صوّت مجلس الشيوخ الاميركي أمس على قرار رمزي غير مُلزم يحضّ الرئيس بيل كلينتون على العمل من اجل إقناع الأممالمتحدة بإنشاء محكمة دولية تهدف الى محاكمة الرئيس صدام حسين وإدانته وسجنه بتهمة ارتكابه جرائم حرب في حق الانسانية. وجاء قرار مجلس الشيوخ في وقت تستعد فرنسا لاستقبال السيد طارق عزيز نائب رئيس الوزراء العراقي في قصر الإليزيه قريباً وذلك للمرة الاولى منذ انتهاء حرب الخليج عام 1991. واعترف مسؤول في وزارة الخارجية الاميركية بصعوبة تشكيل المحكمة الدولية. وقال "هناك تأييد ضئيل في مجلس الأمن لإنشاء مثل هذه المحكمة". وفي نيويورك اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ان القرار غير الملزم الذي يعبّر عن رأي مجلس الشيوخ الاميركي الداعي الى ملاحقة الرئيس العراقي كمجرم حرب، لن يعطّل ما أنجزه مع العراق. وقال الى "الحياة" "ما قمت به وصادق عليه مجلس الامن باسم 180 دولة عضو في الاممالمتحدة هو الذي يبقى سارياً. وفي شأن زيارته الى منطقة الشرق الاوسط التي ستبدأ الثلثاء المقبل، أكد أنان "ليس لديّ اي نيّة لإقحام نفسي" في عملية السلام للشرق الاوسط "او للحلول مكان الولاياتالمتحدة" التي ترعى عملية السلام. ونفى قطعاً وجود خطة من خمس نقاط يحملها الى الشرق الاوسط وقال ان "الاطراف المعنية بعملية السلام في الشرق الاوسط اتفقت على وسيط يعمل بهذه الصفة منذ سنوات عدة هو الولاياتالمتحدة الاميركية. وليست لديّ أي نيّة لإقحام نفسي او للحلول مكان الولاياتالمتحدة". وتابع: "بالطبع، سأستمع الى الاطراف ولما لديها تقوله لي، ومن جهتي سأتحدث مع الأطراف عن رغبة الاممالمتحدة ومصلحتها في تحريك عملية السلام الى امام". وأشار انان الى ان "ما يُذكر كثيراً عن الازدواجية"، حسب قوله، في اشارة الى اتهام الاممالمتحدة بفرض تنفيذ القرارات على العراق واعفاء اسرائيل من تنفيذ القرارات المتعلقة بها. وقال "ما أريد ان أذكّر الرأي العام به هو ان القرارات المتعلقة بالعراق تدخل في خانة الفصل السابع من الميثاق الملزم بينما القرارات الاخرى لا تقع في هذه الخانة". وزاد: "وهذا أحد الأسباب وراء حضّ الأطراف على التحدث مع بعضها بعضاً. ونحن وفّرنا الأسس في القرارات وقد قلت مراراً انه في نهاية المطاف، كان على اسرائيل ومصر ان يتفاوضا للتوصل الى سلام، كما ان على اسرائيل والاردن ان يتحدثا الى بعضهما بعضاً للتوصل الى سلام. واعتقد ان الأمر الأساسي هو حضّ الاطراف على ممارسة الشجاعة والحكمة للتحرك الى أمام وصنع السلام". الى ذلك اعلن الرئيس التنفيذي للجنة الخاصة المكلفة ازالة الاسلحة العراقية المحظورة اونسكوم السفير ريتشارد بتلر انه "يتطلع" الى زيارته الى بغداد في 22 الشهر الجاري، وأكد ان عمليات تفتيش المواقع الرئاسية ستبدأ بعد انهاء زيارته. وقال بتلر ان الامين العام اجتمع امس مع رئيس الفريق الذي فتش المواقع الحساسة وهو الاميركي سكوت ريتر، بمرافقة بتلر، وتلقى "تقريراً" من ريتر طلبه الامين العام. ووصف بتلر أعمال فريق ريتر بأنها تشكّل "منعطفاً". وقال بتلر ان لدينا "وضعاً لا سابق له" نتيجة المذكرة التي وقّعها الامين العام، واتوقع البناء على ذلك ايجابياً". وفي واشنطن حصل القرار الداعي الى محاكمة الرئيس العراقي على أغلبية 93 صوتاً ولم يعارضه أي من اعضاء مجلس الشيوخ المئة. وتبنى السيناتور الجمهوري أرلين سبكتر مشروع القرار الذي طرح على التصويت دون نقاش يذكر. واعترف سبتكر في مؤتمر صحافي عقده امس بالطابع الرمزي للقرار الذي لا يلزم الادارة والأممالمتحدة وبصعوبة تنفيذه خصوصاً لجهة "القبض" على الرئيس العراقي. مشيراً الى ان مجرد ادانته غيابياً يعتبر كافياً لايصال الرسالة. وعدد سبكتر "جرائم الحرب" التي ارتكبت وبينها استعمال الاسلحة الكيماوية "ضد شعبه" الاكراد واستعمال هذه الاسلحة في الحرب العراقية - الايرانية واطلاق صواريخ "سكود" على اسرائيل … ومحاولة اغتيال الرئيس السابق جورج بوش. وقال: "بالطبع سيكون من الصعب جداً وربما مستحيلاً القبض على صدام حسين من دون استعمال جيش كبير". وأوضح سبكتر ان انشاء المحكمة الدولية سيحرج دولاً كروسيا والصين وفرنسا التي أبدت عدم استعدادها للانضمام الى الولاياتالمتحدة في عمل عسكري ضد العراق. وسيضع هذه الدول على المحك لجهة معرفة مدى استعدادها "لدعم حكم القانون ضد صدام حسين". ومعروف ان مجموعة من المشترعين الجمهوريين في مقدمهم زعيم الاقلية في مجلس الشيوخ السيناتور ترينت لوت دعت الادارة الاميركية الى تقديم مزيد من الدعم الى برنامج المعارضة العراقية والذي يتضمن انشاء محكمة دولية واذاعة، ناهيك عن الاعتراف بحكومة في المنفى. وكان مجلس الشيوخ صوّت على تخصيص حوالى 38 مليون دولار لتعزيز المعارضة العراقية ومساعدتها. وكان واضحاً امس ان قرار مجلس الشيوخ يبقى في اساسه قراراً رمزياً واعلامياً اكثر منه تنفيذياً. خصوصاً ان الدعوة الى انشاء محكمة دولية تتطلب موافقة اكثرية الدول الاعضاء في الاممالمتحدة. واعترف مسؤول في مجلس الامن القومي بالصعوبات التي تواجه انشاء محكمة دولية والتي اقترحها قرار مجلس الشيوخ. وقال ان الادارة تؤيد فكرة توثيق جرائم الحرب التي ارتكبها العراق وصدام حسين وانشاء ملف بذلك يكون معترفاً به دولياً …. واضاف ان الادارة مستعدة لدعم فكرة انشاء المحكمة الدولية على اساس الوثائق والملفات المذكورة وقال: "في الوقت الذي نعترف فيه بضآلة الدعم الدولي لفكرة المحكمة الدولية الآن، فإن بذل جهود لمعرفة الحقائق قد يزيد فرص تحقيق الهدف". موقف فرنسا وفي باريس استقبل الرئيس جاك شيراك في بداية هذا الاسبوع السفير الفرنسي ايف اوبان دولاموسوزيير رئيس قسم رعاية المصالح الفرنسية في العراق، ويشير ذلك حسب مصدر فرنسي مطلع الى استمرار الرئيس الفرنسي في متابعة الوضع في العراق شخصياً، والى حرص باريس على ان ينفذ العراق بدقة اتفاق 23 شباط فبراير الذي وقّعه مع الامين العام للأمم المتحدة كوفي أنان. وتحدث المصدر الفرنسي الى "الحياة" عن نتائج الجهود المبذولة لحل الازمة بين العراق واللجنة الدولية لنزع السلاح ديبلوماسياً على صعيد العلاقات بين فرنساوالعراق. وقال ان الرئيس صدام حسين بدأ يخرج من عزلته بعدما ارتفع مستوى الرسائل التي تلقاها مباشرة من الرئيس الفرنسي عبر مبعوثه الخاص الأمين العام لوزارة الخارجية برتران دوفورك الذي التقى الرئيس صدام حسين مرتين. وبدوره بعث الرئيس العراقي برسالة الى الرئيس الفرنسي عبر وزير خارجيته السيد محمد الصحّاف الذي زار باريس. ورأى المصدر أن الحوار الذي يريده الرئيس الفرنسي والحكومة الاشتراكية التي يرأسها ليونيل جوسبان مع العراق قد بدأ بالفعل، بانتظار الزيارة المرتقبة لنائب رئيس الوزراء السيد طارق عزيز الذي كان صدام حسين أبلغ دوفورك أنه سيرسله الى باريس حاملاً رسالة جوابية الى شيراك. وسيستقبل طارق عزيز في قصر الاليزيه للمرة الاولى منذ حرب الخليج عام 1991. ورغم الرغبة الفرنسية الواضحة في تعزيز الحوار وتكثيفه بين البلدين، قال المصدر ل "الحياة" ان قرار استئناف العلاقات الديبلوماسية بين البلدين سيُتخذ في اوضاع هادئة وبعد عودة الوضع الى طبيعته وليس في إطار متأزم. وأضاف ان بغداد كانت بادرت الى قطع العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا خلال حرب تحرير الكويت، لكن طارق عزيز طلب رسمياً من وزير الخارجية الفرنسي السابق هيرفي دوشاريت في كانون الثاني يناير 1997 استئناف العلاقات الديبلوماسية بين البلدين. وتابع أن العراق لم يتلق ردّاً واضحاً في هذا الشأن رغم ان الأوساط الفرنسية المسؤولة تؤكد ان لا علاقة مباشرة بين قرارات مجلس الامن في شأن العراق وسياسة اوروبية مشتركة من موضوع العلاقات الديبلوماسية معه. وقالت ان مثل هذا القرار يُتخذ من قبل الدول. ورغم عدم وجود علاقات ديبلوماسية بين البلدين وصف المصدر العلاقات القائمة بين العراقوفرنسا حالياً عبر قسم رعاية المصالح الفرنسية بأنها كثيفة على الصعيد الاقتصادي والتجاري. ففي إطار قرار مجلس الامن حول "النفط مقابل الغذاء" حصلت فرنسا على 20 في المئة من السوق العراقية في قطاع المواد الغذائية والأدوية. وفرنسا من بين الشركاء الأوائل للعراق بالاضافة الى روسيا والاردن وتركيا وسورية. أما بالنسبة الى الشركات النفطية الفرنسية "ألف" و"توتال" فرغم ان مفاوضاتها متقدمة جداً مع العراق وأنها شركات خاصة، فلن توقع اتفاقاً في المرحلة الراهنة حتى ولو أن تنفيذه سيكون بعد رفع الحظر لأن الشركتين الفرنسيتين اللتين تتفاوضان على تطوير حقلين ضخمين في العراق هما مجنون ونهر عمر تتمنيان اتخاذ كل الاحتياطات من ناحية القوانين الاوروبية التي تشكل جزءاً من القوانين الفرنسية. وأضاف المصدر ان فرنسا ضاعفت منذ سنة مرات عدة عدد التأشيرات للمواطنين العراقيين وأنها الدولة الوحيدة في اوروبا التي تعطي التأشيرات في بغداد وليس في عمّان على غرار اسبانيا واليونان والوحيدة التي فتحت مركزاً ثقافياً فرنسياً هو المركز الاجنبي الوحيد حالياً في العراق لتعليم اللغة الفرنسية. وقال المصدر ان فرنسا ورئيسها حضا السلطات العراقية على الاستمرار في الاتصال بالدول ذات العضوية غير الدائمة في مجلس الامن وعلى تنفيذ القرار الذي وقع مع كوفي انان كي يصل وقت تُغلق فيه ملفات التسلح العراقي ويرفع الحظر الدولي عن العراق بأسرع وقت.