لم يمنع التوجه السائد لدى القوى السياسية الرئيسة في جبل لبنان بتحبيذ الائتلاف في الانتخابات البلدية التي تجرى غداً الأحد من حصول معارك ساخنة في عدد من البلدات في جميع أقضية المحافظة لأن القوى المعنية أخفقت في اقناع العائلات بالوصول الى تفاهم بلدي ما اضطرها الى التسليم بالأمر الواقع من دون أن تخرج كلياً من المنازلات البلدية. ولكل قوة سياسية في جبل لبنان حساباتها الخاصة في ترجيح الائتلاف على ترك الباب مفتوحاً أمام معارك بلدية وان كانت تلتقي مع خصومها على الصعيد النيابي بعدم اظهار رغبتها في الدخول في اختبار لميزان القوى لتظهير الأحجام للمرة الثانية في أقل من سنة على اجراء الانتخابات النيابية في حزيران (يونيو) الماضي. ولعل الاستثناء الوحيد في تعميم الائتلاف هو في البلدات الشيعية التي قررت الانسجام مع رغبة «حزب الله» وحركة «أمل» في التوافق البلدي ولم يشذ عن هذه القاعدة أية بلدة في قرى أقضية جبيل وكسروان وساحل المتن الجنوبي (بعبدا) والشوف وعاليه. كما ان الاستثناء في عدم خلط الأوراق السياسية خلافاً للانقسام السياسي الذي برز جلياً في الانتخابات النيابية بقي قائماً في قرى قضاء جبيل الذي تدور فيه معارك بلدية قاسية أبرزها في جبيل عاصمة القضاء وقرطبا وجرود جبيل. ولم تفلح الاتصالات في إيجاد المناخ المواتي للائتلاف وتحديداً بين قوى 14 آذار الذي يشكل النائب السابق فارس سعيد الرافعة الأساسية لها و «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون... والمنافسة الدائرة في عدد من قرى قضاء جبيل تتمدد باتجاه كسروان - الفتوح، انما بنسبة أقل، وتكاد تكون محصورة في جونية وذوق مكايل، فيما اصرار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على المضي قدماً في تثبيت دعائم المصالحة الدرزية - الدرزية في موازاة مصالحته مع خصوم الأمس في الشارع المسيحي بدأ يعطي ثماره في غالبية القرى الدرزية في أقضية الشوف وعاليه والمتن الأعلى (بعبدا) باستثناء بلدات تصر العائلات فيها على المنافسة على رغم انها تفتقد الى الغطاء السياسي. كما ان جنبلاط يمسك العصا البلدية من النصف في سعيه الدؤوب الى اخراج البلدات المختلطة بين الدروز والمسيحيين من المنافسة، وقدم لذلك مجموعة تنازلات وتسهيلات تمثلت في ضغطه على معظم العائلات الدرزية لتشكيل لوائح ائتلافية برئاسة مسيحي. وينطلق جنبلاط في اصراره على تبريد الأجواء البلدية على الجبهة الدرزية - المسيحية من اعتبارين: أولهما تكريس المصالحة التي كان رعاها البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير، وثانيهما التشجيع على استكمال ملف عودة المسيحيين الى قراهم لما يترتب عليه من حماية للتعايش من ناحية وإنعاش البلدات وإعادة الحيوية اليها من ناحية ثانية. الا ان المشهد الانتخابي في الشوف عموماً يواجه عقبة ما زالت تحول دون تعميم التوافق على بلدات اقليمالخروب ذات الغالبية السنّية وتحديداً في برجا إحدى كبريات البلدات السنّية حيث لم تنجح الجهود الوفاقية في تنقية الأجواء بين تيار «المستقبل» و «الجماعة الإسلامية» ما اضطر الطرفين الى تشكيل لائحتين متنافستين، فيما قرر «التقدمي» الحياد وعدم التدخل ترشحاً تاركاً لمحازبيه ومقترعيه حرية الانتخاب، اضافة الى ان المشهد الانتخابي نفسه يتكرر في كترمايا. لذلك لم تتوقف الاتصالات الدرزية - الدرزية والدرزية - المسيحية وقبل 48 ساعة من بدء العملية الانتخابية من معالجة عدد من الثغرات لتغليب الائتلاف على المعركة وأبرزها اللقاء الذي عقد مساء أمس بين الوزير النائب أكرم شهيب والفاعليات والاحزاب المسيحية للاتفاق على اسم المرشح لرئاسة البلدية في العبادية (عاليه) في ضوء مطالبة الدروز بأن يكون من حصتهم وإصرار المسيحيين على تسميته. كما ان الاتصالات الدرزية - الدرزية لم تنجح في إنهاء مسلسل المعارك البلدية في صوفر، المشرفة، الرملية، كفرمتى (مختلطة من دروز ومسيحيين) بينما تتكثف المشاورات لتأمين فوز المجلس البلدي في عاليه بالتزكية نظراً الى ان المرشحين أصبحوا الآن 21 مرشحاً ل 18 مقعداً وبالتالي لا بد من اقناع ثلاثة منهم بالانسحاب، وهذا ما يحصل أيضاً في شاناي ومجدلبعنا بعد انسحاب المرشحين المنتمين للحزبين السوري القومي الاجتماعي والديموقراطي اللبناني برئاسة النائب طلال ارسلان من المعركة فيها أي مجدلبعنا. وفي شأن مصير الائتلاف في دير القمر فإن الأجواء التي سادت الاجتماع «الماراثوني» الذي عقد أمس لفاعليات دير القمر برعاية رئيس انطش سيدة التلة الآباتي مرسيل أبي خليل وهو الخامس في أقل من أسبوع، علمت «الحياة» من مصادر مواكبة للمفاوضات أنه انتهى الى اختلاف على تسمية أعضاء اللائحة الائتلافية على رغم ان الحضور جدد توافقه على الدكتور انطوان شكري البستاني رئيساً للبلدية وبيار عدوان نائباً له... وحاول الآباتي أبي خليل الضغط باتجاه التوصل الى ائتلاف بلدي وهو لهذه الغاية رفع الجلسة أكثر من مرة لاتاحة المجال أمام عقد مشاورات ثنائية علها تؤدي الى تذليل الاعتراضات على تسمية الأعضاء لكن المفاوضات لم تحقق أي تقدم ما دفع المشاركين فيها الى اعتبار ان المعركة البلدية ستبقى حتى اشعار آخر مفتوحة على كل الاحتمالات في ضوء مسارعة البعض الى تشكيل لائحتين متنافستين، فيما جدد رئيس «حزب الوطنيين الأحرار» النائب دوري شمعون وقوفه على الحياد لتعذر التفاهم، وكذلك الحال بالنسبة الى «التقدمي» بينما لوح العميد المتقاعد في الجيش اللبناني أدونيس نعمة بالدعوة الى المقاطعة. كما ان الوزير السابق ناجي البستاني سعى بالتعاون مع نائب رئيس حزب «القوات» النائب جورج عدوان الى انقاذ الموقف الا ان جهودهما اصطدمت بحائط مسدود. واعترف معظم الذين شاركوا في الاجتماع بأن دير القمر بقيت عصية على التفاهم على رغم ان الجميع أبدوا نيات حسنة للائتلاف. وبالعودة الى الائتلاف الشيعي لا بد من الإشارة الى ان تحالف «حزب الله» وحركة «امل» أدى الى تضييق الخيار البلدي على بعض العائلات في ساحل المتن الجنوبي (الغبيرة، حارة حريك، برج البراجنة) التي توزعت بين الاستقالة من الترشح وبين الإصرار على خوض المعركة على رغم انها رمزية بغية تسجيل موقف لا يتجاوز اختبار ميزان القوى، علماً ان هذا لا ينطبق على حارة حريك التي فاز مجلسها البلدي المؤلف من 18 عضواً (10 شيعة و8 من المسيحيين) بالتزكية لمصلحة انتخاب زياد واكد رئيساً للبلدية. أما في القرى المسيحية في قضاء بعبدا فإن المنافسة تشتد على جبهة الشريط البلدي الذي يضم الحدث والحازمية وبلدة بعبدا مع الأخذ في الاعتبار ان التحالفات في الحازمية قائمة على خلط الأوراق بين خصوم الأمس وحلفاء اليوم، تماماً كما هو حاصل في عدد من قرى الشوف ما عدا شحيم التي تعتبر البلدة السنّية الأكبر في اقليمالخروب التي تشهد معركة بين لائحتين: الأولى مدعومة من تحالف «المستقبل» و «التقدمي» و «الجماعة الإسلامية»، والثانية مؤيدة من بعض قوى المعارضة سابقاً. أما في المتن الشمالي فإن التحضيرات لخوض الانتخابات البلدية حملت مفاجأة، إذ لم يكن متوقعاً قيام ائتلافات بلدية مدعومة من نائب رئيس الحكومة السابق النائب ميشال المر وحزبي «القوات» والكتائب و «التيار الوطني الحر» الذي يحتفظ لنفسه حتى الساعة بكلمة السر التي أملت عليه الموافقة على الاتئلاف بخلاف الإشارات التي كان أطلقها من انه يعد العدة لخوض المعارك على كل الجبهات المتنية، في مقابل عدم توصله الى تفاهم مع حليفه في الانتخابات النيابية الحزب السوري القومي الاجتماعي في ضبية وضهور الشوير. ومع ان المزاج الانتخابي لسكان بسكنتا إحدى كبريات البلدات المسيحية لا يزال غامضاً ولن يكون في مقدور أي قوة سياسية فيها استقراء الطلائع الأولية للنتائج البلدية فيها، فإن النائب المر نجح من خلال انفتاحه على الائتلاف مع منافسه العماد عون من دون التخلي عن حليفيه في الانتخابات النيابية حزبي «القوات» والكتائب في الحفاظ على قوته في البلديات وهذا ما ستظهره النتائج التي يرجح أن تعيد انتخاب ابنته ميرنا المر أبو شرف على رأس اتحاد بلديات المتن الشمالي الذي يضم 33 بلدية، لا سيما ان عون شخصياً كان بعث برسائل بواسطة أصدقاء مشتركين للنائب المر يؤكد فيها ان لا اعتراض لديه على اعادة انتخابها. وعلمت «الحياة» ان أحد أقرب المقربين من عون كان نقل أخيراً رسالة بهذا الخصوص الى ميرنا المر التي تتواصل مع القوى الرئيسة في المتن الشمالي ولعبت دوراً الى جانب والدها في تحبيذ الائتلاف. إلا ان الائتلاف البلدي في المتن الشمالي لا يزال يستثني بلدات أساسية وتحديداً سن الفيل وانطلياس مع ان الجهود لتغليب التوافق فيها تراوح حالياً بين مد وجزر وهي الآن موضع اهتمام من قبل القوى السياسية. ويقوم حزب الطاشناق بدور مهم اضافة الى دوره في انتاج ائتلاف بلدي في كبرى البلدات المتنية (الجديدة والسد وسد البوشرية) لمصلحة اللائحة التي يرأسها الرئيس الحالي لبلديتها انطوان جبارة. فيما المعركة قائمة في الدكوانة وانما بين ائتلاف من المر وعون و «القوات» يتزعمه الرئيس الحالي للبلدية انطوان شختورة في وجه اللائحة المؤيدة من الكتائب الذي يعتبر من القوى الرئيسة في المتن. وبالنسبة الى الزلقا - عمارة شلهوب فإن المحاولات التوافقية ما زالت تتعثر بسبب اصرار «التيار الوطني» على تشكيل لائحة منافسة للائحة المدعومة من المر والكتائب و «القوات» برئاسة الرئيس الحالي للبلدية ميشال المر الملقب ب «الشريف» ولم ينجح الطاشناق الذي يتواصل مع عون والنائب المر في تقريب وجهات النظر بينهما علماً أن «العمارة» التي تعتبر المقر الشتوي للأخير تقع في البلدة المذكورة.