تعرف رياضة الراليات في الشرق الأوسط رواجاً كبيراً منذ عقد الثمانينات، وقد شهدت بطولة المنطقة إقبالاً جماهيرياً كبيراً لمشاركة سائقين ممتازين أمثال اللبناني المقيم في الإمارات ميشال صالح والقطري سعيد الهاجري والإماراتي محمد بن سليم... ودار تنافس مثير بين السائقين لا سيما الهاجري وبن سليم، ما جذب انتباه محبي هذا النوع من الرياضة. ومن الشرق الأوسط انطلق الهاجري وبن سليم إلى المسرح الدولي فتخصص الأول في الراليات الصحراوية الطويلة وكانت له نتائج طيبة، في حين شارك بن سليم في بطولة العالم للراليات. ومع بداية التسعينات، بدأ جيل جديد من السائقين يظهر في الشرق الأوسط ليسير على خطى الهاجري وبن سليم فتألق السعودي عبدالله باخشب وكان أول سائق سعودي يدخل معترك الراليات. وتطور باخشب تدريجاً عبر الفئات. فبعد ظهوره في مدرسة "مارلبورو" للهواة في جدة، خاض بطولة الشرق الأوسط للراليات ضمن الفئة ن وأحرز لقبها عامي 1993 و1994، وانتقل إلى الفئة أ وحقق لقبها العام 1995. وكان طبيعياً أن ينتقل باخشب إلى المسرح الدولي، وكان ذلك العام 1998، واعتبر العام الأول تجريبياً استعداداً للموسم المقبل الذي يتوقع أن يظهر فيه سائق فريق "مارلبورو" في قمة مستواه. بداية البطل السعودي في العام 1990، أقامت "مارلبورو" مدرسة للمواهب في جدة لإكتشاف وجه جديد قادر على البروز في عالم الراليات، وكان باخشب الأفضل بين أترابه فحصل على رعايتها وانطلق وتميز وبرز بسرعة لفتت الأنظار وأدهش الكثيرين بأسلوب قيادته فتوقع له النقاد مستقبلاً حافلاً. وكانت المشاركة الفعلية الأولى للسائق السعودي في رالي غابات ويلزو وأجاد يومها التعامل مع الطبيعة البريطانية الصعبة ليحتل المركز الپ24 بين 90 متسابقاً وهي نتيجة ممتازة لمبتدئ مثله. وعاد باخشب إلى منطقة الخليج وخاض غمار أول تحد له في "مارلبورو رالي الإمارات" الصحراوي 1991 على متن "تويوتا لاندكروز" وكانت أول تجربة له في سيارة بدفع رباعي. ولأن الخطوات الأولى تكون عادة صعبة، واجه البطل السعودي متاعب ميكانيكية اضطرته إلى الانسحاب من الرالي عندما كان في المركز السادس. واختتم باخشب عامه الأول بمشاركة في رالي دبي الدولي على متن "رانج روفر" فجاء تاسعاً في أول مشاركة له في بطولة الشرق الأوسط للراليات. وكان رالي قطر الدولي العام 1992 محطة رئيسية في روزنامة باخشب، إذ بدأ علاقته المميزة مع الملاح الايرلندي بوبي ويليس، علماً أن باخشب على متن "رانج روفر" أيضاً جاء سادساً في هذا الحدث. ولن ينسى سائق "مارلبورو" العام 1992، إذ حقق خلاله أول نصر بعدما احتل المركز الأول ضمن الفئة ن في رالي دبي الدولي على متن "تويوتا سيليكا جي تي 4". وكان عبدالله قد اعتمد هذه السيارة للمرة الأولى خلال رالي عمان في العام نفسه، وحل في المركز الخامس ضمن الترتيب العام والثاني ضمن المجموعة ن. وقبل رالي دبي كان باخشب قد خاض "مارلبورو رالي الإمارات" الصحراوي على متن "رانج روفر" برفقة ويليس واحتلال المركز الثامن بعدما نافسا طويلاً على المركز الأول قبل أن يواجها متاعب ميكانيكية. أعصاب فولاذية وأثبتت بطولة الشرق الأوسط العام 1993 أن البطل السعودي يتمتع بأعصاب فولاذية وإرادة صلبة، إذ تخطى المتاعب التي واجهها ليتوج بطلاً للمجموعة ن، فكان الانتصار باكورة ألقابه. ففي بداية العام جاء باخشب في المركز الثاني للمجموعة ن ضمن رالي قطر الدولي، لكن خيبتي الأمل في راليي الأردنولبنان أفقدتاه نقاطاً غالية. ففي رالي الأردن كان نجم فريق "مارلبورو" يقود سيارته للمرة الأولى على طرق اسفلتية، وتمكن من تصدر مجموعته قبل أن ينسحب في اليوم الثاني بسبب انفجار محرك سيارته. ثم شارك باخشب في رالي لبنان الدولي الذي يجري على طرق اسفلتية متعرجة، لكنه اضطر إلى الانسحاب مجدداً، وفي شهر كانون الأول ديسمبر حقق السائق السعودي نصراً مميزاً مع احتلاله المركز الأول ضمن ترتيب المجموعة ن خلال رالي دبي الدولي، ما وفر له فرصة الفوز بكأس المجموعة ضمن بطولة الشرق الأوسط للراليات 1993. وكان اللقب بمثابة انجاز كبير لصغر سن باخشب وحداثة عهده في الراليات. تتويج وشهد العام 1993 أيضاً تتويجاً رائعاً لمهارات باخشب الكبيرة، وهو الذي أثبت أنه قادر على التألق أيضاً في الراليات الصحراوية بعد فوزه بفئة "تي 1" ضمن "مارلبورو رالي الإمارات" الصحراوي. ولأن البقاء في القمة أصعب من الوصول إليها، كان العام 1994 مهماً للبطل السعودي، إذ كان مطالباً بالدفاع بنجاح عن لقبه لاثبات أن كل ما تحقق في العام السابق لم يكن وليد صدفة. وكانت البداية طيبة، إذ احتل باخشب المركز الأول في كل راليات قطر، فاتحة جولات البطولة والأردنوعمانودبي. كما حل في المركز الثاني للمجموعة ن خلال "مارلبورو رالي لبنان الدولي"، أحد أصعب مراحل البطولة، كونه يجري بالكامل على طرق اسفلتية، وبذلك أحرز باخشب لقب بطولة الشرق الأوسط للمجموعة ن للسنة الثانية على التوالي. وبدأ السعودي يأخذ جرعات صغيرة في الراليات الدولية العام 1994، فشارك في راليين محليين في بريطانيا سجل خلالهما نتائج مشرّفة على رغم وعورة طرقاتهما الزلقة، والأهم من ذلك اكتسب خبرة كبيرة في مواجهة سائقين ممتازين، إضافة إلى الاحتكاك بنخبة المشاركين على الساحة الدولية. ووضع باخشب اللمسات الأخيرة على العام 1994 بانجاز رائع، إذ تمكن من الاحتفاظ بلقب المجموعة تي 1 ضمن "مارلبورو رالي الإمارات" الصحراوي واحتل المركز الثاني في الترتيب العام. فئة جديدة ولأن التطور مهم لكل مسيرة رياضية، كان لا بد من ان يرتقي باخشب إلى فئة جديدة بعدما حقق كل ما يمكن تحقيقه في الفئة ن، فكان التقدم إلى الفئة أ في محله، وحصل ذلك مع بداية العام 1995 على متن سيارة "فورد اسكورت كوزوورث"، ولم تكن البداية كما يتمناها السائق السعودي، إذ انفجر محرك سيارته وهو في المركز الأول خلال رالي الإمارات الدولية أولى جولات بطولة الشرق الأوسط. وانتظر باخشب حتى رالي الأردن الدولي ليحقق فوزه الأول ضمن الفئة أ، بعدما سجل أفضل الأوقات في المراحل الپ14 كافة. وبعد الأردن انتقل باخشب إلى لبنان حيث اضطر إلى الانسحاب قبل قليل من خط النهاية، وهو المركز الثاني، إثر انزلاق سيارته. وفي الكويت، تنافس باخشب والإماراتي خليفة المطيوعي طوال مراحل الرالي وحسم باخشب الصراع في مصلحته ليحرز الفوز. وكان احتلاله المركز الثالث في راليي قطرودبي كافياً له لاحراز لقب بطولة الشرق الأوسط للمجموعة أ في أول مشاركة له ضمن هذه الفئة. وعاد سوء الطالع ليحرم باخشب من المركز الأول في رالي الإمارات الدولي 1996، إذ اصطدمت سيارته بمطب رملي وانقلبت وهو في المركز الأول. ثم جاء ثانياً في رالي الأردن قبل أن يحقق حلمه بتحقيق الفوز بلقب رالي لبنان الصعب. بعد منافسة قوية بينه وبين بن سليم ونخبة السائقين اللبنانيين. وتجددت المنافسة بين باخشب وبن سليم في رالي قطر وخرج منها الإماراتي فائزاً، ثم احتل باخشب المركز الثاني في رالي الكويت لينهي الموسم في المركز الثاني ضمن بطولة الشرق الأوسط. واختار باخشب العودة إلى سيارة "تويوتا سيليكا جي تي 4" بعد توقيع عقد مع شركة "عبداللطيف جميل" وكيل "تويوتا" في السعودية، واحتل المركز الثاني في بطولة الشرق الأوسط خلف بن سليم، علماً أن التنافس بينهما استمر حتى اللحظة الأخيرة من البطولة، وحسمه الإماراتي بفارق بسيط. ولعب الأخير دوراً كبيراً في مسيرة باخشب، إذ ساعده كثيراً وأفاده من خبرته الواسعة وقدم له الارشادات اللازمة لا سيما أنهما عضوا فريق واحد هو فريق "مارلبورو". وبعدما اكتسب الخبرة اللازمة في بطولة الشرق الأوسط، بات باخشب جاهزاً لمواجهة نخبة السائقين الدوليين، ومع تنظيم الاتحاد الدولي للسيارات مسابقة جديدة مخصصة للسائقين الراغبين في المشاركات الدولية بكلفة أقل، تعرف ب "كأس الاتحاد للفرق"، باتت الفرصة سانحة. وبعد انسحابه من رالي البرتغال الدولي في أول سباق له هذا العام، كان التعويض في رالي كورسيكا الصعب، إذ تمكن باخشب من احتلال المركز الأول ضمن كأس الفرق وسجل اسمه في سجلات المحافل الدولية للمرة الأولى في ثاني مشاركة له. وفي رالي اليونان، اضطر السعودي إلى الخروج، فلم يسجل أي نقاط رغم أنه قدم عرضاً جيداً. أما رالي فنلندا المتطلب فقطف سائق "مارلبورو" ثمار جهوده، إذ احتل المركز الثالث في كأس الفرق وجمع نقاطاً ثمينة في الترتيب العام للبطولة. وفي "مغامرته" الدولية الأخيرة عادت الانسحابات لتلاحق السعودي، إذ اجبر على الخروج بعدما كان في المركز الثالث في اليومين الأول والثاني خلال رالي سان ريمو الايطالي. والنتائج في العام الأول لا تهم بقدر المشاركة واكتساب الخبرة والتعرف على الطرقات، خصوصاً أن باخشب بدل ملاحه وبات يرافقه السويدي ارني هيرتز بدل بوبي ويليس، ما يعني أنه يحتاج إلى وقت للتأقلم مع رفيق دربه الجديد. وستكون مشاركة باخشب الموسم المقبل أكبر، لأن سائق "مارلبورو" تمكّن من التوصل إلى اتفاق مع "تويوتا" عبر شركة "عبداللطيف جميل" السعودية التي تموله أيضاً، لقيادة سيارة "تويوتا كورولا" التي خطفت الأضواء في موسمها الكامل الأول في بطولة العالم، إذ تتصدر بطولة الصانعين ويحتل سائقها الاسباني المعروف كارلوس ياينز المركز الأول في الترتيب العام للسائقين. ومع "عدة" مثالية وثماني سنوات من الخبرة خلفه، من المتوقع ان يكون لسائق "مارلبورو" شأن في بطولة العالم المقبلة، علماً أن مشاركتين تنتظرانه هذا الموسم في استرالية وبريطانيا، يختتم بهما موسمه الأول "التجريبي" على المسرح الدولي.