في كل يوم تثبت لنا الأحداث أن من الواجب اليقظة والحذر في الممارسات اليومية ولا سيما في البرامج التلفزيونية وما يرد فيها من مشاهد عنف ودعوات مفتوحة للانحراف وتعلم أمور مسيئة تهدد المجتمع. فالأطفال بطبيعتهم يحبون التقليد حتى ولو كان قاتلاً، كما أنهم يتخذون من بعض النجوم والأبطال قدوة لهم فيقلدونهم في تصرفاتهم ولباسهم وطريقتهم في المشي والكلام... وكل منحى من مناحي الحياة. وما زلنا نذكر يوم صعود نجم "سوبرمان" كيف حاول عشرات الأطفال تقليده بالطيران، وألقى بعضهم بنفسه من الشرفات بالفعل مما أدى الى مصرعهم أو اصابتهم بكسور ورضوض بالغة. وقبل فترة نفذ حكم الإعدام شنقاً بمجرمين في لبنان أقدما على قتل شخصين بطريقة وحشية، ولا اعتراض على المبدأ، فالقانون قانون والقصاص أمر شرعي لا جدال حوله. ولكن نقل مشاهد الإعدام لحظة بلحظة على شاشات التلفزيون أثار اشمئزاز وغضب الكثيرين نظراً لفظاعتها، وكان القصد الرسمي من وراء هذا النقل المباشر ردع المجرمين لقطع دابر الجريمة. ولكن الإخراج كان سيئاً ومسيئاً للهدف نفسه، ولم يحقق الغاية المرجوة منه بل كاد يودي بحياة طفلين بريئين. فقد حاول أطفال اعادة تمثيل المشاهد مع زميلتهم سوزان محمد محي الدين 6 سنوات فربطوا الحبل الذي كانوا يلهون به على غصن شجرة داخل حرم مدرستهم وربطوا الطرف الآخر في عنقها، وعندما أحست بالألم وكاد جسمها الطري يتدلى صرخت مستنجدة فسارعت معلمتها لانقاذها. المشهد الأول حدث في زحلة البقاع، وقد تكرر هذه المرة في النبطية الجنوب حيث حاول ستة أطفال شنق رفيقهم محمد سعيد يونس 7 سنوات عندما كانوا يلهون في منزل مهجور، فلفوا رقبته بحبل من النايلون بعد أن أوقف على حجر. ولولا ارتخاء الحبل بعد سحب الحجر وتدلي جسم الطفل المسكين لكان لقي حتفه... وانقضت العمليتان بسلام وبإصابة الطفلين ببقع زرقاء وبحالة رعب قد تستمر معهما الى وقت طويل. هذان المثالان الحيان لا بد أن يفتحا أعيننا أمام مشاهد العنف التي تنقلها لنا أجهزة الإعلام وخصوصاً بالنسبة للأطفال والمراهقين الذين يتأثروا بكل ما يعرض فيما تعاني مجتمعاتنا من إهمال الأهل أو تراخيهم في عملية التوجيه والمراقبة الذكية وعدم السماح للأطفال بمشاهدة برامج أو أفلام ومسلسلات لا تصلح لهم وتتضمن مشاهد عنف أو مشاهد إباحية أو قضايا تسيء لأخلاقهم أو لا تتناسب مع أعمارهم. ولا علاقة لهذه الدعوة بالحرية والانفتاح والحقوق، فكل دول العالم ولا سيما الدول الأكثر انفتاحاً وإباحية تفرض شروطاً وقواعد صارمة وضوابط لا يمكن تجاوزها بالنسبة للأفلام كما تفرض على دور السينما والتلفزيونات عدم عرض برامج معينة في أوقات مشاهدة الأطفال، ووضع علامات واضحة قبل أي برنامج يحدد السن المسموح له بالمشاهدة. اضافة الى منع مشاهد العنف والمشاهد والصور المثيرة أو الممعنة في الدموية أو المرعبة. والأهم من القوانين والإجراءات مسؤولية الأهل في قيادة الدفة وتجنيب أولادهم كل ما يسيء لأخلاقهم أو نفسيتهم أو شفافيتهم أو تقتل براءتهم.
خلجة حياة بلا حب: بحر بلا موج ونهر بلا ينابيع وسفينة بلا مرفأ ومحيط بلا شاطىء