ليس سراً أن أعداداً من الأقباط المصريين المقيمين في الولاياتالمتحدة وبعض الدول الاوروبية يسببون، ببعض تصرفاتهم ومواقفهم من قضايا معينة، قلقاً للحكومة المصرية بل للاقباط المصريين المقيمين داخل مصر انفسهم. وعندما وقعت عمليات عنف ضد الاقباط في بعض مدن الصعيد، كان رد الفعل دائما من جانب اقباط الخارج في اتجاه التشدد بل بلغ بهم الامر حد طلب التدخل الاجنبي لحماية الاقباط في الداخل. وعندما جرت الانتخابات البرلمانية عام 1995 ولم تسفر عن فوز عدد من رموز الاقباط كانوا رشحوا أنفسهم الامر نفسه حدث بالنسبة الى غالبية الاسلاميين ولا سيما رموز جماعة الإخوان المسلمين المحظورة سارع هؤلاء الى إرسال بيانات الاحتجاج والتنديد. في المقابل كانت ردود فعل اقباط الداخل، وعلى رأسهم البابا شنودة الثالث، تتسم بالهدوء والعقلانية. وردا على عمليات نفذت ضد بعض الاقباط في الصعيد ركز شنودة وغيره من رموز الاقباط داخل مصر في خطابهم الاعلامي على ان الارهاب "يستهدف المصريين جميعا ولا يفرق بين المسلم والمسيحي". وإذ وجه الاقباط داخل مصر انتقادات للعملية الانتخابية عام 1995، فإنهم لم يركزوا على ما حصل للمرشحين الاقباط بل انتقدوا الإجراءات الحكومية حيال جميع المرشحين من غير أعضاء الحزب الوطني الحاكم. ويبدو ان الأمر نفسه يتكرر حاليا في شأن موقف الاقباط من القرار الذي أصدره الرئيس حسني مبارك الشهر الماضي، ونصّ على "تفويض المحافظين في مباشرة اختصاصات رئيس الجمهورية بالترخيص للطوائف الدينية بتدعيم الكنائس أو ترميمها". جاءت ردود الفعل من جانب الاقباط على القرار متباينة. ومعروف ان اقباط مصر، سواء المقيمين في الخارج او من هم في الداخل، يعترضون على مسألة "الخط الهمايوني" الذي تستند اليه التشريعات والقوانين والقرارات الخاصة ببناء الكنائس أو ترميمها او تدعيمها. غير ان غير المسلمين ايضا لا يرحبون بالاستناد الى ذلك الخط ويستغربون الاستناد اليه عند صياغة قانون أو تشريع جديد. و"الخط الهمايوني" يشير الى بيان صادر من "همايون"، وهو اللقب الذي كان يطلق على الباب العالي في الاستانة ايام الدولة العثمانية، وكل بيان يصدره الباب العالي حول موضوع معين يسمى "خطاً همايونياً" ويتخذ صفة القانون… وانتهت الدولة العثمانية وحصلت مصر على استقلالها، لكن مسألة "الخط الهمايوني" ظلت تظهر على السطح كلما أثير موضوع بناء او ترميم الكنائس. والسبب في ذلك ان الباب العالي كان اصدر عام 1856 "خطاً همايونيا" نص على السماح لرؤساء الملل والطوائف بالتقدم بطلبات الى الباب العالي للحصول على الموافقات الخاصة بالتراخيص لبناء او تعديل دور العبادة الخاصة بهم. لكن الدستور المصري الذي صدر عام 1923 لم يتضمن نصاً صريحاً بإلغاء كل القوانين والخطوط الهمايونية الصادرة عن الباب العالي، كما ان القانون الرقم 15 الذي صدر عام 1927 في شأن تعيين شيخ الازهر تضمن عبارة تنص على انه "تسري جميع القوانين المتعارف عليها بالنسبة الى جميع دور العبادة بمختلف انواعها". وهي العبارة التي يعتبر بعض الاقباط ان الحكومة لا تزال تستند اليها لاشتراط الحصول على "موافقة" قبل إنشاء الكنائس او تعديلها. والمهم في الأمر ان الاقباط اختلفوا حول تفسير القرار الجمهوري الأخير، وموقف اقباط الخارج يمكن استنتاجه عبر رسالة بعث بها الى "الحياة" الدكتور عماد سليم بولس السكرتير العام للهيئة القبطية البريطانية ، إذ اعلن فيها "رفض الهيئات القبطية في الغرب للقرار"، وطالب بپ"إلغاء اية قيود موضوعة على ترميم الكنائس المبنية أصلا وإصلاحها ودعمها، والتي تستدعي الحصول على إذن من الدولة قبل ان يستطيع الاقباط القيام بإصلاح دورة مياه في كنائسهم". كما طالب بپ"أن تعد الحكومة المصرية بإلغاء القيود الموضوعة على بناء اية كنائس جديدة، ما عدا القيود العادية المنظمة للبناء بمختلف اشكاله والمطبقة على الجميع بالتساوي". في المقابل نشرت الصحف المصرية تصريحاً للبابا شنودة في اليوم التالي لمأدبة الوحدة الوطنية التي أقامها في شهر رمضان المبارك الماضي وجه فيه الشكر الى رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزوري لصدور القرار الأخير. كما أن الجمعية المصرية للتنوير التي تضم في عضويتها عدداً كبيراً من رموز الاقباط أصدرت بياناً رحبت فيه بالقرار وشكرت الرئيس مبارك وطالبت بالمزيد من الإجراءات في المستقبل لإلغاء ما تبقى من "الخط الهمايوني"، في حين تضمن العدد الأخير من صحيفة "وطني"، التي تعبر عن الاقباط، مقالاً لرئيس مجلس إدارتها السيد يوسف سيدهم، قال فيه: "إذا كانت الرؤية السياسية التي صاغها القرار تبتغي تسهيل إجراءات الترخيص بتدعيم وترميم الكنائس فإن الأمر يستلزم وجود نوع من الرقابة على تطبيق القرار"، غير أن المفكر الدكتور ميلاد حنا وصف القرار بأنه "خطوة في الاتجاه الصحيح"، وقال لپ"الحياة": "أنا أؤيد هذه الخطوة وفي حال ثبوت تقاعس بعض المحافظين عن تطبيقه أطالب الرئيس بعزلهم". وطرح حنا اقتراحاً قد يثير جدلاً آخر بالمطالبة بإلغاء خانة الديانة من البطاقات "الهوية" الجديدة التي تعتزم وزارة الداخلية تطبيقها قريباً. وكشف انه التقى وزير الداخلية السابق السيد حسن الألفي وعرض عليه الأمر فوافق الوزير. وتعليقاً على مسألة "الخط الهمايوني" قال حنا: "الخط الهمايوني مات ويجب ان يدفن لأنه بانتهاء الدولة العثمانية وظهور العلمانية سقط بحكم التاريخ كل ما هو مستند الى الدولة العثمانية".