لم تكن المعركة التي خاضتها المعارضة بقيادة «التيار الوطني الحر» في دائرة الشوف، لكسب مقعد نيابي أو تحقيق خرق في هذه الدائرة التي ينام رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط «ملء جفونه عن شواردها»، بل لاستقطاب أعلى نسبة من الأصوات المسيحية تمكّنها من القول إن المسيحيين يوالون زعيم التيار النائب ميشال عون، وهذا الأمر ستظهر نتيجته اليوم. أما منطقة عاليه فلم تخلُ من الأثر الجنبلاطي الذي اتقن تنفيس أي احتقان مفترض بتركه أحد المقعدين الدرزيين شاغراً كرمى ل«المير» الوزير طلال إرسلان، فيما خصص الآخر لمرشح حزبه «التقدمي الاشتراكي» النائب أكرم شهيب، ما نأى بالمعركة عن أن يكون أصلها درزياً - درزياً لتقتصر على التنافس المسيحي. هكذا يمكن تلخيص جو الدائرتين اللتين شهدتا نسبة اقتراع مرتفعة، مع شبه إجماع رؤساء الأقلام والمندوبين على خلوهما من المشاكل وارتفاع نسبة الاقتراع. مندوبو مرشحي 14 آذار برئاسة جنبلاط كانوا مرتاحين في معظم القرى والبلدات الشوفية ذات الغالبية الدرزية وكذلك في البلدات السنية، بخاصة أن التحالف واسع بين الحزب التقدمي الاشتراكي و«تيار المستقبل» والقوى والعائلات التي تدور في فلكهما. أما في القرى المختلطة طائفياً وحزبياً، فالأمر مختلف تماماً وقد تظهر نتائج وعدد أصوات تجعل زعيم الاشتراكي يتوقف عندها للتمحيص في معانيها وفي نسب الأصوات التي ستذهب إلى «التيار الوطني». وهذا ما أكده مرشح التيار الوزير ماريو عون ل«الحياة» أثناء تفقده مركزاً في بلدة الجية، موضحاً أن الهدف من المعركة في الشوف «هو استعادة التوازن السياسي». وخلافاً لما كان متوقعاً، فان حضور مندوبي المرشح غطاس خوري كان واضحاً في بعض القرى السنية والمسيحية، وكان اسمه شبه الوحيد الذي «يلغم اللوائح». وسجل الشوف الأعلى كثافة إقبال على التصويت وصلت في المناطق ذات الغالبية الدرزية والمسيحية الى نحو 45 في المئة حتى الساعة الثالثة بعد الظهر، وقد اضطر عدد من رؤساء الأقلام الى إضافة معازل انتخابية من اجل التخفيف عن الناخبين الذين اصطفوا في طوابير انتظار طويلة، خصوصاً ان التصويت يتطلب مزيداً من الوقت وفق القانون الانتخابي الجديد. وفي مدرسة المختارة الرسمية اقترع جنبلاط يحيط به نجلاه تيمور واصلان وكريمته داليا، والنائب نعمة طعمة، ورفض الإدلاء بأي تصريح «التزاماً بالقانون الانتخابي». وفي برجا ثاني أكبر بلدات إقليمالخروب، كانت عملية الاقتراع فعلاً «زي ما هي» لأسباب عدة أولها سعي البلدة إلى الحفاظ على أحد مقعدي السنة بابنها «الاشتراكي» النائب علاء الدين ترو. وهذا ما جعل مسؤول مندوبي 14 آذار محمد دمج يقول متهكماً على المعارضين: «ان شاء الله يردوا (يسترجعون) الرسمال!». أما في داخل المركز فكان الزحام كبيراً وكذلك نسبة الاقتراع، إذ صوّت 45 ناخباً من أصل 548 قبل حلول التاسعة صباحاً. وكذلك كانت الحال في بلدة شحيم الممثلة بابنها النائب محمد الحجار («المستقبل»). أما في بلدة الجية التي شبهها ابنها محمد الكجك ب«لبنان على مصغر»، فكانت الصورة مختلفة تماماً وبخاصة أنها تشهد تنوعاً طائفياً وحزبياً. فالبلدة تضم سنةً («مستقبل» و«اشتراكي») وشيعةً («أمل» و«حزب الله») وموارنةً («تيار» و«قوات لبنانية»)، وبالتالي كان التنافس على أشده لكن بهدوء كلي. وبين هذا وذاك كان ثمة مندوبون فاعلون لغطاس خوري. أما نسبة الاقتراع فكانت أيضاً جيدة في مركز اقتراع المسلمين، فيما كانت منخفضة في مراكز المسيحيين بخاصة أن معظم أهالي البلدة مهاجرون في أستراليا. وبدا المشهد في بلدة الدامور خاصاً لناحية انقسامها بين مرشحيها من العائلة الواحدة: الوزير ماريو عون والنائب إيلي عون. هنا مندوبو المرشحين وبالتالي الفريقين، يعربون عن ارتياحهم لكثافة الاقتراع (136 ناخباً من 685 بحلول العاشرة صباحاً)، وكذلك إلى تأييدهم. لكن «أصدقاء إيلي عون» العائد حتماً إلى البرلمان كانوا أكثر ارتياحاً و«مبردين كتير» بحسب سركيس الهاشم. بلدة دير القمر وضعها الآن مختلف لأنها البلدة الشوفية الوحيدة التي سيكون من أبنائها نائبان هما عدوان وشمعون. وهما اقترعا في «المدرسة المهنية» صباحاً. فشمعون جاء مع نجليه و«صدم» الحاضرين بالتزامه الطابور ورفضه تجاوزه ليقترع قبل سواه. ووصف العملية الانتخابية ب«الممتازة جداً»، مشدداً على أن «التصويت واجب وطني وعلى كل مواطن أن يعي واجبه في هذه الفترة». ثم تلاه المرشح المعارض انطوان البستاني، مثنياً على «الإقبال في كل المراكز». وبعده أدلى عدوان بصوته، معلناً «ضرورة الالتزام الكامل بقانون الانتخاب». «القواتيون» مرتاحون، و«الأحرار» أو «الشمعونيون» فرحون بعودة المقعد إليهم بعد ذهابه مع الرئيس الراحل كميل شمعون، بحسب مناصر الأحرار ناجي عبسي. أما «العونيون» فلم يبدوا أقل ارتياحاً ويتحدثون عن «شي يسرّ» بعد فرز الصناديق، بحسب وسيم نعمة وهو من مناصري «التيار». ويقول: «نحن يهمنا أن نسجل أكثرية مسيحية، ومعركتنا هي في وجه نوابنا الذي يسيرون وراء من يصفنا ب«الجنس العاطل». ويقدم نعمة تفسيراً لاستمرار ترشح غطاس خوري منفرداً على رغم استبعاده من لائحة 14 آذار قائلاً: «ترشحه رسالة من (النائب) سعد الحريري إلى جنبلاط مفادها أنه قادر على الحصول على نسبة عالية من أصوات المسيحيين تضاف إلى أصوات السنة (50 ألف صوت في إقليمالخروب) وبالتالي تظهّر قوته في المنطقة». عاليه منطقة عاليه بدت هادئة أيضاً وبخاصة في القرى ذات الكثافة الدرزية كمجدلبعنا. فتلك القرى شهدت اقبالاً كثيفاً خصوصاً أن مرشحي كل من لائحتي 8 و14 ضمّت مرشحاً درزياً واحداً، وبالتالي انصب الاقتراع للمرشحين الوزير طلال ارسلان والنائب أكرم شهيب، ولولا استمرار مرشح «تيار التوحيد» سليمان الصايغ في المعركة، لفازا بالتزكية. وكان لافتاً ان التوافق الجنبلاطي - الارسلاني، انعكس هدوءاً وكثافة اقتراع في مناطق عاليه، إذ بلغت نسبة الاقتراع نحو 30 في المئة بحلول الظهيرة. ويقول زياد عباس عبدالخالق، وهو مندوب لائحة المعارضة التي تضم ارسلان وانطوان الزغبي ومروان ابو فاضل وسيزار أبو خليل: «نحن في مجدلبعنا توافقنا كمندوبين للائحتي 8 و14 على الهدوء والتنافس الرياضي، خصوصاً أن التنافس الدرزي ليس موجوداً ومن ينجح من المرشحين الآخرين فيكون نتيجة جهد الفريق الذي ينتمي إليه. نحن ملتزمون اللائحة وعملنا جهدنا لكن للناخبين حرية الاختيار». وكذلك يؤكد مسؤول الحزب التقدمي حافظ عبدالخالق «الالتزام بلائحة 14 آذار»، موضحاً أن «85 في المئة من الناخبين يؤيدون لائحة وليد بك» (جنبلاط). الحال في مدينة عاليه نسخة طبق الأصل عن حال مجدلبعنا في الأقلام الدرزية. كثافة اقتراع تجاوزت 30 في المئة ظهراً وضمان لفوز المرشحين ارسلان وشهيب، أما المرشحون الآخرون ففوزهم سيحسمه الصوت الدرزي، لكن النتيجة لن تعرف إلا بعد إنجاز عمليات الفرز. أما في الأقلام التي خصصت للمسيحيين فكان الإقبال حتى الثانية بعد الظهر قليلاً نسبياً. ففي قلم للروم الأرثوذكس بلغ عدد المقترعين 114 من أصل 683 بينهم 3 من «الطائفة الاسرائيلية» وردت اسماؤهم على لوائح الشطب لكنهم لم يحضروا. وفي المدرسة الغربية في عاليه قال شهيب بعدما أدلى بصوته: «اعتقد ان الشعب اللبناني لن يخطئ اليوم، سيصوت للحرية، للبنان، للمؤسسات بعيداً من محاور إقليمية قد تودي بلبنان». وأشار الى «ان الصوت المسيحي صوت لبناني أساسي، صوت لعب دوراً أساسياً بقيام دولة لبنان»، آملاً بأن «يترجم كل رأي يخدم مصلحة لبنان من اجل الوطن النهائي المستقل، العربي، المنفتح وليس عروبة السجون». لكن الصوت المسيحي الذي تحدث عنه شهيب، يعتبره ابن عاليه الدكتور جرجي معاصري أنه «مشتت ولن يستطيع أن يحسم المعركة». ويرى معاصري وهو مندوب ل «التيار الوطني»، ان المعركة في عاليه قائمة على مقعدين وليس ثلاثة: «مناصرو لائحة 14 سيصوتون لمروان أبو فاضل من لائحة المعارضة بدلاً من فادي الهبر، وبالتالي تبقى المعركة بين فؤاد السعد وهنري حلو (14 آذار)، في مقابل انطوان الزغبي وسيزار أبو خليل... لكن في رأيي يبقى التغيير مطلوباً».