وفقا لما ذكره الاعلام فقد طالب السياسيون في المانيا مؤخرا بتشديد الرقابة على منح رخص السلاح وبالحد من انتشار "فيديو" العنف، وطالب وزير الداخلية بضرورة تحصين الناشئة وخضوع اصحاب السيرة والسلوك السيئين الى قانون معاقبة القاصرين مع ضرورة رعايتهم نفسيا لتحسين سلوكهم.. وذلك بعد ان قام التلميذ "روبرت شتاينهاوزر" (مراهق) بارتكاب جريمة مروعة اودت بحياة 16 ضحية في مدرسة "ايرفورت"، وبعيدا عن اسباب جريمة مدرسة ايرفورت فان كثيرا من الآباء والمربين يشيرون باصابع الاتهام الى افلام الرعب والعنف على انها السبب الرئيسي في تحريضهم على العنف وزرع تلك النزعة العدوانية في اي مراهق او طفل صغير.. التقليد مريم الهاجري وهي ام وربة منزل تلقي باللوم على الاعلام: الطفل لدينا يحب المسلسلات الخليجية لانها تعبر عن اسلوب حياة المجتمع الذي نعيش به، وكذلك لانها باللهجة التي يتحدث بها الطفل ويفهمها، ولكن هناك جوانب سلبية في المسلسل الخليجي تجعله موضع استفهام فالمسلسلات الخليجية الجديدة غدت دروسا في العنف بالمشاهد التي تناقش المشاكل الاسرية في البيوت والتي تحرض على العدوانية، وكذلك قضايا المخدرات التي تزين للطفل طريق الانحراف.. لان الطفل عادة لا يميز الصح من الخطأ في المسلسل فيقلد بعض ابطال المسلسل حتي لو كانوا سيئين.. الرفض والتأييد.. ويقول الدكتور حاتم هاني اخصائي طب الاطفال: لقد اثار ظهور التليفزيون متاعب شغلت علماء النفس والتربية والاجتماع والاعلام والطب والمعلمين واولياء الامور.. لقد شغل الجميع، ولكنه بالرغم من متاعبه الا انه اصبح جزءا لا غنى عنه في حياة الناس، وفي دراسة تتميز بشيء من الطرافة اجرتها احدى المؤسسات العلمية الالمانية طرحت فيها لمن يرغب ان يتوقف عن مشاهدة التلفاز لمدة سنة كاملة! مكافأة مالية مجزية.. وبدأ الراغبون "وعددهم مائة وخمسون شخصا" بالامتناع عن مشاهدة التليفزيون، لكنهم لم يتمكنوا من قضاء المدة المتفق عليها فعادوا جميعا لمشاهدته.. وهذا ما يؤكد عدم امكانية الاستغناء عن هذا الجهاز الساحر بالنسبة للصغار والكبار معا. ان الحاجة للتليفزيون اثارت الجدل حول الاثار التي يمكن ان يحدثها التليفزيون.. وقد ازداد هذا الجدل بانتشار التليفزيون بسرعة فاقت كل وسائل الاتصال الاخرى وكان دخول "الستالايت" الي البيوت التي فيها اطفال اكبر واسرع من دخوله في اي مكان اخر، الامر الذي قاد الى تصعيد الجدل بين المؤيدين له والمعارضين لارتباطه بالاطفال، وهو جدل قائم يدور حول جملة اسئلة منها: @ هل يعمل التليفزيون على تنمية العادات السلبية عند الاطفال والانعزال عن المجتمع وانقسام الشخصية.. أم انه عامل ايجابي في هذه المسائل المطروحة؟ @ هل يعمل التليفزيون على تشجيع العنف والانحراف والجريمة لدى الاطفال، وانه المدرسة لاعداد الاطفال للانحراف على حد تعبير احد الاطباء النفسانيين ام ان له دور الواعظ الذي يوضح للاطفال عاقبة العنف والانحراف والجريمة ويجنبهم بالتالي مغبة التورط فيها؟؟.. @ وهل ان التليفزيون يساعد على تعميق المعلومات المدرسية للاطفال وتوسيعها ويؤدي الى زيادة تحصيلهم الدراسي.. ام انه يشغلهم عن مطالعة دروسهم؟.. ان الاجابة عن كل شطر من التساؤلات المذكورة غير ممكنة هنا لحاجة كل شطر منها الى بحوث ودراسات! تأثير العنف على الطفل ويرى الدكتور حاتم ان الموضوع يتلخص في نقطتين مهمتين تتعلق الاولى بتحديد مفهوم العنف، وفيما اذا كان وراثيا او مكتسبا او تفاعلا بين الوراثة والبيئة، وتتعلق الثانية بالاجابة عن سؤال شغل بال الباحثين والتربويين واولياء امور الاطفال وهو: هل يتعلم الاطفال العنف والعدوان من خلال مشاهدتهم لبرامج العنف والعدوان في التليفزيون.. والى اي مدى وتحت اي ظرف؟.. ان هناك ثلاث نظريات اساسية في تفسير العنف والعدوان: الاولى: نظرية الغريزة. الثانية: نظرية الدافع او الاحباط. الثالثة: نظرية التعلم.. وما يهمنا هنا هو النظرية الثالثة والتي تؤكد ان لسبل التنشئة تأثيرا في ظهور السلوك العدواني بين الاطفال.. وهذا ما ينقلنا الى التساؤل السابق وهو: هل يتعلم الاطفال العنف والعدوان في برامج التليفزيون؟ وللاجابة عن هذا السؤال توجد نظريتان: الأولى: نظرية التفريغ.. وتقوم هذه النظرية على فرضية مؤداها ان لافلام الرعب والعنف القدرة على تفريغ العدوان والعنف من المشاهد.. واذا كان الامر هكذا فلا توجد مشكلة تستحق البحث.. والثانية: "نظرية النمذجة" ويرى الدكتور الهاني ان مؤدى هذه النظرية ان الانسان عندما يتعلم عن طريق المشاهدة، فانه ينتج سلوكه على اساس ما يشاهده، وان الانسان يقلد الانسان الذي يشبهه او الاقرب اليه، اذ كلما ازداد تشابه النموذج مع المشاهد ازدادت نسبة تقمص النموذج ولهذه النظرية اسس تقوم عليها، اذ يستنتج من يبحر في تجارب القائلين بها ان رؤية مشاهد العنف والعدوان في البرامج التليفزيونية تعمل على استثارة الشعور العدواني عند المشاهد، وان الاطفال يتعلمون من خلال ما يشاهدون.. وانهم عندما يواجهون ظرفا مناسبا فيما بعد، يحاولون تطبيق ما شاهدوه على الشاشة ايضا!.. الخطر آت!! ويضيف الدكتور حاتم ان الدلائل التجريبية في الكثير من الدراسات الانثروبولوجية تشير الى ان مشاهدة النماذج العدوانية سواء كانت حية او رمزية ينتج عنها زيادة في العدوان عند الاطفال، وانه مالم تثبت الدراسات بأدلة علمية ان المشاهد العنيفة في الافلام لا تؤدي الى تشجيع السلوك الفعلي للعنف والعدوان فاننا نكون مدركين للخطر المحتمل الذي تلعبه هذه الوسيلة الترفيهية الاعلامية الثقافية.. التليفزيون! ويمكن القول ان اكثر الافلام والبرامج والمسلسلات المنتجة عربيا (بالرغم من قلتها)، لا تشكل خطرا.. بل تكاد تخلو من المشاهد والاحداث التي من شأنها اثارة الرعب بين المشاهدين.. الا ان اكثر البرامج اثارة للعنف هي البرامج والمسلسلات والافلام الاجنبية الموجهة للاطفال اصلا او الموجهة للكبار، والتي اسند منتجوها الادوار المهمة، بل ادوار البطولة احيانا الى اطفال مستغلين التناقض بين براءة الطفولة وبشاعة البشر، عندما تتلبس الارواح الشريرة وروح المغامرة اجساد الصغار الذين يتسمون بالبراءة والطهارة والجمال.. وهو اسلوب انتشر في صناعة الافلام انتشار النار في الهشيم، ومن دون تمييز بين افلام الكبار والصغار لاغراض تجارية بحتة، رغم كونه اسلوبا مرفوضا تربويا وقاسيا اجتماعيا. التليفزيون وسيكولوجية الطفل واوضح الهاني ان كثيرا ما تلجأ بعض الامهات الى دفع اطفالهن قسرا لمشاهدة التليفزيون للتخلص مما يثيرونه من مشاكل فيما بينهم داخل البيت او لاتاحة الوقت الكافي لها لقضاء بعض الاعمال المنزلية في هدوء، وهذه الحالات تحدث عند العديد من العائلات بمختلف المستويات العلمية والثقافية لان الطفل قد يصبح احيانا مصدر ازعاج للاسرة.. الا ان هذه الطريقة تلحق الضرر بهم اي الاطفال من دون دراية او معرفة مسبقة.. لان الاطفال لا يعرفون كيف يفرقون بين ما هو خيال وما هو حقيقة وواقع، فالعنف الذي يظهر في بعض الافلام والمسلسلات التليفزيونية تكون له نكهة ولذة حقيقية خاصة عند الطفل الذي تفاعل مع المادة بشكل سريع، ويحاول تقليدها بعد الانتهاء من المشاهدة مع اخيه او في الروضة او المدرسة، وهذا دليل على مدى التأثير والضرر الذي يلحق به وتبدأ آثاره في وقت متأخر من الحياة.. يحذر البروفيسور "جيرالد ليسير" الاستاذ في جامعة هارفارد الامريكية المجتمعات التي تغذي اطفالها بغذاء تليفزيوني ذي قيم واطئة او سلبية بانها تخاطر بتحويل العالم الى نوع من دراما الشاشة المخيفة، ويؤكد على اخذ الحيطة والحذر في اختيار مواد البرامج التي تعرض على الشاشة التليفزيونية وانتقاء البرامج المسلية والثقافية التي تتلاءم مع الواقع الذي يعيشه الاطفال مع مراعاة الالتزام بالتقاليد والعادات والقيم الاخلاقية. العنف ظاهرة عالمية.. ويرى الاخصائي الاجتماعي عبدالله الدوسري ان ظاهرة ازدياد العنف والعدوان بين الاطفال نتيجة لمشاهدتهم برامج التليفزيون ذات الطابع العنيف مشكلة عالمية، لم يقف الباحثون المعنيون بالتربية وعلم النفس موقف المتفرج منها.. بل ان الدراسات والبحوث مستمرة للحد من هذه الظاهرة ومن هذه الدراسات، البرنامج الذي ينجح الباحثون في الولاياتالمتحدة بتطبيقه للتقليل من ساعات مشاهدة الاطفال للتليفزيون والفيديو والعاب الفيديو، بعد ان بات بحكم المؤكد وجود علاقة بين برامج التليفزيون وازدياد العنف لدى الاطفال نتيجة بحوث ودراسات سابقة.. فقد وجد هؤلاء الباحثون ان تأثير البرامج التليفزيونية العنيفة على الاطفال يمكن علاجه وقد تم اجراء الدراسة التي اشرف عليها "د. توماس روبنسون" ونشرت في مجلة طب الاطفال والمراهقين في عدد يناير 2000 على مجموعة من الاطفال في الصفين الثالث والرابع في المدارس الابتدائية في سان جوس في ولاية كاليفورنيا، وقام بعض المعنيين الذين تم تدريبهم خصيصا بتدريس الطلاب المشاركين في البحث 18 درسا تتراوح مدتها بين 20 و50 دقيقة على مدى ستة شهور للتقليل من ساعات جلوسهم امام التليفزيون وقد ادى ذلك لتقليل ساعات المشاهدة وتقليل عدوانية الاطفال. ويشجع الباحثون اولياء امور الطلاب لتقليل ساعات مشاهدة التليفزيون باللجوء الى وسائل اكثر فاعلية، مثل تشغيل ساعات التليفزيون التي تغلق الجهاز اوتوماتيكيا بعد فترة من التشغيل، كما لاحظ الباحثون انخفاض معدل المشاكل ومظاهر العدوانية اللفظية والجسدية بين الطلاب في المدرسة والتي كانت تنتج عن خلافات بسيطة. الحلول المقترحة.. ويعتقد الدوسري ان المشكلة الاساسية التي تواجه الطفل في الوطن العربي تتمثل فيما يشاهد من افلام وبرامج ومسلسلات اجنبية بعضها مخصص للكبار وبعضها الاخر مخصص للاطفال ولكنه لا يصلح لهم اطلاقا، واحاطتهم بما شاءوا ام ابوا، لذا فان الحلول التي نراها مناسبة للحد من تأثير هذه الافلام والمسلسلات على الاطفال تتلخص فيما يلي: 1 ان تلتفت الجهات التليفزيونية المنتجة فنيا في الوطن العربي الى انتاج الاعمال التليفزيونية الموجهة للاطفال بما يتناسب مع قيمنا ومبادئنا التربوية والانسانية لملء الفراغ الذي تعاني منه الساحة العربية في هذا الميدان، وللوقوف بوجه تلك الاعمال التليفزيونية الاجنبية التي لا تهدف الا للربح التجاري البحت.. 2 زيادة الرقابة على دخول الاعمال التليفزيونية والسينمائية الاجنبية التي من شأنها اثارة الرعب والعنف بين الاطفال... 3 قيام اولياء الامور بتعويد اطفالهم على النوم في اوقات مبكرة ليتسنى للتليفزيون عرض مثل تلك الاعمال في اوقات متأخرة.. 4 تأكيد الرقابة على استيراد ما يتصل بالتليفزيون من العاب الفيديو والسي دي لما لها من تأثير سلبي في اثارة العنف بين الاطفال..من جهة اخرى فقد اكدت منظمة محاربة العنف في بريطانيا في تقرير وضح فيه ان عدم التفرقة بين الحقيقة والخيال يزيد من شعور الاطفال بالخوف ويجعلهم غير قادرين على التفاعل مع ما يرونه.. لذا يجب على كل ام حماية ابنائها وذلك بمشاركتهم في مشاهدة التليفزيون فاذا ما رأوا مشاهد عنيفة وظهرت عليهم اعراض الرعب فعليها ان تغلق التليفزيون على الفور.. وينصح التقرير بالآتي: @ خذي جهاز التحكم عن بعد "الريموت كونترول" معك عندما تخرجين من الغرفة حتى لا يتمكن الطفل من تغيير القناة ومشاهدة مالا ترغبين.. @ لاحظي التصرفات العنيفة التي تظهر على اطفالك من تأثير مشاهدة التليفزيون.. @ اخبري اطفالك بشكل مؤكد ان جميع انواع العنف غير مقبولة..