في كل الاحوال، لن يكون هناك ضغط اميركي على حكومة اسرائيل. وينبغي ألا تكون هناك مراهنة عربية على مثل هذا الضغط. فواشنطن ليست لديها الارادة لممارسة مثل هذا الدور، حتى لو رغبت فيه. في المقابل، لمس العرب محدودية الدور الاوروبي، الذي تعطله اوروبا نفسها قبل ان يجهز عليه الاميركيون. وأقصى ما تسمح به الولاياتالمتحدة هو ان تلعب اوروبا لعبتها، وان تبارك عجزها وترددها الراهنين. كل الاطراف المعنية بعملية السلام في الشرق الاوسط تخدم، عن قصد وعن غير قصد، استراتيجية نتانياهو. فمنذ بدأ تنفيذ سياسته على الارض، لم يطرأ اي تغيير او تدخل على اي مستوى يدعوه الى اعادة النظر في تلك السياسة. أمهله العرب اولاً بغية التعرف الى نياته، وأمهلوه ثانياً ظناً منهم انه في صدد تصويب تطبيقاته، فوقعوا في سياسة إمهال مستديم. اما الاميركيون فقد حموه ومكّنوه من تخريب عملية السلام، وأداروا ظهورهم للاتفاقات التي شاركوا في ابرامها وأشرفوا على توقيعها، ثم راحوا يقنعون انفسهم بذرائعه، ثم تبنوا منطقه ظناً منهم انه لا بد ان يصل الى شيء من الواقعية لكنه فاجأهم بتطرفه ومع ذلك لا يجدون مناصاً من دعمه وتسويق جنونه. وزير الخارجية الفرنسي يقوم الآن بجولة يستكمل فيها اتصالاته مع دول المنطقة وحكوماتها، فيما تسلّمت بريطانيا رئاسة الاتحاد الاوروبي، واعدة بأن تدهش اطراف الصراع في الشرق الاوسط بما تنوي طرحه من افكار ومبادرات. كان هوبير فيديرين اجرى اخيراً حوارات طويلة وهادئة باللغة الفرنسية مع وزيرة الخارجية الاميركية مادلين أولبرايت. وبدا فيدرين في تلك الحوارات براغماتياً على طريقة الاميركيين، في حين بدت أولبرايت ايديولوجية على طريقة الفرنسيين. هو يتفهّم مواقف كل طرف على حدة ويضع نفسه على مسافة معهم، يقترب او يبتعد حسب معقولية كل طرف في سعيه الى السلام. وهي قد تتحلى بمثل ذلك التفهّم الا ان لديها اعتبارات تمنعها من الاعتراف بالحقائق. هو يريد التحرك وتعوزه الامكانات. وهي لديها كل الامكانات وتعوزها ارادة التحرّك. اما بريطانيا فتبدو منشغلة بقضاياها انشغال وزير خارجيتها بأموره الخاصة. بعد فترة من الشكوك والانفعالات، يمكن القول ان هناك تفاهماً اميركياً - اوروبياً. لا تنافس ولا تنازع ادوار وانما رغبة في التكامل ضمن الرعاية الاميركية لا أحد يشير الى الرعاية الروسية. ولعل ما سهّل هذا التفاهم ان تطرّف نتانياهو جعل واشنطن بحاجة الى نصائح الاوروبيين ومشورتهم، خصوصاً ان رئيس وزراء اسرائيل عطّل السياسة الاميركية نفسها في الشرق الاوسط، ويكاد يؤثر في استراتيجيتها في الخليج، اي في مواجهتها مع العراق وحتى ايران. كل الانظار موجّهة الآن الى لقائي الرئيس الاميركي مع الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الاسرائيلي. وهناك توقعات بأن هذين اللقاءين لن يكونا بلا نتيجة. لكن المشكلة هي ان واشنطن اختارت ان تحصر "رعايتها" في النطاق الضيّق الذي تركه لها نتانياهو، وليست لديها مبادرة اميركية مبنية على حواراتها مع مختلف الاطراف، العرب والاوروبيين. لذلك فإن تحقيق تقدم على اساس الفتات الذي يرميه زعيم ليكود لا يمكن ان يكون الا تقدماً مزعوماً وخادعاً. فهو أطاح مفاهيم مؤتمر مدريد وهشّم اتفاقات اوسلو، وها هو يدير "عملية سلام" بشروط لم يتح التفاوض عليها، ولا يمكن ان تخدم سوى استراتيجيته. لا بد ان يؤدي مناخ التفاهم الاميركي - الاوروبي الى مبادرة جديدة تكون بديلاً من "مدريد". فإذا عزَّ الضغط الاميركي - الضروري - على اسرائيل فيفترض استبداله بتحرك دولي يُشعر نتانياهو بأن ثمة تغييراً يستوجب منه اتباع خيارات اكثر واقعية.