بدأ الحديث عن الانتخابات البلدية والاختيارية يطرح في مجالس القرى وشوارعها في اقليم الخروب، بعدما أعلن اجراؤها رسمياً، وبعدما بدا الناس، قبل ذلك، أقل حماسة عن اندفاعهم الذي أبدوه في أول حملة أطلقتها الدولة لإجراء هذه الانتخابات. والاهتمام لا يزال في الأحاديث اذ لم تعلق صور ولافتات، ولم تعلن أسماء المرشحين بعد. وذلك يعود، كما قال بعض المتتبعين لهذا الاستحقاق الى "أن قانون الانتخابات البلدية الجديد ينص على انتخاب رئيس المجلس البلدي من الأعضاء لا من المواطنين مباشرة". ومنطقة اقليم الخروب خضعت لقطبي الجنبلاطية والشمعونية السياسيين وتجاذبانها زمناً طويلاً، أسوة بقرى قضاء الشوف كله، من دون ان تنتج قرى الاقليم مجتمعة قطباً سياسياً واحداً من الوزن نفسه، وبقي لهما في كل قرية مؤيدون يظهرون مروءاتهم في كل انتخابات سواء أكانت نيابية أم بلدية واختيارية. والتوازن الذي كان بين الشمعونية والجنبلاطية انقلب رأساً على عقب غداة اندلاع الحرب اللبنانية وبخاصة حرب الجبل منها والتي أبقت لوناً سياسياً واحداً وهو الجنبلاطي أو الاشتراكي. إذ ارتفعت نسبة المنتسبين الى الحزب التقدمي الاشتراكي بفعل حضور قواته العسكرية وقياداتها أيام الحرب وإدارته المدنية بعيد انتهائها وتمثيل جبهته جبهة النضال الوطني في المجلس النيابي في الدورتين الأخيرتين من دون منافس فعلي، بعدما اضمحل الدور الشمعوني في المنطقة وجوداً وفعلاً وعدم قدرة المرشحين المنفردين والأحزاب القائمة على منافسة الحزب التقدمي الاشتراكي في الانتخابات واختراقه. والحال في الانتخابات البلدية والاختيارية لا تشبهها في النيابية. فالبلدية أكثر محلية وتدخل في خصوصيات كل بلدة وتركيبتها العائلية ولا يمكن ان ينفرد حزب او اتجاه سياسي في اتخاذ القرار في الانتخابات البلدية ليفرض رئيساً من أتباعه وخصوصاً في بلدتي برجا وشحيم وهما أكبر بلدتان في الاقليم يبلغ عدد الناخبين في كل منهما 11 ألفاً في لوائح العام 1996، وفيهما تيارات سياسية كثيرة منها التقدمي الاشتراكي والشيوعي والبعثي الموالي لسورية والقوى الإسلامية وأخيراً تيار "المستقبل" الموالي لرئيس الحكومة رفيق الحريري وغيرها. اضافة الى العائلات الكبيرة التي أثيرت حماساتها للاشتراك في الانتخابات مع أول مبادرة أطلقتها الدولة وراحت ترشح واحداً أو أكثر من أبنائها الى الرئاسة لا الى العضوية "لأنها أمر حاصل". وأعلنت الأحزاب أسماء مرشحيها، وهذا ما لم تجرؤ عليه الآن، على رغم محاولاتها وطروحاتها التوافقية في ما بينها من جهة وبين العائلات الكبيرة من جهة أخرى وهي في معظمها منشقة ما سيؤدي الى معركة انتخابية حامية تتمثل بتأليف لوائح عدة وعدد كبير من المنفردين. والمجلسان السابقان في البلدتين حلاّ أواخر الستينات بعد وفاة رئيسيهما ولم يتوافق الأعضاء على انتخاب بديلين ما حدا بقائمقام الشوف الى حلهما وتوليه رئاستهما. وأدى ذلك الى تفاقم المشكلات الخدماتية فيهما وهما أصبحتا مدينتين "بالكم" وقريتين "بالنوع" وتفتقران الى الحد الأدنى من مقومات الحياة المدنية. إذ تضاعف عدد قاطنيهما وبقيت مرافقهما الاجتماعية وبناهما التحتية من مخلفات "العهد العثماني". ويتوقع البعض "صراعاً سياسياً وعائلياً في المعركة الانتخابية وضمن العائلة الواحدة بين أجيالها وفروعها اضافة الى الصراع بين الجيلين القديم والجديد والمثقف. وشعار التوافق طوباوي ونظري ومن دون معنى والتجربة السابقة أثبتت ان كل التوافقات فاشلة". وفي شحيم تطغى العائلات الكبيرة وهي الخطيب وعويدات وعبدالله وحجار والحاج شحادة وشعبان ويونس وفواز ومراد وغيرها. وطالما انتخب نائبا اقليم الخروب السنيان من أبنائها. ورأى عضو مجلس قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي ابن شحيم الدكتور بلال العبدالله "أن للواقع الانتخابي ثلاثة أبعاد: السياسي وتعتبره القوى السياسية النافذة مجالاً لإثبات وزنها وفعاليتها. والثاني العائلي الذي يتركز في تكتلات عائلية بسبب التكوين الديموغرافي لشحيم من عائلات كبرى مع فروعها. والثالث التغييري وتحمله مجموعة كبيرة من نخبة مثقفي البلدة على تنوع انتماءاتهم العائلية والسياسية في اتجاه طرح برنامج تغييري قادر على التطوير". وأضاف "من خلال هذا التوصيف لن يتمكن واحد من الثلاثة من التفرد في تحديد مسار الاستحقاق، لأن شحيم تختزن قوى وتيارات سياسية عدة، من أقصى اليمين الى أقصى اليسار مروراً بالقوى الإسلامية، ولأن لا أحد لديه الغالبية، اضافة الى ان عائلات شحيم كافة تعيش حالاً من الانقسام والتفكك، وهذا إيجابي، ما يجعل فرز مرشح أو اثنين من كل عائلة أمراً صعباً أو مستحيلاً وكذلك التحالف بين العائلات عملاً بمعادلة من يتنازل لمن على الرئاسة لأن العضوية حاصلون عليها". وأضاف "يبقى التغييريون على كثرة عددهم وكفايتهم وموقعهم النخبوي وهم يخجلون في طرح أنفسهم بديلاً موضوعياً". ودعا العبدالله "الى مراعاة الظروف السياسية وتركيبتها من أجل تطوير التركيبة العائلية وأن يدفع بها في الاتجاه الإيجابي للاستفادة من القوى التغييرية والنخبة المهنية والمثقفة الى واجهة العمل البلدي ونحن على أبواب القرن الواحد والعشرين". وأضاف "قد يكون هذا صعباً وقد يحمل في طياته نوعاً من التحدي للذات". وهل رشح الحزب التقدمي الاشتراكي رئيساً لبلدية شحيم؟ أجاب "لم يرشح أحداً حتى تاريخه، وإذا تقرر ترشيح أحد أو دعمه لن يكون الا قراراً توافقياً مع رأي الغالبية". وختم "لسنا في صدد اثارة النعرات العائلية وزيادة الشرذمات والتفكك بل سنسعى الى توحيد الصفوف وتغليب نهج الإنماء غير متمسكين بحصة أو موقع". أما تيار "المستقبل" فبدأ العمل على المشاركة في قرى الاقليم كلها، بإيعاز من الرئيس الحريري. وفي معلومات ل"الحياة" ان "رئيس الحكومة اجتمع مع أعضاء من تياره في اقليم الخروب قبل يومين وحثهم على العمل جدياً للمشاركة فيها كتيار"، وأوضح لهم "ان مشروعاً توافقياً في الاقليم سيطرحه على زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وسيطلعهم على نتائجه لاحقاً"، ودعاهم "الى تأسيس لجنة لمتابعة هذا الاستحقاق والعمل على التوافق مع كل التيارات في المنطقة". ورأى الدكتور نبيل عويدات، وهو مرشح سابق الى النيابة وابن بلدة شحيم "ان الرأي غالب على التوافق وأمر العائلية ليس مهماً". وأضاف "لا تدخل في الانتخابات البلدية، السياسة الخارجية ولا نقبل بهيمنة أي تيار، بل نريد رئيساً ينتخبه أبناء البلدة بملء ارادتهم". ورأى "ان الانتخابات البلدية تجربة أساسية وسنتوافق مع أي كان شرط ان يكون معطاء للنهوض بالبلد ويمثل تطلعاتنا". وأضاف "سنحارب كل من ينطلق من عائلته لأنه فردي ولا يؤمن بالمجموعة. وسندعم الأصح من دون هيمنة أو سيطرة حزبية معينة ومن دون زرع الشقاق والخلافات واثارة النعرات العائلية"، وختم "لا تعني لنا هوية المرشح السياسية بل برنامجه وشخصيته". وبين المرشحين في شحيم الى الرئاسة، من هو حزبي أو مستقل أو مقرب من النائب زاهر الخطيب، فرج فواز وأشرف أمين وعدنان عويدات وغسان شعبان وجنان شعبان وعبد الحفيظ شعبان ووفيق الحاج وفيصل حمدان وعادل عبدالغني الحجار وأحمد محمود شعبان وسواهم. أما برجا ففيها عشرات العائلات، والكبيرة منها دمج والشمعة وحمية والخطيب والغوش وسعد والحاج ورمضان وشبّو والمعوش والبرّاج والدقدوي وغيرها. وفي البلدة مراجع سياسية منها عضو جبهة النضال الوطني النائب علاء الدين ترّو، ويمثل وجهة نظر الحزب التقدمي الاشتراكي، اضافة الى الأحزاب الشيوعي والبعث العربي السوري والجماعة الإسلامية وتيار المستقبل التابع لرئيس الحكومة الذي "تأخر في اطلالته على المنطقة"، كما قال أستاذ جامعي من أبناء البلدة. وأضاف "لن يشكل تياره قوة أساسية في برجا لأنه تأخر وأصبحت اطلالته أصعب، ثم ان وجوده في مدينتي بيروت وصيدا اخذ معظم امكاناته". ورأى "ان لا قوة كاسحة في البلدة يمكنها ان تسمي الرئيس لأن التوازنات الداخلية أكثر تأثيراً وستعيد قوى سياسية كثيرة حساباتها آخذة في الاعتبار ان هذه الانتخابات ليست نيابية وتميل الى التوافق مع العائلات التي لديها أعراف تحترمها". وأشار الى "ان القوى السياسية والأحزاب بدأت بالبحث في موضوع الانتخابات في وقت تبدو حركة العائلات ضعيفة، وأقل اندفاعاً". ورأى رئيس النادي الثقافي الاجتماعي في برجا خالد الشمعة "ان التطلعات العائلية ومناورات القوى السياسية تلتقي مع التشكيلات العائلية ظناً منها انها تستطيع ايصال بعض محازبيها ولو بالطرق العشائرية، لأن الغاية تبرر الوسيلة". وأضاف "ولكن لن يكون حظ لأي حزب يحاول ان يكون في حال تناقض مع العائلات"، موضحاً "ان هناك قوة تسعى فعلاً الى التوافق بين العائلات والتيارات السياسية لتخرج من المعركة بأقل الخسائر والصراعات الداخلية الحزبية أو العائلية واضعة مصلحة البلد فوق كل اعتبار". وأشار الى "ان أعضاء النادي مرشحون الى الرئاسة بعضهم حزبي وبعضهم مستقل". وفي البلدة القوى نفسها الموجودة في شحيم، حزبياً، وهل اضمحلت الشمعونية؟ أجاب "ليس بالكامل وان تغيرت الموازين"، وعن تحالف الوزير وليد جنبلاط ورئيس حزب الوطنيين الأحرار دوري شمعون قال "هذا التحالف مرفوض في برجا، وقد يصلح في دير القمر والقرى المختلطة". واعتبر الشمعة "ان الناس يفضلون رئيساً غير حزبي ومنفتحاً على الجميع يكون أهلاً للمركز"، مشيراً الى "ان المعركة تبدأ مع بدء الترشيحات الفعلية، لأن الطموحين كثيرون والشرخ بين العائلات قائم"، معتبراً "ان المعركة ستكون حامية والمنافسة طاحنة على ما دلت حركة الناس سابقاً". وقال "ان العائلات الصغيرة إذا تحالفت، كما في السابق، قد تقلب موازين العائلات الكبيرة". ومن المرشحين في برجا الدكتور سالم رمضان وهو مقرب من الحزب التقدمي وكان سابقاً في الادارة المدنية وماجد ترّو شقيق النائب علاء الدين ترّو وعماد سيف الدين وعبدالسلام سعد من "الجماعة الإسلامية"، ومن المستقلين جمال الغوش وزهير سعد وعلي المعوش ومحمد الدقدوقي وأيمن الغوش وحسيب الخطيب وسواهم.