يبدأ مجلس النواب المصري الأسبوع المقبل بعد عطلة عيد الفطر مناقشة مشروع قانون بناء دور العبادة للمسيحيين الذي نوقش على مدى شهور بين الحكومة ومجلس كنائس مصر الذي تمنى أن يخرج القانون «بالصورة المرجوة». وتثور توترات طائفية بسبب بناء الكنائس، خصوصاً في الريف. ووقعت قبل أيام أعمال عنف ذات بعد طائفي في قرية نائية في محافظة المنيا (جنوبالقاهرة) بسبب إشاعة عن اعتزام قبطي من سكان القرية تحويل منزل يملكه في القرية إلى كنيسة، فتجمع عشرات من أهالي القرية أمام المنزل وأحرقوه بعد أعمال عنف، وامتدت ألسنة اللهب إلى منازل 4 من جيرانه، هم أشقاؤه وذووه. ولا تملك نسبة كبيرة من الكنائس المشيدة في السنوات الماضية تراخيص بناء رسمية، لكنها بُنيت بموافقة السلطات المحلية وبعد موافقة الأمن الذي يملك اليد الطولى في هذا الملف، ومُخصصة لغالبيتها حراسات أمنية. ووضع وكيل وزارة الداخلية في العام 1934 شروطاً لبناء الكنائس هي في الواقع مانعة أكثر منها مُنظمة لعملية البناء. وأوصى تقرير للجنة شُكلت في السبعينات للبحث في الأمر بإلغاء الشروط، وتسهيل عملية بناء الكنائس لنزع فتيل أحد مسببات التوترات الطائفية. والقانون الجديد، وفق رئيس لجنة الإعلام في «مجلس كنائس مصر» مدير المكتب الصحافي في الكنيسة الكاثوليكية الأب رفيق جريش يمنح المحافظ سلطة الموافقة على بناء الكنائس بعد أن كانت في يد الرئيس، ويُلزمه بالرد على طلب بناء كنيسة خلال أربعة شهور وإلا أصبح عدم الرد موافقة. وأوضح جريش ل «الحياة» أن «القانون يضع شروطاً عدة للبناء تُراعي أموراً سكانية ومكانية، كالمسافات بين الكنائس». وتُلزم المادة 235 من الدستور مجلس النواب في أول دور انعقاد له بإصدار قانون لتنظيم بناء وترميم الكنائس بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية. وعبر «مجلس كنائس مصر» ولجنته التنفيذية في بيان عن «الشكر العميق لله والقيادة السياسية من أجل الخطوات التي تتم في سبيل إنجاز القانون». وتمنى على البرلمان وهو يناقش هذا القانون «أن يخرجه عادلاً ناجزاً يُنهي المتاعب التي استمرت لسنوات طويلة». وقال جريش إن «القانون في مُجمله مُرضٍ للكنائس. حدثت مفاوضات كثيرة مع الحكومة في شأنه، ونحن راضون عنه مقارنة بالوضع الحالي». وأشار إلى أن «القانون يمنح ترخيصاً رسمياً للكنائس التي بُنيت قبل 5 سنوات... تم إجراء تغييرات عدة على نصوصه، والنسخة النهائية لمشروعه هي الثانية عشرة». واعتبر أن «القانون مرضٍ مقارنة بالوضع الحالي، ويكفي أنه ألغى الخط الهمايوني (تنظيم عثماني لبناء الكنائس)، لكن لماذا لا يرد المحافظ على طلب بناء الكنيسة لمدة 4 شهور؟ كنا نقترح شهرين، لكن تم الاستقرار على أن تُصبح المدة أربعة شهور. لماذا الإبطاء في الإجراءات؟». غير أنه رأى أن «الأهم من إصدار القانون هو تنفيذه، وأن تُصبح اليد الطولي للدولة في تنفذه بحذافيره». وقال ل «الحياة» الباحث سامح فوزي إن «بناء كنيسة بقرار من رئيس الجمهورية لا يشير بأي شكل إلى الشروط العشرة ولا إلى الخط الهمايوني، لكنه يشير إلى قانون تنظيم الطوائف الدينية والعرض الخاص من وزير الداخلية، غير أن حقيقة الأمر أن الشروط العشرة تطبقها وزارة الداخلية، وتضعها في الاعتبار عند بناء الكنائس، بعدما تحولت إلى ما يشبه العرف والممارسة». وأوضح فوزي أن «الجزء الجوهري في هذه القصة هو اعتبار أن تأسيس كنيسة شأن أمني يحتاج درجة عالية جداً من الاستنفار، والشروط العشرة والخط الهمايوني في الحقيقة هما الإطار الاسترشادي للأمن». وأضاف أن «القانون الجديد قد يحمل نصوصاً جيدة، لكن التطبيق يتم بعقلية قديمة، وهناك في الواقع المصري نماذج كثيرة جداً لقوانين مُبهرة أفقدها التطبيق قيمتها... لا نريد فقط التخلص من الشروط العشرة نصاً ولكن روحاً ومزاجاً. لا بد من الاهتمام الشديد بالجانب التطبيقي وسد الثغرات أمام البيروقراطية». وطلب ضرورة إلزام المحافظ بالرد على طلبات بناء الكنائس وأن يحق للجهة المسؤولة التظلم على القرار في حال رفض بناء الكنيسة أو في حال لم يرد. وقال: «إذا كنت أرفض أن يكون أمر بناء الكنائس أمنياً فلا يمكن أن يتم إقصاء البعد الأمني تماماً في الواقع الحالي. يجب أن تضم لجنة دراسة طلبات بناء الكنائس ممثلاً للجهات الأمنية بحيث يكون دور الأمن في هذا الموضوع مُقنن، ولا بد من التخلص من فكرة عمل الجهاز الأمني من خلف ستار حتى نعلم مسار الأمور». وأضاف: «أعارض اعتبار الموضوع شأناً أمنياً بحتاً. لكن في المقابل إذا كان للموضوع بعد أمني فلا بد من أن يكون ممثل الجهاز الأمني عضواً واضحاً وظاهراً في اتخاذ القرار، لأن فكرة الاستبعاد المطلق للأمن غير واقعية ولن تحدث... يجب التخلص من ذهنية الخط الهمايوني. من ذهنية الارتياب من بناء الكنيسة».