عندما افتتح مطار غزة الدولي الثلثاء الماضي وهبطت فيه طائرات خطوط جوية من دول عربية، وطائرة الخطوط الجوية الفلسطينية، أحسّ أناس كثيرون لا في العالم العربي على امتداده فحسب، وانما في مختلف انحاء العالم، بالتفاؤل وبولادة شيء ما ايجابي يضيف رئة جديدة للشعب الفلسطيني، تمكنه من تنفّس قدر من هواء الحرية في السفر والاتجار، وأهم من ذلك الشعور بالتساوي مع باقي شعوب الارض، خصوصاً في حق تقرير المصير والاستقلال. وبرغم ان التفاؤل وحده لا يكفي لتحقيق الحلم، اي حلم، خصوصاً اذا كان الامر يتعلق بتحقيق العدالة واسترداد الحقوق وانتزاعها من قوة متغطرسة طاغية، كما هي الحال بين الفلسطينيين والاسرائيليين، فإن بدء تشغيل مطار غزة الدولي - او مطار عرفات الذي يستحق بكل جدارة اطلاق اسمه على هذا الرمز السيادي - جعل أناساً كثيرين ينظرون الى نصف الكأس المملوء وليس الى نصفها، او اكثر من نصفها، الذي لا يزال فارغاً. خذوا مطاركم وسنرسل اليه طائراتنا. وقبل ذلك فكروا في انشاء المطار وستقدم لكم هذه الدولة تكاليف انشائه، وتلك ستتولى تزويده المعدات، وأخرى ستدرّب الفنيين والطيارين. امور ايجابية تترجم على الارض بوضوح ويسهل قياسها وتسجيلها لحساب الدولة الفلسطينية الآتية. ويطير الرئيس ياسر عرفات من اول مطار فلسطيني الى باريس فيعلن امامه الرئيس جاك شيراك استعداد فرنسا والاتحاد الاوروبي للمساهمة في الدعم المادي لتطوير الدولة الفلسطينية. ثم يلتقي عرفات رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية لوران فابيوس فيقول هذا بعد استقباله عرفات انه يجب التوجه الآن الى اقامة دولة فلسطين. ويلتقي عرفات في العاصمة الفرنسية الرئيس حسني مبارك فيخاطبه الرئيس المصري ووفده قائلاً: "قولوا ماذا تريدون لنستطيع مساعدتكم". وسيتوجه عرفات في نهاية الشهر الجاري الى واشنطن لحضور اجتماع للمانحين تشارك فيه الدول العربية الخليجية كلها ومصر والمغرب واليمن والاتحاد الاوروبي من بين 45 دولة ومؤسسة دولية لترتيب منح مالية ضعيفة لكنها تسدّ الرمق للسنوات الخمس المقبلة. في خضم هذا التقدم يكرر الرئيس الفلسطيني شكواه المعهودة من المخالفات الاسرائيلية المعهودة للاتفاقات الموقعة وأسس عملية السلام: استمرار اسرائيل في تهويد القدس وبناء المستوطنات وعدم اطلاق المعتقلين الفلسطينيين من سجونها بحسب الاتفاق الاخير وجدوله الزمني. بالطبع، وقياساً على سلوك اسرائيل على الاقل منذ انطلاق عملية اوسلو، ستكون المفاوضات النهائية على القضايا الاساسية - اللاجئين والحدود والقدس والمستوطنات والمياه - اصعب بكثير مما شهدنا حتى الآن. وهنا يأتي دور الارادة العربية التي ظلت ملامحها وآثارها خافية اكثر مما هي بادية ولكن حان بالفعل اوان ظهورها عنيدة مخلصة ومبرمجة، لكي يصير هناك معنى ملموس لاعلان العرب تمسكهم ب "السلام العادل والشامل والدائم" من منطلق ان السلام بهذه المواصفات حاجة عربية حقيقية يعني تحقيقها استرداد اراضينا وحقوقنا ومياهنا وصون طاقاتنا الانسانية والمادية من التبدد. وبممارسة هذه الارادة المستندة الى قوة القرارات الدولية والاصرار على تنفيذها يمكن استرداد الجولان والجنوب اللبناني المحتل ودعم قيام الدولة الفلسطينية