"جيل الفدائيين: من الكفاح المسلح الى الحكم الذاتي" كتاب من اعداد الصحافيين كريستيان شينو وجوزيفين لاما صدر عن دار نشر "اوترومان" الفرنسية. يحاول الكتاب عبر شهادات عديدة جمعها شينو ولاما من 1996 حتى 1998، في كل من عمان وغزة ورام الله وبيروت وبيت لحم ونيقوسيا، رسم صورة لجيل من المقاومين الفلسطينيين عبر توضيح دوافعهم ومعاناتهم وآمالهم. ويقول شينو في لقاء معه في باريس ان فكرة وضع الكتاب ولدت مع الصورة التي نقلتها تلفزيونات العالم اجمع عندما تصافح رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين في حديقة البيت الابيض في 13 ايلول سبتمبر 1993. فهذه الصحافة نقلت القضية الفلسطينية من واقع الى آخر وجعلتها محكومة بمعنى مغاير تماماً للمنحى الذي اعتمدته على مدى السنوات الخمسين الماضية. فكيف ينظر الى هذا التحوّل من هم وراء عرفات من الذين قاتلوا وسجنوا وفقدوا اشخاصاً قريبين منهم؟ وكيف يقبل على السلام جيل المقاومين الفلسطينيين الذي طالما كان شعاره "القتال هو الوجود". ويشير شينو انه ولاما تعمّدا في معرض الاجابة على التساؤلات، حصر اهتمامهما بمجموعة من الرجال والنساء الذين عايشوا القضية الفلسطينية وانخرطوا في المقاومة بصفتهم مقاتلين عاديين أو مسؤولين انما من الصف الثاني والثالث. ويضيف ان غالبية الكتب التي تناولت القضية الفلسطينية ركّزت اهتمامها على شخصية عرفات واستراتيجية السياسة وعلى كبار القادة الفلسطينيين، اما الشهادات التي يتضمنها الكتاب فهي صادرة عن اشخاص لم يتح لهم المجال في التعبير رغم انهم ساهموا في صنع التاريخ الفلسطيني. ولذا، فان الكتاب يشكّل وقفة تقييمية لبعض ممّن صنعوا "جيل الفدائيين" الذين شكّلت النكبة وفقدان الهوية اطاراً لطفولتهم ومن ثم نشأوا في ظل الشتات والانتشار في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين فواكبوا المقاومة في مراحلها المختلفة وانقساماتها الداخلية، ومنهم صلاح التعمري وممدوح نوفل وليلى خالد ومي الصايغ وبسام ابو شريف وفاطمة برناوي وغيرهم. ولا تقتصر الشهادات المختلفة على السيرة السياسية للاشخاص وانما تتناول ايضاً السيرة الشخصية والذاتية لكل منهم، مدعمة بمجموعة من الصور الخاصة لهؤلاء الاشخاص في حياتهم اليومية. ويوضح شينو ان الهدف من هذا هو تغيير الصورة السائدة لدى العديدين في الغرب عن الواقع الفلسطيني باعتباره "كوفية" وعمليات مسلحة وخطف طائرات واحتجاز رهائن وانما هو خصوصاً معاناة مستمرة منذ 50 عاماً لافراد عاديين يؤلفون الشعب الفلسطيني. وتعبّر معظم الشهادات عن نوع من الحنين للآمال والوعود التي اتّسمت بها بدايات انطلاق المقاومة الفلسطينية، لكنها تتباين في تقييم مراحلها المختلفة. فالبعض يرى ان اذا كان لا بد من معاودة التجربة فينبغي معاودتها بالطريقة نفسها، والبعض الآخر يرى ان اخطاء ارتكبت ومنها الاعتقاد بامكان تحقيق الوحدة العربية في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، والمراهنة على قلب النظام الاردني، ولاحقاً الحرب اللبنانية التي أظهرت ان المقاومة لم تتعظ من تجربتها في الاردن. وتعود غالبية الشهادات لتتقاطع مجدداً عند التعبير عن خيبة الامل والقلق على المستقبل وعند التساؤل عن اسلوب مواجهة الموقف الاسرائىلي الحالي.