يتطلب تركيز دعائم دولة فلسطين التي تأخر انشاؤها 51 عاماً على الأقل، اذا بدأنا حسابنا من تاريخ اصدار الاممالمتحدة قرارها تقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية في العام 1947، دعماً مالياً واقتصادياً وسياسياً كبيراً من المجتمع الدولي. ويجب ان يوازي هذا الدعم جهد فلسطيني مستمر مُتّسم في الدرجة الأولى بالنزاهة وصرف المعونات على متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية على نحو يشجع المجتمع الدولي على مواصلة معوناته. ويأتي اجتماع الدول المانحة للمعونات الى الشعب الفلسطيني الذي يبدأ اليوم في واشنطن قبل خمسة اشهر فقط من الموعد المقرر ان تنتهي فيه، حسب اتفاق اوسلو، فترة الحكم الذاتي الفلسطيني التي تكون قد امتدت في حلول 4 ايار مايو 1999 خمس سنوات ينبغي عند انقضائها ان يكون قد تم التوصل الى تسوية نهائية بين اسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية. ولكن ما المنتظر ان يحدث في أوائل أيار المقبل؟ قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال لا بد من الاشارة أولاً الى اعتراف الدول المانحة للمعونات، خصوصاً الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بأن القسم الأكبر من المعونات التي منحت للفلسطينيين منذ 1993 أُنفق على سد العجز الناجم عن عمليات المحاصرة والاغلاق الاسرائيلية للأراضي الفلسطينية. والملاحظة الثانية هي ان واشنطن تقدم لاسرائيل 3 آلاف مليون دولار سنوياً، بين معونات عسكرية واقتصادية، فيما تلقت السلطة الفلسطينية من واشنطن على مدى السنوات الخمس الماضية 500 مليون دولار، أي بمعدل 100 مليون دولار سنوياً. في أوائل الشهر الخامس من العام المقبل يفترض ان يكون الفلسطينيون والاسرائيليون قد فرغوا من التفاوض على أهم وأعقد عناصر المشكلة الفلسطينية الناجمة بالطبع عن قيام دولة اسرائيل وتصرفاتها وأعمالها ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه: قضايا الحدود واللاجئين والقدس والمستوطنات اليهودية والمياه. وقد أوضحت حكومة بنيامين نتانياهو انها لا تنوي معالجة أي من هذه القضايا بأي جدية أو إنصاف للفلسطينيين، بل ان وزير الخارجية الاسرائيلي ارييل شارون استبعد من مفاوضات التسوية النهائية قضايا الحدود واللاجئين والقدس! وقد زاد على ذلك دعوته الاسرائيليين الى السيطرة على ما يستطيعون السيطرة عليه من أراضٍ فلسطينية الآن قبل ان يستردها الفلسطينيون، قائلاً في مناسبة اخرى ان الحل النهائي مع الفلسطينيين يجب ان يأتي على مدى عشرين عاماً! ان واقع الحال هذا ليس خافياً بالطبع على الرئيس ياسر عرفات، وهذا هو ما يفسر اصراره على اعلان قيام دولة فلسطين في الرابع من ايار 1999. انه يعلم، كما يعلم المجتمع الدولي كله، ان أمامه حكومة اسرائيلية تستبعد سلفاً أي تفاوض جدي على قضايا التسوية النهائية فيما تغرس في الأرض واقعاً يُخلّ بنتائج هذه المفاوضات، وتهدد من جهة اخرى بضم الجزء الأكبر من أراضي الضفة الغربية اذا أعلن عرفات الدولة الفلسطينية. ويعلم الجميع - بناء على التصريحات والأفعال الاسرائيلية - ان حكومة نتانياهو مصممة، سواء أعلنت الدولة الفلسطينية أو لم تعلن، على ضم الجزء الأكبر من أراضي الضفة الغربية لإسرائيل. من هنا، فإن إعلان الدولة الفلسطينية لا يشكل خسارة بالنسبة الى الفلسطينيين على أي حال. وتستطيع السلطة الفلسطينية اعلان الدولة كحق مشروع للشعب الفلسطيني وان تواصل النضال من أجل استرداد بقية الحقوق من دون تنازل عن حقوق اللاجئين أو عن الحق الفلسطيني العربي في القدس أو عن أي حق آخر في المياه والأراضي وغيرها.