يستعد المسؤولون الماليون في العالم لحضور الاجتماعات السنوية للبنك وصندوق النقد الدوليين في واشنطن، في وقت تتجمع غيوم كثيفة وتلقي بظلالها السوداء على الاقتصاد الدولي. وتتيح هذه اللقاءات، التي تستمر أسبوعاً، الفرصة أمام المشاركين للبحث في الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في العالم، وفي دور البنك والصندوق في الهندسة المالية الدولية التي يشعر عدد كبير من المعنيين بحاجة القرن الپ21 إليها. لكن مسؤولي البنك وصندوق النقد قالوا الخميس الماضي إنهم ينتظرون من مجموعة الدول السبع الكبرى الصناعية أن تلعب دوراً رئيسياً في الاجتماعات إذا شاء العالم تجنب ركود اقتصادي عام. وقال مدير صندوق النقد الدولي ميشال كامديسو للصحافيين إن الدول السبع الأغنى في العالم، وهي الولاياتالمتحدةواليابان والمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا وايطاليا وكندا، تشكل "اللاعبين الرئيسيين في الاستراتيجية الدولية الذين عليهم تحمل مسؤولياتهم حيال النمو الاقتصادي المنتظم في العالم". ورحب كامديسو بقرار مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي الثلثاء الماضي خفض أسعار الفائدة القصيرة الاجل، لكنه أشار، وعلى نحو حازم، إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من الخفض في أسعار الفائدة. وقال إن جهود الحكومة اليابانية لإبقاء الحوافز الضريبية ماثلة في اليابان حتى 1999 "مهمة جداً"، واصفاً عرض طوكيو تقديم 30 بليون دولار لمساعدة الدول الآسيوية المتأزمة، بأنه "شجاع وسخي". وأعرب كامديسو عن أمله في صدور تدابير ايجابية أخرى من الدول الصناعية الكبرى، بما في ذلك قرار من حكومات منطقة اليورو للتقريب بين أسعار الفائدة فيها كافة، مضيفاً ان ذلك يمثل مساهمة فعلية ايجابية في النمو الاقتصادي الدولي. ورحب باستعداد الاتحاد الأوروبي لإنشاء صندوق طوارئ لأميركا اللاتينية. وأعرب عن اعتقاده بأن "اتخاذ موقف حازم حيال تزعم الدول السبع الأكبر للنمو الدولي ودعم الدول المتأزمة واعطاءنا الوسائل اللازمة، من شأنه ان يجعل السنة المقبلة أفضل للأسواق من السنة الجارية". من جهته، قال رئيس البنك الدولي جيمس وولفنسون الكلام نفسه تقريباً في مؤتمر صحافي عقد بعد فترة قصيرة من مؤتمر كامديسو. وذكر وولفنسون بأن الدول الصناعية السبع الرئيسية صارت ترتبط على نحو وثيق بالأسواق الناشئة بسبب تنامي العلاقات التجارية الدولية. وقال: "اعتقد ان على الدول السبع الكبرى ان تدرك أن مشاكل الدول النامية والدول التي تعيش وضعاً انتقالياً هي أيضاً مشاكل الدول السبع الكبرى". وأضاف ان على الدول الأكبر توفير الموارد الضرورية نظراً إلى أن اجمالي ناتجها المحلي يشكل أربعة أخماس اجمالي الناتج المحلي الدولي. يذكر ان اللقاءات السنوية الرسمية تبدأ الاثنين وتنتهي الخميس المقبلين، وستسبقها اجتمعات منفصلة يعقدها وزراء المال في الدول السبع الكبرى ووزراء الدول الصناعية العشر الكبرى، ووزراء المال في الدول النامية البالغ عددها أربعاًَ وعشرين. وستشكل هذه الاجتماعات فرصة للبحث في عدد كبير من المقترحات التي طرحت لتحسين الوضع المالي الدولي. وينتظر المراقبون أن تكرر هذه الاجتماعات الانتقادات التي وجهت إلى صندوق النقد والبنك الدوليين بسبب عجزهما عن التكهن بالأزمة الراهنة، أو عن وصف الدواء الصحيح لها. يذكر أن بعض المقترحات تناول دمج نشاطات البنك وصندوق النقد في بعض المجالات، وتعزيز روابط المؤسستين الدوليتين بمنظمة التجارة الدولية الجديدة وببنك التسويات الدولي. وسيدرس السؤولون الماليون سبل الابقاء على تدفق الرساميل إلى الدول النامية في وقت يتراجع بعض زعماء العالم مثل رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد ورئيس الوزراء الروسي الجديد يفغيني بريماكوف عن فكرة تحرير السوق والسماح بتدفق الرساميل وتحركها بحرية في العالم. وينتظر ان تطالب الدول النامية بمزيد من تدابير تخفيف أعباء الديون عنها، خصوصاً عبر الترتيبات الخاصة بالدول الفقيرة المثقلة بالديون التي وافق عليها صندوق النقد والبنك الدوليان والتي يجري تطبيقها حالياً ببطء. وسيغتنم صندوق النقد اللقاءات للضغط من أجل منحه موارد اضافية بعدما التزم تقديم بلايين الدولارات مساعدات لأندونيسيا وكوريا الجنوبية وتايلاند وروسيا العام الماضي، إذ ان هذه الالتزامات أضعفت إلى حد بعيد وضعه المالي. وشدد كامديسو على الحاجة إلى أن تفي الدول الصناعية بوعودها لتمويل الصندوق. وكان يقصد بذلك الكونغرس الأميركي في المقام الأول الذي رفض حتى الآن الموافقة على طلب الإدارة الأميركية تقديم 18 بليون دولار للصندوق. ولا يجد البنك الدولي نفسه في الموقع نفسه الذي يحتله الصندوق الدولي. فالأزمات في آسيا وروسيا حملت البنك زيادة التزاماته الجديدة إلى 5،28 بليون دولار العام الماضي بعدما كانت هذه الالتزامات عادة 23 بليون دولار. لكن وولفنسون أصر على أن تصنيف البنك الدولي وهو أأأ لم يتعرض لأي خطر بسبب الالتزامات الضخمة الجديدة، مشيراً إلى أن البنك الدولي "آمن جدا". وأضاف انه يرغب فقط في تغييرات عملية في الطريقة التي ينشط بها البنك مع صندوق النقد. من جهة أخرى، لفت كامديسو إلى أن العالم تغير كثيراً منذ انشاء المؤسستين الدوليتين بغية "تنوير" العاملين في الاقتصاد الدولي بعد الحرب العالمية الثانية. ونظراً إلى أن عدد أعضاء صندوق النقد الدولي ارتفع إلى 182 دولة، زادت مسؤوليات الصندوق، فيما يميل العالم إلى زيادة الاعباء على عاتقه. ودافع كامديسو عن مؤسسته ضد المنتقدين الذين يشكون من أنها تغالي في تكنوقراطيتها وتفتقر إلى الحساسية حيال الحقائق السياسية، فقال إن من الصعب "تجنب المغالاة في استخدام التعابير الفنية فيما يقدم الصندوق الدولي النصح والأدوية" في مجال السياسة الخاصة بأسعار الصرف. ومازح وولفنسون الصحافيين بالقول: "يعتقد البعض ان رئاستي للبنك الدولي تعني رئاستي للعالم، لكن الحقيقة هي أن الأعوام الأخيرة شهدت ازدياد تدفق الرساميل الخاصة إلى الدول النامية خمسة أضعاف، ووصول هذه الرساميل إلى قمة هي 307 بلايين دولار عام 1990، فاضطر البنك عام 1996 إلى احتلال المقعد الخلفي لصالح القطاع المالي الخاص في عدد كبير من الدول". وأمضى وولفنسون معظم الوقت يحاول جعل البنك الدولي أكثر استجابة لتنامي دور القطاع الخاص في هذا العدد الكبير من الدول، ولكن نظراً إلى أن الأمور سارت على غير المشتهى في آسيا، بدا وولفنسون وكأنه يعيد التأكيد على رسالة البنك الدولي الرئيسية وهي خفض مستوى الفقر في العالم، إذ قال: "إن البنك ليس مستوى ثانياً من صندوق النقد الدولي، وأنه يقدم قروضاً طويلة الاجل تركز على اصلاح الأنظمة المالية والقضائية وعلى انشاء شبكات أمان اجتماعية وضمان معالجة أمور الفقر وعدم المساواة والحكم الصالح". وذكر وولفنسون مسائل أخرى يوليها البنك الدولي اهتماماً كبيراً منها الفساد والبيئة وحقوق المرأة.