والانطباع الذي تكوّن عقب مهمة دوفورك الذي اجتمع مع الرئيس صدام حسين وأجرى محادثات طويلة مع نائب رئيس الوزراء السيد طارق عزيز هو ان الوضع هادئ لا يوحي بأن البلد على عتبة نزاع، وأن النظام العراقي متين. كما ان الانطباع الذي تكوّن عن صدام شخصياً هو انه في حال جسدية جيدة، وانه مطلّع بشكل جيد على المواقف المختلفة من الازمة، وأنه لا يبدي حدة كبيرة حيال الولاياتالمتحدة، لكنه شديد الحساسية ازاء كل ما هو على صلة بپ"الكرامة"، وهو مقتنع بأن الولاياتالمتحدة عازمة على ضرب العراق. وأبلغ دوفورك طارق عزيز ان بعض اوجه السياسة العراقية تبدو عبثية، خصوصاً ان العراق يجازف بزجّ نفسه في نزاع عسكري بسبب عمليات تفتيش لا تطول سوى واحد في المئة من أراضيه، فأجاب المسؤول العراقي: "الموت ممكن من اجل الكرامة". وعن مسألة المواقع الرئاسية، ابدى العراقيون استعداداً للسماح بتفتيشها كلها، لكن المشكلة تكمن في الاجراءات التي ستعتمد خلال عمليات التفتيش. ورفض الجانب العراقي الموقف الفرنسي الذي يقضي بتمييز القصر الرئاسي عن المنشآت المحيطة به، ولا يقبل بالحديث عن دور للجنة الدولية المكلفة ازالة اسلحة الدمار الشامل العراقية في تفتيش القصور في حين انه يقبل بخبراء اللجنة، بمن فيهم الخبير سكوت ريتر، ولكن ليس بصفتهم خبراء وإنما بصفتهم ممثلين عن دولهم. وتعتبر فرنسا ان المواقف باتت على درجة من التقارب، خصوصاً ان الولاياتالمتحدة توافق على صيغة "اللجنة الدولية " ممثلين عن الدول الاعضاء في مجلس الأمن". ومعروف ان هذه المعادلة اقترحتها باريس لتفتيش المنشآت المحيطة بالقصور الرئاسية، في حين ان واشنطن ترغب باعتمادها للمنشآت والقصور على حد سواء. والشعور السائد لدى بعض الاوساط الفرنسية هو ان من الصعب تبرير الضربة العسكرية للعراق، بعدما اقتربت المساعي الديبلوماسية من امكانات الحل، ولذلك فإن فرنسا ماضية في جهودها وفي سعيها لتأمين الشروط الملائمة لزيارة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان لبغداد. وترى هذه الاوساط ان الولاياتالمتحدة تدرك ان المجال لا يزال متاحاً للتسوية الديبلوماسية وانها لم تتخذ قراراً باستخدام الوسائل العسكرية لكنها متمسكة بحزم بضرورة قيام اللجنة الدولية بدورها في عمليات التفتيش. وخلال الجولة التي قام بها دوفورك على القاهرة ودمشق وعمان والكويت، لمس تعاطفاً مع فرنسا وحذراً من صدام حسين بالرغم من ان هذه الدول لم تعد تعتبر ان العراق يمثل تهديداً. ولمس دوفورك ايضاً تخوفاً من الضربة العسكرية وقلقاً من امكان ان تؤدي الى تجزئة العراق، كما لمس تشكيكاً في جدوى مثل هذه الضربة التي ستؤدي الى وقف اعمال مراقبة التسلح العراقي.