احتفل الاردنيون امس بالذكرى الخامسة والاربعين لتسلم الملك حسين بن طلال سلطاته الدستورية ملكاً للمملكة الاردنية الهاشمية، مما يجعله اقدم زعيم في الشرق الاوسط وأحد اقدم الزعماء الحاكمين في العالم اليوم. وتمكن العاهل الاردني خلال تلك الفترة من المحافظة على مملكته عبر خمسة حروب شرق اوسطية وانقلابات سياسية وثورات ايديولوجية وتحولات جذرية على الصعيدين الاقليمي والدولي. وبعد مرور اربعة عقود ونصف عقد على تسلّمه الحكم في المملكة، لا يزال الملك حسين يسعى من دون كلل من اجل تحقيق تسوية سلمية بين العرب والاسرائيليين من خلال دعم عملية السلام التي تهدد في حال انهيارها بدفع المنطقة نحو دوامة جديدة من العنف والعنف المقابل والى حالة من عدم الاستقرار الاقليمي. كما ان مسيرة التحول الديموقراطي التي اطلقها عام 1989 والضغوط الاقتصادية التي ترتبت على مسلسل الازمات الاقليمية، لا تزال تشكّل تحديات كبيرة له وللمملكة. وينظر الاردنيون الى ملكهم على انه الحاكم والحكم الذي حافظ على وحدة شعبه ومملكته باسلوب ابوي وسط زوابع وتحديات اجتاحت المنطقة على امتداد ما يقرّب من نصف قرن من الحروب والقلاقل الداخلية والاقليمية والتحالفات المتقلبة والمحاور التي غيّرت شكل الشرق الاوسط وخلقت واقعاً جديداً لا يزال بعيداً عن الاستقرار المنشود. ذلك ان الملك حسين، الى جانب قيادته الاردن الى الاستقلال عن النفوذ البريطاني في اوائل الخمسينات واطلاق عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الخمسينات والستينات، شهد عهده عملية بناء الدولة الحديثة، وهي العملية التي تعرضت لانتكاسة كبيرة خلال حرب عام 1967 ادت الى خسارة الاردن للقدس الشرقية والضفة الغربية وهي اراض كانت تحت الحكم الاردني بحسب اتفاق الوحدة التي أسسها جده الملك عبدالله مع القيادات الفلسطينية عام 1950. واضطر الاردن، رغم امكاناته المحدودة وموارده الشحيحة، الى حمل عبء استضافة مئات الآلاف من اللاجئين والنازحين الفلسطينيين بعد حربي عامي 48 و67، مع ما ترتب على ذلك من ضغوط اقتصادية واجتماعية وسياسية. ومن المعروف ان الاردن هو الدولة العربية الوحيدة التي منحت الفلسطينيين حق حمل الجنسية الاردنية والمساواة مع المواطنين الاردنيين بحسب الدستور. وأطلق الملك حسين عام 1989 مسيرة التحول الديموقراطي في البلاد، فأجريت اول انتخابات نيابية عامة منذ عام 1967، فألعيت الاحكام العرفية وسمح بترخيص الاحزاب السياسية والصحف الحزبية والمستقلة. وخلال ازمة وحرب الخليج الثانية، سعى الملك حسين الى المحافظة على موقف متوازن، فرفض الاحتلال العراقي للكويت، ووقف ضد الحرب التي شنها التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة ضد العراق رغم ضغوط دولية واقليمية لدفعه الى الانضمام الى التحالف. ورغم ان ذلك الموقف رفع شعبية العاهل الاردني الى اعلى مستوياتها، فانه تسبب بفرض عزلة خليجية واميركية وعقوبات اقتصادية على المملكة استمرت سنوات عدة قبل ان تبدأ بالتراجع تدريجاً. ثم قاد الملك حسين بلاده الى معاهدة سلام مع اسرائيل عام 1994 بعد ان وقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق اعلان المبادئ مع اسرائيل عام 1993. واستعاد الاردن من خلال المعاهدة اراضيه المحتلة على طول خط وقف اطلاق النار بين البلدين وتم ترسيم الحدود الدولية بينهما فضلاً عن حصول الاردن على حصته من المياه الاقليمية التي كانت تستغلها اسرائيل. لكن تعثر المفاوضات في المسار الفلسطيني بسبب مماطلة اسرائيل في تنفيذ الاتفاقات المبرمة مع الجانب الفلسطيني، زاد من الضغوط الداخلية التي يتعرض لها الملك حسين الذي واصل تطبيع علاقاته مع اسرائيل. ومعروف ان ما يقرب من نصف الاردنيين هم من اصل فلسطيني. ورغم تعثر عملية السلام اليوم، يواصل الملك حسين، وهو في الثانية والستين من عمره، جهوده لاعادة احيائها محذراً من العواقب الوخيمة التي قد تترتب على انهيارها، ومؤكداً دعمه للفلسطينين لجهة استعادة حقوقهم الكاملة واقامة دولتهم المستقلة على اراضيهم وعاصمتها في القدس. ويؤكد الاطباء ان الملك حسين يتمتع بصحة جيدة منذ اجراء عملية جراحية ناجحة له عام 1992 في الولاياتالمتحدة لاستئصال كليته اليسرى التي اكتشف فيها خلايا سرطانية. ورغم ان العاهل الاردني لا يزال من المدخنين، فانه يواصل ممارسة رياضاته المفضلة ومن بينها التزلج على الثلج وسباق السيارات فضلاً عن قيادة الطائرة بنفسه عند سفره. وتزوج الملك حسين من رابع زوجاته الملكة نور، وهي من اصل عربي - اميركي عام 1978، بعد وفاة الملكة علياء، وهي من اصل فلسطيني، في حادث تحطم طائرة مروحية في العام السابق. ولد الملك حسين في 14/11/1935، ونشأ في كنف والده الملك طلال ووالدته الملكة زين وبرعاية جده الملك عبدالله بن الحسين. وتلقى علومه الابتدائية في الكلية العلمية الاسلامية في عمان والتحق بعدها ولمدة عامين بكلية فيكتوريا في الاسكندرية ثم انتقل الى كلية هارو في انكلترا عام 1951. وفي 11/8/1952 نودي به ملكاً على الاردن. الا ان مجلس الوزراء اتخذ قراراً بتعيين مجلس وصاية لانه لم يكن قد بلغ السن القانونية، فبقي في بريطانيا والتحق بكلية ساندهيرست العسكرية وقضى فيها قرابة عام الى ان عاد الى بلاده ليتسلم سلطاته الدستورية في الثاني عشر من ايار مايو 1953. ورزق الملك حسين بأحد عشر ابناً وبنتاً هم على الترتيب الامراء والاميرات عالية وعبدالله وفيصل وزين وعائشة وهيا وعلي وحمزة وهاشم وايمان وراية.