثلاثة برلمانات اخرى في غرب البلاد هي بادن - فورتمبيرغ وشلوسفيل - هولشتاين وبريمن. وعلى الرغم من ان كل المعلقين السياسيين في وسائل الاعلام الالمانية يحمّل كول مسؤولية خسارة حزبه في الولاية ويشكّك في قدرته على الفوز في الانتخابات المقبلة في الخريف يتصرف المستشار الالماني وكأن شيئاً ما هاماً لم يحدث. وهو يركز في هذه الايام كل جهده على منع صدور اي صوت من داخل حزبه ينتقده أو يدعو للتركيز على شخص خليفته فولفغانغ شويبله الذي اصبح يحظى بشعبية اكبر منه منذ اشهر عدة على التوالي. وهنالك من يخطئ كول الان في ترشيح نفسه مجدداً للانتخابات رغم تأكيده عام 1994 بأنه لن يترشح مرة اخرى. ويعتبر انه لم يحسن اختيار تاريخ انسحابه من الحكم وهو في ذروة نجاحه. وامام ضعف كول الواضح طرح شقيقه الحزب الاجتماعي المسيحي اليمين المحافظ جداً فكرة تغيير الشعارات الانتخابية المطروحة بشكل ملموس بحجة مواجهة الخطر القادم من اقصى اليمين. ويرى رئيس الحزب وزير المال تيو فايغل انه من اجل محاربة اليمين المتطرف يتوجب "سرقة" شعاراته لكي يتم تجريده من سلاحه!؟ وفي ذلك، طبعاً، دعوة خطرة لانها تتضمن طرح مواضيع مثل اللجوء السياسي للاجانب ووضعهم في المانيا وقانون الجنسية لهم الى غير ذلك من الامور التي يطالب حزب فايغل منذ سنوات بالتضييق عليها. بل ان عدداً من المحللين حمَّل هذا الحزب واشخاصاً في حزب كول مسؤولية تنامي المشاعر العدائية للاجانب وجزءاً من نجاح النازيين الجدد في الانتخابات لأنهم يتكلمون علناً بشكل مشابه لهم. وقد رفض كول وحزبه هذه الدعوة لانهما يعرفان ايضاً ان هذا الأمر لن يخرجهما من المأزق، بل سيؤدي الى شحن الاجواء السياسية في البلاد وتوتيرها والى انتقادات اوروبية ودولية لا يمكن لالمانيا ان تتحملها، اضافة الى ان حسابات كول هي غير حسابات فايغل الذي يعتمد اصلاً على قاعدة انتخابية يمينية محافظة في بافاريا تجمع في صفوفها ايضاً مختلف انواع اليمين المتطرف والنازية الجديدة. ويرى المراقبون ايضاً ان الحزب الاشتراكي الديموقراطي ومرشحه لمنصب المستشار غيرهارد شرودر خرجا منتصرين من هذه الجولة الثانية وسجلا نقاطاً اضافية لصالحهما على طريق المعركة النهائية في ايلول سبتمبر المقبل، ولو ان الحزب في ولاية ساكسن - انهالت لم يحصل على النسبة التي توقعتها الاستفتاءات، أي اكثر من اربعين في المئة. ولكن على الرغم من التفاؤل الموجود، الا ان خسارة الخضر للانتخابات دقت ناقوس الخطر داخل قيادة الحزب التي سارعت للبحث في اعادة ترتيب أولويات شعاراتها الانتخابية بعد تبيان آثار النهج الاحمق الذي اتبعته في موضوع البنزين والبيئة في هذه الفترة الحرجة من الانتخابات. وللمرة الأولى يشعر الخضر بأنهم قد يخسرون بالفعل الانتخابات العامة في الخريف القادم، اذا لم يتراجعوا عن قرار رفع سعر البنزين ويركزوا اكثر على الاوضاع الاجتماعية وعلى أزمة البطالة، خاصة وان شعبيتهم هبطت في الاشهر الاخيرة من 11 و12 في المئة لتتراوح بين 6 و7 في المئة. ولا يعود السبب في ذلك الى النهوض السياسي العارم الذي يشهده الاشتراكيون الديموقراطيون في هذه الايام فقط، وانما ايضاً الى اخطاء تكتيكية عدة ارتكبوها. وسيكون الحزب الاشتراكي الديموقراطي في وضع حرج بعد الانتخابات القادمة حتى لو فاز فيها لانه لن يجد امامه عندها سوى التحالف مع الحزب الديموقراطي المسيحي. وهذا هو وضع ولاية ساكسن - انهالت اليوم حيث ستتشكل حكومة ائتلاف وطني لأن قيادة الاشتراكيين الديموقراطيين الاتحادية ترفض، على عكس اكثرية القيادة المحلية، التعاون مع حزب الاشتراكية الديموقراطية الشيوعي الاصلاحي في هذه المرحلة خوفاً من استغلال احزاب الائتلاف الحاكم في بون للامر، وشن حملة شعواء عليهم واتهامهم بالتحالف مع شيوعيي العهد البائد. ويمكن لمثل هذه الحملة ان تبعد اصوات "اليمين الوسط" التي يريد شرودر الاعتماد عليها للفوز على كول.