حرية الصحافة في هونغ كونغ ما زالت تبدو اليوم مصانة، هذا ما ظهر هذا الأسبوع في تقرير معهد الاعلام الدولي الذي يصدر سنوياً في فيينا. فبكين التي لم تغير سياستها في مجال حرية الرأي والصحافة لا تظهر اية اشارة جادة لقمع اعلام هونغ كونغ… هذه المفارقة التي تثير تعجب عدد من الباحثين في الدول الغربية، والتي تُفسر عادة كنتيجة لقوة المقاطعة المستعادة اقتصادياً واحتياجات الصين لها، لا تأخذ في الاعتبار أسباباً أخرى، كالتطورات الاجتماعية التي بدأت تطرأ على المجتمع الصيني الجديد في السنوات الأخيرة. هناك اليوم مجتمع أهلي في الصين في طور سريع من النمو يضم فئات اجتماعية جديدة لا تخضع في حياتها اليومية أو في نشاطها الاقتصادي لمراقبة الحزب الشيوعي الصيني. مئات المؤسسات الاجتماعية أو الطالبية أو المهنية تضم اليوم عشرات الملايين من الأجيال الصينية الجديدة، أضف الى ذلك عشرات من النقابات غير المرخص لها والتجمعات المعارضة للنظام… هذه الظواهر الجديدة التي بدأت تسمع همساتها عبر عدد من وسائل الاعلام المطبوعة، أو حتى السمعية - المرئية، أخذت تجد في "انترنت" المتنفس الحقيقي لطموحاتها والباب العريض الذي يسمح لها بمخاطبة العالم ومعرفة ما يجري على الساحة الدولية… الكل يتذكر كيف قادت بكين طوال السنتين الأخيرتين، حملتها ضد "انترنت" في القارة الآسيوية، وكيف حاولت مراقبة ما يجري على مراكزه ومنع استعماله لأسباب غير مهنية، وخلق "انترنت" "اسيانت" خالٍ من المواضيع "الحساسة"، وكيف ان معاداة فكرة فتح الشبكة للجمهور العريض أدت الى تحالف انظمة آسيوية شديدة الاختلاف في مسارها وخياراتها الاقتصادية، مؤكدة بذلك على ولادة "الهوية الآسيوية"… بيد ان هذا لم يمنع حوالى مئة الف صيني من استخدام انترنت كوسيلة اعلام وتلقي رسائل ومعلومات من المعارضين الصينيين المتواجدين في القارة الأميركية… حتى ان "صحيفة الحائط" الصينية الشهيرة "الدازيباو" أضحى لها مركز على الشبكة يستخدمه عدد من طلاب الجامعات لشن حملات على بعض جوانب السياسة الصينية. فالتحالف بين رجال الأعمال والمعارضين أدى في بعض المناطق الى ظهور وسائل اعلام، ملكية الدولة بالطبع، ولكن ذات وجه نقدي. هذا ما حمل التلفزيون الصيني على السماح لبعض البرامج كپ"بكين اكسبرس" الذي يبث أربع مرات في الأسبوع، على التركيز على المسائل الاجتماعية وبعض الفضائح. في استقصاء حديث جرى في الصين، ظهر ان عدداً من المشاهدين اليوم يتوجه نحو وسائل الاعلام عوضاً عن طرق أبواب الحزب الشيوعي لفض الخلافات الاجتماعية أو فضح فساد ما… فالتكلم عن هموم الناس عبر التلفزيون، غالباً ما يحض السلطات على وضع حد للتجاوزات التي يعانون منها… غير ان التقرير السنوي لمعهد الاعلام الدولي يشير أيضاً الى أخطار الأزمة الاقتصادية التي تعصف بمنطقة جنوب شرقي آسيا على حرية الصحافة. فالانهيار غير المتوقع لاقتصاد عدد من دول المنطقة حض حكوماتها على زيادة الضغوط على وسائل الاعلام التي تعاني بدورها ايضاً من مخلفات الانهيار. في ماليزيا منعت الحكومة الصحافة وحتى الجامعيين والباحثين من مناقشة كارثة التلوث التي شهدتها المنطقة في أواخر الصيف. اما في تايلاند فقد توقفت أهم صحيفة فيها تصدر باللغة الانكليزية من الصدور نتيجة للأزمة الاقتصادية "تايلاند تايمز" سرحت العاملين فيها في منتصف شهر آب اغسطس الماضي نتيجة هبوط عائدات الاعلان وارتفاع تكاليف الطبع وتدني عدد القراء بعد ان قررت الحكومة تشديد رقابتها، خصوصاً على المواضيع التي تتطرق الى الأزمة الاقتصادية وللخلافات بين أعضاء الحكومة. لجنة مراقبة الاعلام التي باشرت أعمالها في تايلاند قبل أسابيع قليلة من انفجار الوضع الاقتصادي غدت اليوم المرجع الأساسي لمسؤولي الصحف التايلاندية… هذه العلاقة بين الأزمة الاقتصادية والرقابة المشددة نجدها اليوم في مختلف دول جنوب شرقي آسيا. ففي اندونيسيا سرحت صحيفة البلاد الأكثر مبيعاً "ميديا اندونيسيا دايلي" أحد العاملين لأنه كتب موضوعاً عن انفجار قنبلة في جاكرتا في الشهر الماضي، وكذّب رواية العسكريين التي اتهمت أحد تجمعات المعارضة غير المرخص لها بكونه المسؤول عن هذا الانفجار. رقابة صحافة اندونيسيا الذاتية المتصاعدة هي أيضاً من مخلفات تردي الأوضاع الاقتصادية. فتراجع العملة أمام الدولار بشكل مخيف منذ مطلع الصيف أدى الى زيادة تكاليف الورق والطباعة وهروب المعلنين وتدني عدد القراء… مئتا وسيلة اعلام اندونيسية مهددة اليوم بالتوقف، وعدد منها، بما فيها كبرى الصحف اضطر الى رفع أسعاره وتخفيف عدد صفحاته. عوارض مشابهة نجدها اليوم في دول المنطقة كافة تثير تساؤلات جادة حول مستقبل الاعلام الآسيوي، ولو ان حياة الصحافيين لم تعد مهددة كما كانت في الماضي. سنة 1997 لاقى سبعة صحافيين مصرعهم بين اندونيسيا وباكستان ومنطقة كشمير. الرقم نفسه نجده في روسيا، البلد الأوروبي الجديد، حيث تعرض أيضاً عدد من العاملين في الاعلام للخطف و… "الاختفاء"…