غطى الإقبال الكثيف غير المسبوق على صناديق الاقتراع في أقضية جبل لبنان لانتخاب مجالس بلدية جديدة (فاقت نسبته 70 المئة في بلدات وقرى) على حرارة الطقس المرتفعة التي لم تمنع المقترعين في السابعة صباحاً من بدء العملية الانتخابية من التدفق بأعداد كبيرة على صناديق الاقتراع، خصوصاً في البلدات الجبلية التي شهدت منافسة حامية أين منها المنافسات السابقة، وتحديداً في جونيه وغوسطا وسن الفيل وأنطلياس وضبيه وجل الديب وبلدات إقليم الخروب والدامور ودير القمر والحدث والشويفات، التي كانت مسرحاً لمعركة بين لائحتين الأولى مدعومة من النائب طلال أرسلان وفيها أكثر من مرشح من الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط الداعم للائحة الثانية التي يطغى عليها عدد من المرشحين من هيئات المجتمع المدني، من دون أن يؤثر «الصدام» البلدي في العلاقة بين الزعيمين الدرزيين باعتبار أنها كانت بمثابة «ميني» معركة. ولعل المفارقة في التنافس البلدي تكمن في أن «إعلان النيات» بين «التيار الوطني الحر» وبين «حزب القوات اللبنانية» لم يترجم إلى خوض الانتخابات البلدية على لوائح موحدة باستثناء سن الفيل وأنطلياس ودير القمر وبعض البلدات الجبلية، ما يعني أن المعارك شهدت عملية خلط أوراق ولم تستقر على توافق تام نظراً إلى الخصوصيات العائلية التي تتمتع بها المدن والقرى، فتركت الحرية للناخبين كما حصل في الدامور. وفي المقابل بدا الثبات في تحالف «حزب العائلات» في المتن الشمالي برعاية نائب رئيس الحكومة السابق النائب ميشال المر بالتعاون مع حزب «الكتائب» أقوى من تحالف «التيار الوطني» و «القوات» علماً أن الكتائب حل مكان الأخير على اللائحة المدعومة من العماد ميشال عون في جونيه برئاسة جوان حبيش ضد اللائحة التي يتزعمها فؤاد البواري. ناهيك عن أن «القوات» أثبت قدرته على التماسك في اللوائح البلدية التي شارك فيها، في مقابل تعذر الانسجام داخل «التيار الوطني»، وكان جلياً في توزع أصواته على اللوائح المتنافسة في جل الديب وضبيه وأيضاً بصورة رمزية في الحدث (بعبدا) حيث أن مناصرين لعون ترشحوا على لائحة أنطوان كرم في وجه لائحة «التيار الوطني» برئاسة الرئيس الحالي للبلدية جورج عون. وفي إقليم الخروب (قضاء الشوف) اقتصر تعاون «التقدمي» و«المستقبل» على دعم لائحة مشتركة في شحيم في وجه لائحة اعتبر من فيها أنهم يمثلون «المجتمع المدني»، في مقابل تحالف «التقدمي» و«الجماعة الإسلامية» في كترمايا في لائحة واجهت لائحتين، الأولى، تتمثل فيها بعض العائلات التي تتواصل مع «المستقبل» والثانية تقتصر على «التيار السلفي». لكن المشهد البلدي سرعان ما تبدل في برجا التي شهدت تنافساً حاداً بين ثلاث لوائح الأولى مدعومة من «الجماعة» والثانية غير مكتملة وتضم في غالبيتها مرشحين عن «الحزب الشيوعي»، بينما الثالثة يتزعمها العميد المتقاعد حسن سعد وتحظى بعطف خاص من «التقدمي». وحرص «التقدمي» و«المستقبل» على تأكيد أن الحماوة البلدية في بلدات الإقليم لن تؤثر في التحالف السياسي بينهما ولن تكون لها تداعيات سياسية. أما في الضاحية الجنوبية وتحديداً في الغبيري وبرج البراجنة فإن تحالف «حزب الله» الأكثر حضوراً في هاتين البلدتين مع حركة «أمل» واجه لوائح غير مكتملة أرادت أن تثبت وجودها لعلها تحصد رقماً انتخابياً يمكن أن يكرر المشهد الذي شهدته بيروت في المنافسة التي جرت بين «لائحة البيارتة» وبين «بيروت مدينتي»، وبالتالي يراهن من ينازل «التحالف الشيعي» في عقر داره على تبدل المزاج الشعبي في اتجاه الانحياز ولو بنسبة مقبولة إلى مصلحة مرشحي «المجتمع المدني». لذلك يمكن القول إنه باستثناء الضاحية الجنوبية وبعض البلدات، فإن «العشاق» ومن ضمن التحالف السياسي سرعان ما تفرقوا في الاقتراع البلدي، وأن لوائح بلدية جمعت بين الأضداد تحت سقف التحالف، وبالتالي لا يمكن التعامل مع نتائج الانتخابات البلدية على أنها ستنسحب على الانتخابات النيابية المقبلة، وإلا ما هو التفسير السياسي لتعاون «القوات» و«التيار الوطني» في بلدة واختلافهما في بلدة أخرى. وهناك من يقول إن معظم الأحزاب انصاعت بلدياً ل «حزب العائلات». وهكذا اختلط الحابل بالنابل. رسمياً، فاقت نسبة الاقتراع التوقعات، وبلغت حتى الثالثة بعد الظهر بحسب وزارة الداخلية 38.7 في المئة. في جبيل وصلت إلى 43 في المئة والمتن إلى 35,2 في المئة، والشوف إلى 37 في المئة وفي كسروان 46 في المئة وعاليه 38 في المئة وبعبدا 33 في المئة. وكانت غرفة العمليات المركزية في الوزارة رصدت «بضع حوادث في خمس بلدات، هي: الناعمة، حارة الناعمة، كفرنبرخ، جبيل وأفقا، واقتصرت على التلاسن والتضارب والتدافع بين مندوبي المرشحين. وتدخلت الأجهزة الأمنية والعسكرية ووضعت حداً سريعاً لها». كما سجلت الغرفة «توقيف 4 أشخاص في بلدتي يحشوش ورعشين في قضاء كسروان- الفتوح بتهمة الرشوة وفتح القضاء المختص تحقيقاً معهم». وكان وزير الداخلية نهاد المشنوق جال على المناطق التي تشهد انتخابات ووصف الأجواء بأنها «جيدة جداً ومشاركة معقولة والوضع أفضل من الأحد الماضي بكل المعاني (انتخابات بيروت والبقاع)»، مطمئناً إلى أن «الوضع الأمني ممسوك مئة في المئة، ومسألة الرشاوى نتابعها في شكل جدي». وكانت محطته الأولى في غرفة العمليات المركزية ثم انتقل إلى سراي بعبدا فسراي جونيه وقال إن «الأجواء ممتازة». وانتقل إلى سراي بيت الدين، واطلع على سير العملية أمنياً وإدارياً، ولفت الى أن «هناك إقبالاً جدياً على التصويت ولا سيما في قرى العودة، وهذا دليل على أن مصالحة الجبل لا تزال نتائجها سارية المفعول». وتفقد المشنوق ثانوية الغبيري في ضاحية بيروت الجنوبية. وأكد أن «هناك مناطق فاقت نسبة التصويت فيها اليوم ال 40 في المئة، معتبراً أن البلاد تحتاج إلى رئيس للجمهورية أكثر من انتخابات نيابية».